زاوية حرة
قالها صديقي الحمار قوية:
قتلتكم منابركم..! (2ـ2)
زاويــة حـــــرة
تاريخ النشر : الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٢
حسين صالح
أقبل صديقي مفعما بالحماس لمواصلة حديث أمس.. وقبل أن أبادره بالسؤال، عاجلني قائلا: طبعا ستسألني عما في جعبتي؟.. ثم واصل قائلا: أقول لك بعبارة صريحة إن جعبتي هي بمثابة خزان مليء بالكثير من الهم والغم بسبب هذا الوضع المزري الذي أنتم فيه.. فهل لك أن تفسر لي مثلا: ماذا سيحقق لكم السلفيون أو الإخوان المسلمون أو أي من الجمعيات الشيعية أو السنية عندما يتولون زمام القيادة؟.. ألا تتعظون من تجارب الآخرين؟ فهذه الجماعات لن تحقق لشعوبها سوى تفتيت نسيجها الاجتماعي وتقطيع أوصال علاقاته بعضها البعض.. واسترسل قائلا وهو مقطب الجبين: لمصلحة من يزرعون الكراهية والحقد بين المواطنين؟!
ثم قلت له: خلاص يا صديقي، العوض على الله «فقد دخلت الكراهية كل بيت وضربت النفوس في مقتل إلى درجة أن البعض يقول إنه لم تعد هناك أي ذرة من محبة بين المواطنين.. هناك يا صديقي مجرد مجاملات وضحك على الذقون!
قال صديقي: هذه أول مرة أسمع فيها منك كلاما يمكن أن يصدر عن «بني البشر».
قلت له: يشرفني أن أكون صديقك وتلميذك!
استلقى الحمار على أحد جانبيه ثم قال: هناك من يريد أن يبيع الوطن للحصول على صك لدخول الجنة ويحصل عليه من أسياده الذين يغدقون عليه الأموال.. وهناك من سخروا ألسنتهم لدق الإسفين في ما بين أبناء الوطن الواحد فيتظاهرون بالوطنية والمصداقية مع أنهم يتربعون فوق قمة جبل المنافقين والأفاقين.. يظهرون ما لا يبطنون وقد تنطلي بضاعتهم الفاسدة والنتنة على البسطاء والمغفلين!
قلت للحمار: لم أفهم ما الذي تريده من كلامك، أوضح أكثر يا سيادة الفيلسوف.. من هم المنافقون والى أي فئة ينتمون؟
أجاب الحمار: المنافقون هم الذين نجحوا في تعميق الجراح في أعماق كل البحرينيين الأبرياء.. كل فريق يا صاحبي له أجندته ويريد نصيبه من الكعكة.. كما أنه لن يتخلى عن هذا المنصب.. والمؤسف أو المؤلم في آن واحد أنهم يحظون بالتصفيق من نفر لا بأس بهم من أفراد الشعب.. مع أن هذا الشعب -بجميع مكوناته وأفراده- هو المتضرر الوحيد من أفعال هؤلاء الآثمين!
قلت له: الشعب البحريني واعٍ.. ولا يهتم بمثل هذه السفاسف يا صديقي.
قال الحمار: هل تريد معرفة صديقك من عدوك؟.. افتح ولو لفترة قصيرة جدا صفحات التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» أو «الفيس بوك».. عندها ستصادف أصنافا من الكتابات.. بأسماء معروفة.. أقل ما توصف به هو أنها كتابات ساقطة.. وبذيئة.. تعبر عن انحطاط مريع في شخص من يكتبها.. ومعظم هذه الكتابات هي عبارة عن أنواع لا حصر لها من السب والقذف والتكفير.. وإذا ما تتبعت «التغريدات» على هذه المواقع فإنك ستصاب بالذهول والاستغراب من وجود أمثال هؤلاء الأشخاص بينكم.. ولكنها الحقيقة، سواء قبلت بها أم لم تقبل.. وأزيدك من الشعر بيتا.. فإن من بين المغردين شخصيات «كبيرة» ومعروفة في المجتمع، لا تتورع عن استخدام تعبيرات بذيئة في التخاطب مع من يختلفون معهم.
