إسرائيل والثورة المصرية.. مخاوف وأزمات مستمرة
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٢ يونيو ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
تمر العلاقات الإسرائيلية ؟ المصرية منذ قيام ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ بمرحلة من الغموض والضبابية لدرجة أن الكثير من المسؤولين الإسرائيليين والدوليين بل بعض المصريين أيضًا في حيرة من أمرهم بشأن مستقبل هذه العلاقات بعد الثورة، وهي حيرة مرتبطة بمصير معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة عام ١٩٧٩، وبظهور قوى إسلامية على الساحة السياسية المصرية تدعو أغلبها إلى مراجعة معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في حين يدعو بعضها إلى إلغائها بالكامل.
ولعله قد لا يكون من قبيل المبالغة القول إن ثورة ٢٥ يناير وما تلاها من تطورات على الساحة المصرية كانت بمثابة الزلزال الذي فوجئت به تل أبيب وتسبب لها في حالة من الارتباك والصدمة، فهي لم تكن تتصور أن نظام الرئيس مبارك - الذي ظل محافظًا على معاهدة السلام وعلى العلاقات بين البلدين رغم ما كانت تمارسه من جرائم وعربدة وانتهاكات في حق الفلسطينيين وجيرانها الآخرين ؟ سيسقط خلال ١٨ يومًا، وهو الذي ظل على تماسكه قرابة الثلاثين عامًا.
فمبعث حيرة إسرائيل والقائمين عليها أنها لا تدري طبيعة النظام الذي سيأتي بعد نظام مبارك وكيف سيكون موقفه من معاهدة السلام وتوجهاته حيال العلاقات بين البلدين، وحيال «حماس» في غزة، فهل سيأتي نظام ورئيس جديدان يحافظان على المعاهدة وعلى الحد الأدنى من العلاقات وعلى الموقف المحاصر لحركة «حماس» مثلما كان الأمر في عهد النظام السابق.. أم يأتي نظام ورئيس جديدان يحملان توجهات معادية تجاهها، ويقومان بإلغاء معاهدة السلام أو على الأقل يطالبان بتعديلها ويتحالفان مع حركة «حماس» في غزة.. وساعتها ستكون العلاقات بين البلدين قد دخلت في النفق المظلم؟
يعني هناك قلق ومخاوف تكتنف مصير معاهدة السلام، وبالتالي مستقبل العلاقات بين البلدين وطبيعة العلاقة مع قطاع غزة، ومن ثم كانت أغلب ردود الفعل التي تأتي من جانب تل أبيب تطالب بالحفاظ على هذه المعاهدة، وتحذر من المساس بها لدرجة أن هناك من دعا إلى الاستعداد لحرب متوقعة مع مصر، وساعد على ردود الفعل المتوترة هذه بعض المواقف التي اتخذتها مصر واعتبرها الإسرائيليون غير مبشرة.
بيد أنه قبل التعرض بقدر من التفصيل للمواقف وردود الفعل الإسرائيلية حيال تطورات الثورة والمخاوف التي تعتري تل أبيب فيما يخص معاهدة السلام بين البلدين لابد من الإشارة أولاً إلى الأسباب التي تجعل إسرائيل قلقة على مستقبل هذه المعاهدة، لدرجة أنه لا يخلو تصريح لمسؤول إسرائيلي إلا ويأتي فيه ذكر المعاهدة وضرورة حفاظ أي نظام جديد في مصر عليها تأكيدًا على ما تجلبه من مصلحة للطرفين.
