الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٧ - الأحد ١٠ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٠ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية حرة

قالها صديقي الحمار قوية:

قتلتكم منابركم..! (١ـ٢)





بعد انقطاع استمر فترة طويلة، شغلتني الظروف المحيطة خلالها عن صاحبي الحمار إلى درجة أنني نسيتُ مكان إقامته.. ولكن الأوفياء يبقون أوفياء.. فقد اتصل بي صديقي الحمار على غير المتوقع وهو يصرخ ويزبد ويرعد.. لكنه عتاب الحريص على أصول الصداقة ومقتضياتها، قائلا: يا بني البشر غير المخلصين لأنفسكم ولا لغيركم أيضا.. لماذا لا تسأل عن صديقك؟.. ألستُ بمثابة أخيك وقد دامت الأخوة.. وترسخت الصداقة طويلا.. يا ....؟

أصابتني الدهشة في البداية بسبب هذا الوفاء الذي لم يعد موجودا لدى أبناء جلدتي.. وقلت للحمار: أهلا وسهلا بصديقي العزيز. ولكي أزيل عن نفسي الحرج، قلت له متملصا: السبب هو أنني استبدلت هاتفي القديم.. وكل الأرقام التي كانت محفوظة فيه مُسِحت.. ومن بينها بالضرورة رقمك يا أعز الأصدقاء في زمن أصبحت فيه كل الصداقات في ذمة التاريخ.

قال الحمار: أعتقد أنك تعرف أين أسكن وتعرف مكان زريبتي الفاخرة.. وهذه أعذار تعودت سماعها من بني البشر الذين من شيمتهم تجاهل أصدقائهم.. ويتعمدون عدم السؤال عنهم ولو بالهاتف الذي أصبح يقدم المكالمات برخص التراب بسبب التنافس المحموم بين شركات الاتصالات!

قلت للحمار: أنا غلطان وستين غلطان يا عزيزي.. وأعدك بأنني لن أتخلى عنك أبدا بعد هذا الجرم الذي ارتكبته في حقك.. وفي حق أمثالك من ذوي الإخلاص والوفاء النادر وسأبقى متواصلا معك.. ففيك من الوفاء ما يغنيني عن ألف إنسان في هذا الزمن! وها أنذا قادم لزيارتك يا صديقي.

بعد عناء اهتديت إلى مكان الزريبة التي يقطنها صديقي الحمار، وبعد اللقاء الحميمي وتبادل العتاب والتعبير عن الشوق في نفس كلٍّ منّا، جلست إلى صديقي الحمار، فأخذ يحدثني، فقال: أريد منك خدمة ولن أنساها لك مدى الحياة إذا نفذتها.. ولكن بدون شروط!

قلت له: تعلم أنني لم ولن أرفض لك أي طلب.. وأرجوك ادخل في الموضوع بدون أي مقدمة.

قال الحمار: إلى متى ستبقون مغفلين؟!

قلت له: أردد من جديد.. أرجوك ادخل في الموضوع.. من دون مقدمات.

قاطعني الحمار قائلا: استمع إلي جيدا.. ولا تقاطعني.. ثم واصل حديثه قائلا: أنتم مغفلون.. لأنكم سائرون بغباء نحو تدمير وطنكم.. والمطلوب منكم أن تدينوا الطائفيين جميعا من دون استثناء وليس هناك ما يمنع من أن تَصِفوهم بالحثالة إن تطلّب الأمر ذلك.. وعندما تتخذون موقفا بهذه الشهامة وهذا الوضوح.. فإن هذا لا يعني إدانة طرف من دون آخر.. وإنما يشمل المتطرفين والمخربين.. أعني أن هدف المتطرفين أينما وجدوا.. ومهما كانوا.. هو هدف واحد، ألا وهو تدمير الوطن!

قلت للحمار: لو سمحت.. أرجوك.. إذا كنت تريد أن توصل معلومة أو فكرة فعليك التزام الأدب يا سيدي!