قلت في نفسي: انه فعلا «حمار العصر الحديث» وبجدارة.. انه مطلع على التقنيات الحديثة ويفهم في كل شيء، بما في ذلك الأمور السياسية.. ثم قلت له: هذه يا صديقي ضريبة الديمقراطية وعلينا أن نتقبلها!
نظر إليّ صديقي الحمار باستغراب وكأنه أصيب بالصدمة من فرط ما ارتكبت من سخف لا يغتفر.. وقال: الديمقراطية تبني ولا تهدم إذا ما أحسن استخدامها كأسلوب من أساليب بناء المجتمعات.. أنتم أثبتم أنكم بعيدون كل البعد عن الممارسة الصحيحة لها.. أتدري أنكم بحاجة إلى دروس في تعلم أساليب الممارسة الصحيحة للديمقراطية لأنكم باختصار أميون في عالمها.. فالناخبون عندكم لا يستطيعون التمييز بين الصادق والمنافق.. وما يهمهم فقط هو أن المرشح من أتباع هذه الجمعية الدينية أو تلك.. سواء وضع العمامة أو أطال اللحية أو قصر الثوب.. لهذا فإنكم تنتخبون المتطرفين دينيا أو انكم الأكثر ميلا إليهم!
قلت له متعجبا: أفهم من كلامك أن الديمقراطية لم ولن تدخل عندنا يوما؟
نهق صديقي الحمار بصوت عال وضحك وهو يتمرغ ويقهقه، قائلا: أنتم تستحقون الشفقة وأمركم غريب يا بني البشر.. فأنتم تبدعون بشكل رهيب في تغييب عقول الناس.. وزرع الكراهية بينهم.. وهذا ما نسميه في قاموسنا الحميري (استحمار عقول خلق الله).. جماعتكم يدعون أنهم مسلمون وكلهم على أرض الواقع من أنصار «فرِّقْ تَسُدْ»!
قلت له: لكنْ، هناك دول عربية تمارس الشعوب فيها ديمقراطية متطورة جدا.. نظر إليّ بسخرية وهو يمضغ «صرة الجت» التي (عزمت عليه بها).. وقال: هذا مجرد كلام.. حتى الجمعيات والتنظيمات التي تأخذ أوامرها من رجال الدين تقول انها ديمقراطية وتطالب بمزيد من الديمقراطية.. وللأسف، فقد أصبح الكل ديمقراطيا عندكم أو من دعاة الديمقراطية!
قلت له: ماذا تريد بالضبط من كلامك؟.. ادخل مباشرة في الموضوع يا حماري العزيز؟
انقلب على جنبه وبدا أن النعاس بدأ يغلبه، ثم قال: سوف لن تتقدموا خطوة واحدة إذا بقي الشعب بأغلبيته الساحقة في أيدي الأصوليين والتيارات الدينية الأخرى والجمعيات التي تفطر على الدين.. وتتغذى بالسياسة.. وتتعشى بالتطلع نحو الزعامات الوهمية، ويتبع أعضاؤها بشكل أعمى ما تبثه الفضائيات الغوغائية والمأجورة من سموم وما تزرعه من أحقاد.. وتصبح على خير أيها الجاهل.. أقفل الباب وأنت خارج من زريبتي لو سمحت.. لو كنت بني آدم؟!
قلت لحماري: أنت غريب الأطوار.. قصّر الله أذنيك!
رفع الحمار رأسه ولمحت الاحمرار يتزايد في لون عينيه، ورأيت دمعات حزن تنحدر منهما.. وقال: تذكرت في هذه اللحظة كلمات أغنية الفنان القدير عبدالكريم عبدالقادر التي تقول:
غريـب
شايل جروحي والحكي وياي
غريـب
داير وروحي هدّها ممشاي
أمشي وقلبي حزن أمشي
أشكي وطربكم إبكاي
ثم لم يتورع أن يهز صديقي الحمار أذنيه ثم يقول: باي باي!
ورغما عني وجدت نفسي أبكي بمرارة مع حماري على حالنا.. فقد تفرقت صفوفنا.. وتقطعت أوصالنا.. ولم نعد أسرة واحدة كما كنا.. هزمنا.. انهزمنا.. وقد هزمنا أنفسنا بغبائنا.. وهنّا على أنفسنا.. فلا حول ولا قوة إلا بالله
zawyahorra@aaknews.net