في حقيقة الأمر تعد معاهدة السلام المصرية ؟ الإسرائيلية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لإسرائيل وبدرجة ربما تفوق أهميتها بالنسبة لمصر، فإذا كانت مصر بهذه المعاهدة جنبت نفسها مخاطر وتكلفة حرب أو حروب أخرى مع إسرائيل واستردت في الوقت نفسه شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيه عام ١٩٦٧، فإن إسرائيل بالمقابل لم تخسر شيئًا لأن سيناء كانت بالنسبة لها أرضًا محتلة وما احتلتها إلا لتقايض مصر عليها.. وهي المقايضة التي تمت بموجب معاهدة السلام والتي حققت لإسرائيل العديد من المزايا كان من أبرزها ما يلي:
١ - تحييد دور مصر في الصراع العربي ؟ الإسرائيلي، فمصر كانت دائمًا طرفًا رئيسيًا في الحروب العربية كافة ضد إسرائيل، وبموجب المعاهدة لم تعد مصر طرفًا في هذا الصراع بعد انتهاء حالة الحرب بين البلدين، ومثل هذا الوضع الجديد منح إسرائيل حرية في التعامل مع جبهات الصراع الأخرى، فكانت اعتداءاتها اليومية على الفلسطينيين، واعتداؤها على العراق وتدمير مفاعله النووي عام ١٩٨١، والعدوان المتكرر على لبنان أخطره عدواني عامي ١٩٨٢، ٢٠٠٦، وتحرشها أكثر من مرة بسوريا.
٢ - بعقد معاهدة السلام مع أكبر دولة عربية، فإن هذه المعاهدة كانت بمثابة أول صك اعتراف بشرعية وجود إسرائيل كدولة في المنطقة العربية، مما فتح الطريق أمامها للمزيد من الاعتراف بها بالدخول في تسوية سلمية مع الفلسطينيين (اتفاقات أوسلو ١٩٩٣) ومع الأردن (اتفاق وادي عربة ١٩٩٤).
٣ - التخفيف من وطأة المقاطعة الاقتصادية العربية، فالتسويات السياسية منحت تل أبيب الفرصة لكسر المقاطعة الاقتصادية العربية لها التي كبدتها على مدى سنوات الصراع العربي الإسرائيلي ومنذ بدء المقاطعة الاقتصادية رسميا ما يقرب من ملياري دولار، فأصبحت هناك علاقات اقتصادية وتجارية مع مصر والأردن والفلسطينيين وبعض الدول العربية التي تبادلت معها إسرائيل فتح مكاتب التمثيل التجاري.. وتعتبر اتفاقية الكويز الموقعة عام ٢٠٠٤ واتفاقية تصدير الغاز الموقعة عام ٢٠٠٥ بين إسرائيل ومصر من أبرز الأمثلة المهمة لهذا التعاون.
٤ - معاهدة السلام المصرية ؟ الإسرائيلية أتاحت لإسرائيل مثلما أتاحت لمصر الاستفادة من حزم المساعدات الأمريكية السنوية سواء الاقتصادية أو العسكرية، حيث يبلغ حجم هذه المساعدات السنوي بالنسبة لإسرائيل ما يقرب من ٣ مليارات دولار، بالإضافة إلى ما تحصل عليه تل أبيب من ضمانات قروض ومساعدات إضافية خاصة بتمويل برامج تسليح معينة.
٥ - معاهدة السلام وفرت لإسرائيل وسيطًا مهمٌّا وموثوقًا به يمكنه أن يلعب دورًا إيجابيٌّا في النزاع الإسرائيلي ؟ الفلسطيني، وكثيرًا ما تدخلت مصر للوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين ونجحت وساطتها في حل مشاكل وأزمات بين الجانبين كان أبرزها مؤخرًا صفقة تبادل الأسرى في أكتوبر ٢٠١١ واتفاق إنهاء إضراب الأسرى الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية عن الطعام في ١٤ مايو .٢٠١٢
٦- معاهدة السلام وما تلاها من تسويات كان من ثمارها بالنسبة لإسرائيل أنها مكنتها من استصدار قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ألغت به قرارها السابق رقم ٣٣٧٩ الصادر في عام ١٩٧٥ باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، فتخلصت بذلك من تهمة كانت تطاردها كدولة سنوات طويلة، رغم أنها عمليا تمارس العنصرية في أبشع صورها سواء ضد الفلسطينيين والعرب أو حتى ضد سكانها من اليهود، وخاصة الأفارقة.
والمتابع لردود الفعل والمواقف الإسرائيلية على مدار سنة ونصف سنة منذ اندلاع الثورة المصرية يلاحظ أنها خلال هذه الفترة مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: خاصة بالموقف الإسرائيلي من الثورة كحدث غير متوقع وما ترتب عليه من تخلي الرئيس مبارك عن السلطة، ففي هذه المرحلة امتنعت الحكومة الإسرائيلية في البداية عن التعليق على التطورات الجارية بمصر بناء على تعليمات من رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» في ظل توقعات بنجاة نظام مبارك ومخاوف من أن يحقق الإخوان المسلمون مكاسب تضر العلاقات بين البلدين.
بيد أن نتنياهو نفسه غير من موقفه ربما تحت تأثير ضعف موقف نظام مبارك فأبدى في ٢/٢/٢٠١١ تأييده للمحتجين المطالبين بالحرية والديمقراطية، محذرًا في الوقت نفسه من حلول نظام متشدد محل نظام مبارك سيكون بحسبه لطمة للسلام والديمقراطية، ومؤكدًا أن المصلحة الإسرائيلية تكمن في الحفاظ على السلام مع مصر، ومطالبًا المجتمع الدولي بحث أي حكومة مصرية على الحفاظ على اتفاق السلام مع إسرائيل.
وبعكس «نتنياهو» كان رد فعل «بنيامين بن اليعازر» وزير الدفاع السابق عنيفًا حين وجه انتقادات لإدارة الرئيس الأمريكي «أوباما» لانحيازها في رأيه للشعب المصري المطالب برحيل صديقه الرئيس «مبارك»، في حين طالب (أي اليعازر) رئيس الوزراء «نتنياهو» بإعادة احتلال محور «فيلادلفيا» على الشريط الحدودي بين غزة وسيناء منعًا لتعاظم قوة حركة حماس العسكرية.
وفي الوقت الذي أبدى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في ٤/٢/٢٠١١ تفضيلاته لنظام الحكم الذي يحكم مصر بقوله إنه يفضل وجود «نظام ديكتاتوري» في مصر على وجود نظام ديمقراطي إسلامي متطرف، فإن «إفرايم سينيه» نائب وزير الدفاع لفت إلى أن مصر لن تواصل سياسة مبارك حيال إسرائيل بعد الثورة، وخاصة أن المعارضة سيكون لها تأثير في علاقة النظام الجديد بإسرائيل، وربما يعتدل الموقف المصري من حماس، وتنتهي مظاهر التطبيع، وتتعزز فكرة أن إسرائيل خطر استراتيجي.
واللافت أنه بدأت تتردد بين أركان الحكم في إسرائيل فكرة أن حركة الاحتجاج قد تجر مصر لديمقراطية شبيهة بإيران حتى إن رئيس الوزراء «نتنياهو» طرح عدة سيناريوهات أولها: قيام نظام يتوجه نحو إيران، وثانيها: استيلاء الإسلاميين على السلطة، وثالثها: تطبيق إصلاحات علمانية، وإن ظل على تشديده على وجوب الاحتفاظ بالسلام مع مصر وجلب الهدوء لجنوب البلاد.
ولتجنب تدهور الأوضاع في المنطقة طالب الرئيس «بيريز» بوجوب تحرير الشرق الأوسط من الصراع الإسرائيلي ؟ الفلسطيني، بدعوى أنه يستغل بشكل سيئ من أطراف عديدة نظرًا لأن مسيرة السلام تسير ببطء شديد بسبب شكوك الطرفين.