أسدل الحمار أذنيه ثم هزهما في حركة مسرحية نادرة.. وأخرج لسانه وكأنه يريد أن يشتم ويسب في سره ومن دون أن يستمتع أحد بعذوبة كلماته.. ثم أشعل سيجارة.. وقال: المعلوم أنكم تعرفون ذلك حق المعرفة.. فرجال الدين أيا كانت تسمياتهم الدينية هم أمّيون حتى النخاع في الشئون السياسية، لذلك تراهم يستغلون الدين أبشع استغلال عبر ارتداء عباءة السياسة بشكل جميل ومقبول لدى الجماهير المنخدعين.. وبعبارة أدق.. هم يحشرون أنفسهم وأنوفهم في السياسة ولكن في حقيقة الأمر هم يستغلون الدين -والدين منهم براء- أبشع استغلال لتحقيق مكاسب شخصية.. وزعامات مزيفة!!

قلت للحمار: ماذا تقصد بهذا الكلام؟.. ولماذا تتهجم على رجال الدين وهم أفاضل ولهم منزلة مجتمعية كبيرة.. وأنت تريد أن تهبط بمكانتهم إلى أسفل السافلين.. لماذا تفعل ذلك؟ فهل ذلك يعني أنك أصبحت في خانة المتمصلحين؟

نظر إليّ الحمار.. وهو ينفث سموم سيجارته في وجهي وبعيدا عن الأدب الحميري المعتاد قال: انظر إلى خُطبهم أيام الجمع وغيرها.. فإذا تحدث الخطباء من فوق المنبر فإنهم يسيسونه إلى درجة تزلزله.. بينما المكان مخصص للعبادة وليس للسياسة.. وفوق ذلك كله -وهذا هو الأهم- فإنهم أصلا لا يجيدون التحدّث في السياسة، بل لا يستخدمون مصطلحات سياسية صحيحة.. ويمكنك أن تقول انها الفتنة بعينها.

قلت له: هذا كلام أفرغه لسانك الحميري من مضمونه.. لأننا نعلم أن الدين هو السياسة والسياسة هي الدين ونحن أمة الإسلام لدينا سياسات نتبعها ونستمد قيمتها من تعاليم ديننا الحنيف.

قال الحمار: يا عمي.. أنتم يزعجكم نهيق الحمير وكلما نهق حمار انهالت عليه السياط ضربا في غير ما رحمة.. بينما لا تبدون أي امتعاض أو ردة فعل حقيقية إزاء من ينهقون ليل نهار في أبواق الطائفية من فوق المنابر التي فقدت قدسيتها ودورها من فرط هذا النهيق!!

وهنا أعترف بهزيمتي أمام هذه الحقائق التي حاصرني بها هذا الصديق الوفي، فلم أتردد في أن أقول له مباشرة: أنت في هذا محق تماما.

لكنه لم يتوقف وواصل حديثه العذب قائلا: هكذا أنتم يا معشر البشر.. كلما اصطدمتم بالأمر الواقع هربتم منه متعللين بأنه «قضية شائكة» فتتركون القضية تكبر وأشواكها تقوى حتى تتحول إلى خوازيق لا خلاص لكم منها أبدا!

أفحمني بكلامه.. فحاولت تغيير الموضوع.. وقلت له: كنت تتكلم عن الطائفية والتعصب الديني والزعامات الوهمية.. فماذا في جعبتك بعد؟

قال الحمار الوفي: جعبتي فيها الكثير.. ولكن ما فيها -للأسف- من النوع الذي يدمي القلب.. حيث انقسمتم أنتم يا شعب البحرين المتحضر على أنفسكم بعد أن كنتم أسرة واحدة.. وجعلتم القاصي يطمع فيكم.. والداني يسخر منكم.. وسبحان مغير الأحوال.. عموما انتظرني غدا!





zawyahorra@aaknews.net







.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة