الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


رأسمالياتُ الدول العالمية

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٢ يونيو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



تطورت رأسمالياتُ الدول في العالم بشكلٍ عاصف خلال القرن العشرين، ووجدناها في دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا،(أغلب أعضاء مجلس الأمن الذين لهم حق الفيتو)، وكان تتويجها في ذروة العالم الرأسمالي باعتبارها الدول المالكة لأغلب الثروة البشرية، والتي تشكلت من خلال استغلال الشعوب وأغلبية العاملين، والتي إعتمدت العنف لتكوين كل هذا الفائض الاقتصادي.
طرق التحول تختلف بين الغرب والشرق، وحتى في دول الغرب تتباين، بين دول استعمارية قديمة هي الدول الأوروبية السابقة الذكر، التي أتيحت لها فترة مديدة من النهب الخام الساحق لقارات العالم الثالث بعد التراكم الأولي، وحتى تباينت حظوظُها من المستعمراتِ كألمانيا المتأخرة وبريطانيا الطليعية، التي انعكستْ فيها التحولاتُ الداخليةُ المتراوحةُ العنفِ بين الإبادةِ والليبرالية.
في حين قامت أمريكا المتأخرةُ في الحصول على المستعمرات على العنف في الخارج وسيطرة الشرطة العنيفة في الداخل، واعتماد سياسة الفظاظة والوحشية في التطور العام.
في حين جاءت رأسمالياتُ الدولِ الشرقية وخاصة الممثلة بالفيتو من تكوين رأسماليات دولٍ تقوم على تضحيات غير مسبوقة للعاملين وعنف سلطوي شامل، وقتل لليبرالية والحرية.
إستطاعت الدولُ الثلاث أمريكا وروسيا والصين من إنتاج ذروة الرأسمالية الشاملة: رأسمالية الدولة الاحتكارية، وإذ عمدت روسيا على نشر نموذجها الاستغلالي التسلطي عجزت عن الدفاع عنه وتطويره كما حدث في مصر واليمن والعراق وسوريا والحبشة وغيرها. لكون التعددية وتنوع أشكال الإنتاج ليس من قدرة هذا النموذج، ولا من الرؤية التي تشكلت به. فتساقطت بأشكال مختلفة.
ولم تقم أمريكا بدورها بنشر الرأسمالية التعددية الديمقراطية بل بنشر ومساعدة رأسمالية الدول الشمولية، فمع سقوط النماذج التابعة للموديل الروسي كما في مصر والعراق أبقتْ على ركائز الأنظمة السابقة مع بعض الجوانب المختلفة من حريات محدودة وبقاء لأنظمةِ رأسمالية الدولة الغارقة في علاقات التخلف والطائفية الدينية، أي بعدم تطوير هذه الأنظمة نحو الرأسمالية الحرة الديمقراطية العلمانية؛ استثماراً للمواد الاقتصادية للربح، واستثماراً للمواد السياسية الدينية في التفريق والسيطرة على الجميع. وهذا لا يمنع من بعض الادعاءات عن الحداثة ورفض تخلف المسلمين على أساس أن الطبقة المسيطرة في أمريكا مع التطور.
استغلال الثروات النفطية والأسواق الواسعة والصراعات بين الشعوب والأمم والأديان هي كلها جرت بقصدِ إبقاء مركز رأسمالية الدول الاحتكارية في أمريكا مسيطراً على الساحة الدولية.
في حين أن روسيا راحت تخسرُ توابعَها، وكانت تطوراتُ رأسماليةِ الدولة الاحتكارية فيها قد شوهت الاقتصاد وتطور السلع وقزمتْ القطاعاتَ الانتاجيةَ وعسكرتْ المجتمعَ وجعلتْ من السلاح أهم سلعة لنشرِ الموت فيها وفي العالم.
تعاونها كلها أو تهاونها في بقاء نظام مزدوج بين هذه الدراكولات العالمية وهو النموذج السوري وحليفه ومغذيه الإيراني، هو تعبيرٌ عن قيام قمم الرأسماليات الإحتكارية العالمية باستمرار الفاشية وإستثمارها وإعتبارها جزءًا لا يتجزأ من طبيعة هذا النموذج العملاق الذي طلع من بحار الدم.
كما أنه لا مانع من بقاء الأنظمة المتخلفة في رأسماليات شمولية أخرى تعيش في العصور الوسطى ويسود فيها التخلف الاجتماعي، لكن مع شرط تغذيتها للمصدر الغربي بالفوائض المالية الكبيرة والمواد الخام.
لقد فرضت قممُ الرأسمالية في الغرب والشرق نموذجَ الدولة الشاملة الساحقة، في حين أن قواعد الرأسمالية الغربية وخاصة فيها الكثير من التنوع والحريات!
ولهذا نجد رغباتها بالتهام القطاعات العامة، وتوجيه الثورات العربية نحو الصراعات الدينية وعدم نشوء قطاعات عامة قيادية متعاونة مع القطاعات الخاصة من أجل تطور مستقل ومن أجل حريات واسعة للسكان.
إن نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين تشهدان توحد البشرية على أساس أسلوب إنتاج واحد هو الرأسمالية الحرة الديمقراطية مع وجود بقايا خطِرة تتمثل في بلدان أمريكا وروسيا وإيران وباكستان والعديد من الدول العربية ذات العقد الهيكلية الاقتصادية والهيمنة العالمية والمناطقية والنزعة القومية الجامحة والاجتماعية المحافظة، مع ضخامة وجود ترسانات السلاح، وهي مشكلات ظهرت تحديات لها في الربيع العربية والربيع الغربي المحدود.
إن هذه المناطق الكبرى ستكون محل صراعات عاصفة وانفجارات كبرى ستفتت الدول وتوحد العالم أكثر.
إن هذا الأسلوب ذاته بسماته الراهنة المعبرة عن تداخل وانتصار سمات التشكيلة الرأسمالية عالمياً، هو ذاته يمثل مشكلات عميقة، كما يعبر عن وحدة الإنسانية الراهنة بتناقضاتها المناطقية الكبرى وطبقيتها الحادة بين قمم غنية وأمم هائلة فقيرة، وحاجتها لإدارات اجتماعية ديمقراطية عالمية ليس فيها فيتو واحتكار للثروات والسلاح النووي.