ولقد ارتبط بهذه المرحلة أمران مهمان.. الأول: رفض إسرائيل طلبًا مصريٌّا لنشر المزيد من القوات العسكرية في سيناء، وذلك بحجة الخوف من انهيار معاهدة السلام في توقيت يتغير النظام المصري فيه وقد يتخلى عن معاهدة السلام بالكامل. والأمر الثاني: بروز مشكلة منع تصدير الغاز لإسرائيل، ولاسيما أن هناك اتفاقًا بين البلدين بهذا الشأن مدته ٢٠ سنة وهو الاتفاق الذي يتسبب تنفيذه في خسارة مصر ١٣ مليون دولار يوميا.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة الأزمات والمشاكل، التي بدأت بقرار مصر فتح معبر رفح في ٢٨/٥/٢٠١١ وهو القرار الذي أثار قلق إسرائيل التي تصر على السيطرة على الحدود والمعابر بين غزة والخارج، واقترحت من قبل نقل معبر رفح إلى مثلث حدودي مصري- فلسطيني- إسرائيلي في كيرم شالوم بحجة أن فتح معبر رفح سيسهل مرور السلاح إلى حركة «حماس».
ذلك القرار المصري دفع رئيس الوزراء «نتنياهو» إلى اتهام مصر بأنها عاجزة عن السيطرة على سيناء، الأمر الذي تستغله مجموعات إرهابية لترسيخ وجودها، حيث يدعي «نتنياهو» أن حركة حماس تزداد قوة داخل الأراضي المصرية بعد نقل غالبية نشاطها من دمشق إلى القاهرة بعد أحداث سوريا.
والغريب أن «نتنياهو» أبلغ الرئيس الأمريكي «أوباما» ؟ على خلفية فتح معبر رفح _ بأن إسرائيل لن تستطيع ضبط نفسها إلى ما لا نهاية، وأنها قد تلجأ إلى حلول دراماتيكية منها إعادة احتلال سيناء.
ولقد اتفق قادة عسكريون إسرائيليون مع «نتنياهو» فيما ذهب إليه؛ حيث ادعوا أنه بعد ثورة ٢٥ يناير باتت الجبهة الجنوبية مع مصر خطرة ويتحتم على الجيش الإسرائيلي إعادة النظر في الاستراتيجية الدفاعية الخاصة به بعد فتح معبر رفح وقيام مصر بقطع الغاز عن إسرائيل وإصرارها على التفاوض لزيادة السعر.
وكانت الأزمة الأهم التي كان لها وقعها السيئ على العلاقات بين البلدين هي تلك التي نشبت في ١٨/٨/٢٠١١ حين قامت طائرات إسرائيلية بشن هجوم جوي على ثكنة للجيش المصري فيما انتهكت قوة برية سيادة الأراضي المصرية ما أسفر عن مقتل ٦ عسكريين مصريين.
وإذا كان وزير الدفاع الإسرائيلي «إيهود باراك» قد حاول امتصاص الغضب المصري بسبب الحادث بإبداء الأسف وتأكيده الأهمية الكبرى لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فإن هذا الحادث - الذي وصفه البعض بأنه اختبار لرد الفعل المصري ـ قد أدى على الجانب المصري إلى المطالبة بإعادة النظر في البروتوكول الأمني بمعاهدة السلام لزيادة عدد الجنود المصريين على الحدود في المنطقة (ج) حتى تتمكن مصر من تأمين سيناء والسيطرة عليها.
وبدورها تسببت أزمة الحدود في حدوث أزمة أخرى لا تقل خطورة وهي تلك المرتبطة باقتحام متظاهرين مصريين مقر سفارة تل أبيب بالقاهرة في ٩/٩/٢٠١١، بيد أنه كان لافتًا أن رد الفعل الإسرائيلي اتسم بالحذر وعدم التصعيد؛ حيث اكتفى «نتنياهو» ووزير دفاعه «باراك» ووزير خارجيته «ليبرمان» بمطالبة الإدارة المصرية بتأمين السفارة وحماية أرواح الدبلوماسيين والعاملين بها لحين البت في بقائهم بمصر أو سحبهم منها خوفًا من تصاعد الغضب الشعبولقد فسر محللون تعامل إسرائيل الحذر مع الأزمة بأنه يرجع إلى تمسكها التام بمعاهدة السلام مع مصر (وهو هدف محل اتفاق عام في إسرائيل)، فالحفاظ على العلاقات مهم حتى لو تطلب الأمر تقديم اعتذار.. فضلاً عن وجود إدراك إسرائيلي أن هناك من يسعى لتفجير الوضع بين إسرائيل ومصر، والخوف مع تفجر الموقف مع مصر وتركيا في آن واحد (في ظل وجود أزمة مع تركيا أيضًا) والقلق الإسرائيلي من حدوث تقارب مصري - تركي على حسابها أو تشكيل محور مصري - تركي - إيراني يهدد مصالح إسرائيل.
