الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


طلب وظيفة (الطلب رقم 2)

تاريخ النشر : الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٢



بصراحة لم أكن أتوقع أن يكون للجزء الأول من هذه المقالة التي نشرت في السابع والعشرين من مايو 2012 ذاك الصدى وأن يتصل بي - سواء هاتفيا أو عن طريق الرسائل النصية - كل من اتصلوا بي، فإلى جانب من أعرفهم اتصل بي قراء لا علاقة لي بهم فضلا عن إخوةٍ وأخوات قد انقطعت عنهم مدة أعوام.
ورغم أنني كنت أعاني في وقتها من نوبة إحباط شديدة لعدم حصولي على أي رد من ذوي القرار، علما بأنني أمتلك صوتا شجيا يصلح للأذان، إنني بدأت بالتفكير، وكان كل همي «لم يا ترى انتاب كل من كلمني عن المقالة هذا الاهتمام بهذه الوظيفة؟» ألأنهم أرادوها مثلا؟ ولكن كان منهم الطبيب والمهندس والموظف في البنك ذو الوظيفة المرموقة والراتب المجزي، فلم إذا هذه الوظيفة وأغلبهم لا يمتلك حتى الصوت المناسب لها؟ وفجأة انجلت لي الحقيقة فالكل يعاني من مشكلة يرى أن عملية إيصالها إلى ذوي القرار شبه مستحيلة، فإن لم يكن الإيصال عن طريق الخياط الذي سيؤذن في غير وقت الصلاة، فكيف إذاً؟ فالكل يحس أنه مظلوم وأن قنوات الوصول إلى ذوي القرار في مظلمته مغلقة، هذا إن كانت موجودة أصلاً.
إن من طبيعة الحال أن أكبر مذنب يرى نفسه مظلوماً، ولكن المشكلة تكمن في المظلومين حقاً والذين لم يجدوا الأذن الصاغية منذ بداية الأمر أو الذين تعطلت بهم عجلة العدالة أو تأخرت أو تعرضت للتخريب والتعطيل المتعمد.
فالعدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه، وهي من سمات الحكماء, وقرينة الحرية وحارسها و«تعطيل العدالة بمعنى تأجيلها يعني إلغاء الديمقراطية» كما قال روبرت كنيدي، علما بأنه لم يقل إلغاء العدالة بل فقط تعطيلها بقصد تأجيلها، والعدالة بدون قوة هي الضعف بعينه، ولكن القوة بدون عدالة هي الطغيان بعينه.
فما اليا يا ترى شدّ اهتمام كل من تواصل معي بخصوص طلب تلك الوظيفة؟ فهل أجيب هنا عن هذا السؤال ام أترك جوابه لمن مازال يرفض أن يعرض علي الوظيفة.
إن الإنسان بطبيعة الحال يحب أن يؤمن بشيء أو أن يتمسك بمبدأ معين ولكننا لا نؤمن بأي شيء لمجرد الإيمان به وخاصة إذا كان مخالفا لديننا ولمبادئنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولكن إن جاء ذلك ليواكب ما نؤمن به أو ليخدم حاجة في أنفسنا تشبثنا به.
فكل شخص ممن اتصل بي وشدّ على يدي وقال «صدقت» أو «جاءت في الصميم» وكل من سأل - وإن كان بطريقة المزاح - هل حصلت على الوظيفة؟ كانوا يرون أنفسهم فيما كتبت ويجدون فيها ما قد يشفي غليلهم، ورأوا في الوظيفة - التي تمنوها كلهم - كيفية الوصول إلى الأذن الصاغية التي بيدها العدالة إن لم يكن فقط الأذن الصاغية التي قد تدلهم على الآلية التي قد تفتح لهم باب الوصول إلى العدالة.
فكم من مظلوم وكم من مسلوب حق يجوبون الأرض من دون أن يجدوا الأذن الصاغية؟ وكم من مظلوم في كواليس الإجراءات والأنظمة؟ وكم من موظف وجد نفسه قاضيا في شئون وحاجات المواطنين في حين أنه لا حول له ولا قوة ولا يمتلك من العلم ما يؤهله لمنصبه وإنه في الحقيقة لا يصلح لأن يكون مراسلاً في تلك الإدارة؟ وكل ما تجود به نفسه عند تربعه على عرشه هو «هذه هي القوانين وهذه هي الإجراءات» ليغلق بذلك عليك ابسط أبواب العدالة وليسلبك حق التظلم أو حتى الاستئناف.
وهناك، بالطبع، من لا تطولهم القوانين ولا العدالة وهناك من يتقاعسون عمدا عن تطبيقها، ناهيك عن الفساد العارم والطاغي والمستفحل والذي بدأ ينتشر كالسرطان، وهكذا ظلمت يا أيها المواطن وهُضم حقك ومازال «ابن عمك أطرش».
على كل لا أملك هنا الا أن اتمسك بطلب الوظيفة التي تقدمت لها في المقالة السابقة وأن أعلن أنني مستعد أن أتنازل عن الراتب المخصص لمثل هذه الوظيفة، وإذا ما لم يتم أخذ طلبي على محمل الجد فإنني سأتخذ من «أخبار الخليج» منارة لأنادي منها للصلاة في غير أوقاتها وإن رفض القائمون عليها ذلك فما لي إلا أن أؤذن في خرابة. هذا ونسأل الله التوفيق والسداد.
محام ومستشار قانوني