مقالات
الثقافة السياسية
مسؤولية رعاية الأطفال والناشئة
تاريخ النشر : الأحد ١٠ يونيو ٢٠١٢
يتكون كل مجتمع من المجتمعات في العالم من مكونات متعددة طبقاً لخصوصية المجتمع نفسه، ومن هذه الفئات فئة الأطفال والناشئة التي تتطلب رعاية واهتماماً خاصَّين، باعتبارها الفئة التي تشكل الأجيال المقبلة، الأمر الذي يستدعي استحداث مؤسسات وآليات لتلبية احتياجات هذه الفئة، والارتقاء بمواهبها واهتماماتها ورعايتها، وتطوير مهاراتها أيضاً.
وكغيرها من الفئات، فإن مسؤولية رعاية الأطفال والناشئة ملقاة على عاتق عدة أطراف، سواء كانت الأسرة، أو المؤسسات التعليمية، أو مؤسسات الدولة المختلفة المعنية برعاية الأطفال والاهتمام بهم. وعليه لا يمكن إلقاء المسؤولية كاملة على طرف من الأطراف من دون غيره.
وحتى نفهم هذه المسؤولية لابد من التعرف على طبيعة الحقوق والحريات التي ينبغي أن يتمتع بها الأطفال والناشئة، فمن المهم الإشارة إلى اتفاقية حقوق الطفل التي حرصت مملكة البحرين على الانضمام إليها في 13 فبراير 1992. وتعتبر هذه الاتفاقية أهم اتفاقية دولية تنظم حقوق الأطفال وتحميهم، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان.
إن هذه الاتفاقية التي وقّعت عليها المملكة قبل عشرين عاماً من الآن اشتملت على العديد من الحقوق والحريات التي ينبغي أن يتمتع بها الأطفال، وتشمل: عدم التمييز، ومصالح الطفل الفضلى، وتوجيه الوالدين، والحق في الحياة، والحق في الاسم والجنسية، والحفاظ على الهوية، ورعاية الوالدين وعدم الفصل عنهم، ولمّ شمل الأسرة، والنقل وعدم العودة غير الشرعيين، وحق الطفل في الإعراب عن آرائه، وحرية التعبير والحصول على المعلومات، وحرية التفكير والوجدان، وحرية تكوين الجمعيات، والحياة الخاصة والشرف والسمعة، ووسائط الإعلام.
كما تشمل حقوق الطفل بموجب هذه الاتفاقية أيضاً تربية الطفل وتنشئته، ومنع الإساءة إليه. ولقد عالجت هذه الاتفاقية حقوق الأطفال المحرومين من الوالدين، والتبني ولجوء الأطفال سياسياً، والطفل المعاق، وصحة الطفولة، والضمان الاجتماعي، ومستوى المعيشة، والتعليم وأهدافه، وكذلك الحقوق الثقافية والدينية واللغوية، والراحة وأوقات الفراغ، والحماية من الاستغلال الاقتصادي، وحماية الأطفال من المواد المخدرة والمواد المؤثرة عقلياً، والحماية من الاستغلال الجنسي، والحماية من اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم، والحماية من جميع أشكال الاستغلال، والتعذيب وكيفية التعامل مع عقوبة الإعدام، وظروف الأطفال في المنازعات المسلحة، والتأهيل وإعادة الاندماج، والمعاملة في المسائل الجزائية.
هذه الحقوق العديدة للطفولة باتت مملكة البحرين ملتزمة بها عندما وقعت على الاتفاقية، وصار الإخلال بها إخلالاً بالتزامات المملكة الدولية تجاه الطفولة. ولذلك يجري الحديث حالياً في أروقة السلطة التشريعية عن مناقشة قانون الطفل، وخاصة أن مثل هذا القانون من المفترض أن ينظم حقوق الأطفال كاملة وفقاً للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، لأن الاتفاقيات الدولية دائماً ما تتطلب قوانين وتشريعات وأنظمة وطنية للتأكد من الالتزام ببنود الاتفاقيات.
ولا يزال قانون الطفل قيد الدراسة في البرلمان بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشورى، في ظل وجود مطالبات شعبية مستمرة بضرورة الإسراع في إقراره، كما أوصى المشاركون في حوار التوافق الوطني المنعقد في صيف عام 2011 بأهمية إقرار مثل هذا القانون من أجل وضع حد لظاهرة استغلال الأطفال في الأنشطة السياسية والأعمال الإرهابية التي تشهدها المملكة منذ فترة، فلقد تبيَّن أن أعداداً كبيرة من المتورطين في مثل هذه الأعمال الخارجة على القانون هم من الأطفال أو الناشئة.
ويستدعي مثل هذا الوضع تحركاً عاجلاً لإقرار قانون الطفل، وتفعيل دور مختلف مؤسسات الدولة من أجل إعادة النظر في البرامج والفعاليات والأنشطة التي تستهدف مثل هذه الفئة التي تعرّضت للاستغلال، وانساقت وراء دعوات التطرف والعنف.
ولابد أيضاً من فهم زاوية أخرى في القضية تتعلق بعدم جواز إشراك الأطفال في التنظيمات أو المسيرات السياسية، كما أن الاتفاقيات الدولية تعتبر استغلال هذه الفئة في الأعمال الإرهابية أفعالاً مجرمة ينبغي مواجهتها، الأمر الذي يعني عدم ترك الأطراف التي تقوم باستغلال الأطفال في الأنشطة السياسية أو الإرهابية، لأنها أيضاً جرائم يعاقب عليها القانون. ومن أمثلة ذلك ضرورة محاسبة الوالدين اللذين فرَّطا في تربية أطفالهما ليتعرضا للاستغلال في أنشطة سياسية أو إرهابية، وهو ما تقوم بمعالجته بعض الدول الغربية بفرض عقوبات على الأسر التي يتعرض أطفالها للاستغلال في الأعمال السياسية والإرهابية لعدم اهتمامهم بأطفالهم، مما أدى إلى تعرضهم للاستغلال المعاقب عليه قانونياً وبحسب اتفاقية حقوق الطفل.
إن مسؤولية رعاية الأطفال والناشئة مسؤولية جماعية، ويتطلب منع استغلال هذه الفئة رعاية أسرية، وبخاصة من مخاطر اندفاع الأطفال وراء الأنشطة السياسية والإرهابية، وتتطلب في الوقت نفسه تطويراً لمختلف التشريعات الوطنية المعنية بالطفولة لتعزيز التزام الدولة باتفاقية حقوق الطفل وغيرها من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الأطفال وحقوق الإنسان بشكل عام، إضافة إلى تفعيل أنشطة وبرامج خاصة لرعاية الأطفال واحتواء هذه الفئة من أية محاولات لاستغلالها، أو استغلال أوقات فراغها أو التحديات التي تواجهها، سواء كانت تتعلق بقلة الرعاية الأسرية، أو عدم الاهتمام الرسمي، وهي أيضاً مسؤولية تشترك فيها مختلف الأطراف من أفراد ومؤسسات أهلية ورسمية.
وخلاصة هذا الأمر تتمثل في أن مسؤولية رعاية الأطفال والناشئة هي مسؤولية جماعية، وأن استغلالهم في الأنشطة السياسية والإرهابية تعني انتهاك حقوقهم التي تعد جزءاً أصيلاً من حقوق الإنسان.
معهد البحرين للتنمية السياسية
للتواصل info@bipd.gov.bh