ولقد جاءت الأزمة الرابعة بعد وقوع حادث سقوط صاروخين على ميناء إيلات وادعاء إسرائيل أنهما قادمان من سيناء، فمصادر إسرائيلية أعلنت صدور تعليمات لسلاح الجو الإسرائيلي بالإغارة على خلايا مسلحة تعمل بسيناء حالة اكتشافها وتصفيتها قبل إطلاق صواريخها على إسرائيل، بينما عاد رئيس الوزراء «نتنياهو» لتهديداته بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أي هجمات تتعرض لها، مع زعمه بأن سيناء تحولت منذ فترة طويلة لقاعدة انطلاق هجمات إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين.
والأزمة الخامسة، ارتبطت بإلغاء مصر اتفاقية الغاز مع إسرائيل وهي القضية التي قابلتها الأخيرة بهدوء حين أعلن «نتنياهو» أنه لا يعتبر قرار وقف تصدير الغاز أنه أزمة سياسية، بل وصفه بأنه نزاع تجاري بين الشركتين المصرية والإسرائيلية، وأكد أن مخزون إسرائيل من الغاز يكفيها لتحقيق الاستقلال بمجال الطاقة.
المرحلة الثالثة: خاصة بموقف إسرائيل من الممارسة الديمقراطية المصرية ممثلة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وما أثارته نتائجها من مخاوف لدى الإسرائيليين، فبالنسبة للانتخابات البرلمانية أبدى «يوفال شتاينتس» وزير المالية قلقه من نتائجها وأمل أن تحافظ مصر على الديمقراطية وعدم تحولها لدولة إسلامية متطرفة.
وفي الوقت الذي وصف «إيهود باراك» نتائج الانتخابات وفوز الإخوان بها بأنها مزعجة جدا وحذر «ديفيد بوكي» خبير شؤون الشرق الأوسط من صعود الإسلاميين إلى الحكم لأن هذا يعني نهاية معاهدة السلام مع إسرائيل، فإن «بنيامين بن اليعازر» عاد من جديد للمطالبة باستعداد إسرائيل لمواجهة مع مصر.
ولقد دفع فوز الإسلاميين بالانتخابات البرلمانية رئيس الوزراء «نتنياهو» لإعلان خطوات رأى وجوب اتخاذها لمواجهة الوضع الجديد أولاها: ضمان أمن الحدود مع مصر؛ حيث أصدر تعليمات بموازنة سريعة لإنجاز السياج الحدودي مع سيناء قبل موعده المقرر بنهاية عام ٢٠١٢، وأكد استمرار تنسيق حكومته مع الغرب لضمان استمرار معاهدة السلام مع مصر، مشيرًا إلى أن إسرائيل تأمل أن تقر أية حكومة مصرية مستقبلية بأهمية المعاهدة.
وربما لم تختلف كثيرًا المواقف الإسرائيلية حيال نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، فوزير الدفاع «باراك» أكد من جديد وجوب استمرار اتفاقية السلام مع مصر كما هي بعد انتخاب الرئيس الجديد، في حين استمر «اليعازر» على قلقه تجاه مستقبل العلاقات مع مصر بعد انتخابات الرئاسة وما سيعقبها من تغيرات في المشهد السياسي الذي سيلقي بظلاله على مصر والمنطقة.
