الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


مصر العزيزة في مهب الريح

تاريخ النشر : الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



منذ الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك إثر الثورة الجماهيرية التي اندلعت في شهر يناير من العام الماضي، ومصر لم تهدأ بعد حيث تعيش حتى الآن مخاضا سياسيا مجهول النتيجة، إذ تتقاذف الشارع قوى سياسية لم تعلن صراحة عن نياتها الحقيقية حيال النظام السياسي الذي تسعى إلى إقامته مكان النظام السابق، لكن من ظاهر الحراك السياسي الذي تعيشه الساحة المصرية حاليا، والذي تصاعدت وتيرته بعد الأحكام التي صدرت مؤخرا بحق الرئيس السابق حسني مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلي وآخرين، يبدو أن مصر ـ العزيزة على قلوب كل العرب باعتبارها جوهرة الأمة العربية ـ ليس مستبعدا أن تكون الوردة في مهب الريح، بحسب المغني البريطاني ألتن جون في رثاء الأميرة ديانا.
مصر الآن تعيش مخاضا سياسيا عسيرا وهي على موعد فاصل في تاريخها السياسي بعد الثورة الجماهيرية من شأنه أن يحدد مسارها المستقبلي، فهي إما أن تسقط في أيدي جماعة الإخوان المسلمين الذين لم يفصحوا بالكامل عن برنامجهم الخفي المعد لمصر ما بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك، فادعاؤهم «الشراكة» الوطنية والاعتراف بحقوق جميع المواطنين المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، لا يعدو أن يكون دعاية انتخابية حيث هم على موعد مع كرسي الرئاسة، وخاصة بعد الرفض الجماهيري المتصاعد في وجه المرشح الرئاسي المنافس لهم الفريق أحمد شفيق الذي تعتبره الجماهير المصرية امتدادا للنظام السابق.
فحركة الإخوان المسلمين لم ولن تتنازل عن مشروع الدولة الدينية والظروف الحالية مواتية لتفوز هذه الحركة بالكرسي الرئاسي، إلى جانب سيطرتها وأشقائها السلفيين على مجلس الشعب، وبالتالي فإن مصر على موعد للدخول مجددا في نفق سياسي مظلم من المؤكد أنها لن تخرج منه بأثمان أقل من تلك الأثمان التي دفعتها للتخلص من نظام حسني مبارك، فهذه الحركة الدينية، وغيرها من حركات الإسلام السياسي، غير مؤهلة بحكم تفكيرها وعقيدتها السياسية، لأن تبني دولة حديثة قادرة على التعاطي العلمي مع متطلبات العصر، فهي باختصار غير قادرة على إخراج مصر من مأزقها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تسبب فيه النظام السابق، بل ستزيد من تعميق هذا المأزق واستفحاله.
وكغيرها من حركات الإسلام السياسي، فقد استغلت حركة الإخوان المسلمين القدسية التي يحظى بها الدين الإسلامي في قلوب المصريين، للترويج لأفكارها السياسية، وهو ما ساعدها على الانتشار الجماهيري والحصول على تأييد شريحة واسعة من المواطنين المصريين، وخاصة في الأرياف حيث التأثير الديني قوي من جهة، ومن جهة أخرى تدني مستوى الوعي السياسي، كل هذه الظروف الموضوعية ساعدت حركة الإخوان المسلمين وأشقاءها السلفيين على البروز وتصدر المسرح السياسي المصري في هذه الفترة، الأمر الذي لا يبشر بخير لمستقبل مصر السياسي، إذ ان الديكتاتورية السياسية ستبسط هيمنتها على هذا المسرح إذا ما سارت الأمور وفق التوقعات السياسية لنتائج الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد أقل من أسبوع من الآن.
فالخطورة التي تتهدد المستقبل السياسي لمصر تكمن في دخول الحراك السياسي منعطفا لم يكن متوقعا أن يحدث بعد الثورة الجماهيرية العارمة التي أطاحت بنظام حسني مبارك، فالمصريون، كما سبق القول، أمام خيارين سياسيين، أحلاهما أمر من الآخر: فإما أن يختاروا مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي لمنصب الرئاسة، وإما ينتخبوا الفريق أحمد شفيق الذي تعتبره شريحة واسعة من الجماهير امتدادا لنظام حسني مبارك أو وريثه، إلا إذا قررت المحكمة الإدارية عزل شفيق ومنعه من الرئاسة بعد البت في قانون العزل السياسي المقرر قبيل الانتخابات الرئاسية، إذ في حالة عزل شفيق ربما تعاد الانتخابات من جديد، وفي ذلك بارقة أمل أمام مصر لتحاشي الوقوع في قبضة القوى الظلامية المصرية.
كلنا يخاف على مصر، فهي قلب الأمة العربية وهي التي تحدد صعود هذه الأمة أو انزواءها، فكلنا على علم كيف كان حال الأمة العربية حين كانت مصر تحت قيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وكيف صارت بعد رحيله، ووقوع مصر تحت قيادة الرئيس الراحل أنور السادات ومن بعده حسني مبارك، فإذا ما خرجت مصر من المخاض السياسي الذي تمر به حاليا تحت قيادة وطنية تنظر إلى جميع المواطنين المصريين كأسنان المشط، فإن ذلك سينعكس إيجابا على كل بقاع الأمة العربية، أما إذا سقطت في أيدي القوى الدينية، فإن مستقبلا مظلما في انتظار مصر والبقاع العربية كلها، فتأثير مصر العربي، لا حدود له، لهذا نريد مصر دولة عصرية تنشر شعاعها في السماء العربية، وليست دولة رجعية تفاقم من الأوضاع غير الطبيعية التي ترفل فيها الشعوب العربية.