ولقد توقع «شوك فريلش» المستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي بقاء معاهدة السلام سنوات قليلة، وحذر من انضمام مصر لمعسكر الحرب ضد إسرائيل نتيجة اندفاع النظام الجديد تحت ضغوط الرأي العام حال أي مواجهة مع حماس أو إيران (مثلما حدث في أعقاب عدوان إسرائيل الأخير على غزة حين أصدر مجلس الشعب المصري بيانًا طالب فيه بطرد السفير الإسرائيلي ووقف تصدير الغاز وتجميد اتفاقية الكويز)، وطالب فريلش قادة إسرائيل بابتلاع العداء المتوقع للقيادة الجديدة وضبط النفس تجاه الإرهاب القادم من سيناء وحماس وحزب الله.. لأنه لا شيء أهم لإسرائيل من الحفاظ على السلام مع مصر.
وبدورها توقعت صحيفة جيروزاليم بوست يوم ٢٤/٥/٢٠١٢ حدوث انقلاب عسكري إذا فاز الإخوان بالرئاسة، فيما أشادت بإبداء المرشح الرئاسي الفريق «أحمد شفيق» حسن نياته في المحافظة على معاهدة السلام.. معتبرة إياه المرشح الأفضل لدى إسرائيل، في حين كانت للمرشح الآخر د.محمد مرسي تصريحات نارية ضد إسرائيل وصف فيها الإسرائيليين بالقتلة ومصاصي الدماء.
وبعد الاستعراض السابق للمواقف الإسرائيلية من الثورة المصرية يمكن وفقًا لذلك إجمال المخاوف الإسرائيلية من تلك الثورة في ثلاثة مخاوف رئيسية:
الأول: إمكانية إقدام النظام الجديد على إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، ووقتها سيكف عن مراقبة الحدود مع قطاع غزة، الأمر الذي سيمكن حركة حماس المعادية لإسرائيل من الحصول على ما تريده من سلاح ومن المصدر الذي تريده بما في ذلك إيران، وستتخلى القاهرة عن دور الوساطة بين إسرائيل وحماس، وهي الوساطة التي نجحت بحسب ما سبقت الإشارة في حل العديد من الأزمات بين الجانبين.
الثاني: اختلاف الخريطة الاستراتيجية في المنطقة حيث ستواجه إسرائيل ما يسميه البعض «الحصار الإسلامي المحكم» من حزب الله في الشمال (لبنان) وحركة حماس في الغرب (غزة) والإخوان المسلمين في الجنوب (مصر)، ليتكون بذلك محورًا إسلاميٌّا معاديٌّا لإسرائيل الأمر ما يتطلب تغييرًا في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.
الثالث: لما كانت معاهدة السلام مع مصر تمثل بداية الاعتراف العربي بإسرائيل رغم أن السلام مع مصر كان سلامًا مع النظام أكثر منه سلامًا مع الشعب المصري، وإذا قررت مصر ما بعد مبارك إلغاء معاهدة كامب ديفيد، فإن إسرائيل قد تواجه عواقب استراتيجية وخيمة؛ حيث سيصبح أمنها القومي مهددًا أكثر من أي وقت مضى، كما أن إحساسها بالذات سيصاب في مقتل في منطقة الشرق الأوسط.
إجمالاً لما سبق فإن إسرائيل متخوفة وقادتها يعتريهم القلق من تداعيات الثورة المصرية على العلاقات بين البلدين وبالتحديد مصير معاهدة السلام، فهي تخشى فقد المزايا التي هيأتها لها المعاهدة السابق الإشارة إليها، كما تخشى مجيء نظام يتحالف مع حركة حماس في غزة وبالتالي يسبب لها المتاعب.. ولذلك تشعر إسرائيل بحجم الخسارة الفادحة التي لحقت بها بسبب غياب الرئيس السابق مبارك الذي كان بالفعل كنزًا استراتيجيٌّا بالنسبة لها وتخشى أن تعود بها العجلة إلى الوراء ٣٠ عامًا بعد أن فقدت السند والصديق الأكبر في المنطق
.