الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير

قيادات التأزيم في البحرين:

حوار واسترضاء أم حساب وعقاب؟

تاريخ النشر : الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٢

فوزية رشيد



} من لايزال ينظر إلى «الوفاق» أو أتباعها أو مشتقاتها من الجمعيات غير المرخصة وغير القانونية، على أنها عناصر سياسية إصلاحية، ديمقراطية وطنية، وبعد كل ما جرى في البحرين، وبالتالي يريد الحوار معها، فإنه جزء من المشكلة وليس الحل. لماذا؟ لأن لا هذه الجماعات وعلى رأسها «الوفاق» ولا أساس تكوينها، ولا ولاءاتها، ولا أجندتها، تدور في سياق التعريفات السابقة.
وما لم يتم التشخيص الصحيح لما يحدث في البحرين، فإنه لا أمل يُرتجى من الوصول إلى حلول جذرية تضمن عدم إعادة وضع البلاد على سكة الأزمة المفتعلة مجددا، التي تتعيش بين ما تتعيش عليه، دماء الناس سواء من شباب الطائفتين أو من رجال الأمن.
} التشخيص الصحيح مهم في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ البحرين، لأن التشخيص هو نصف العلاج، وإذا كان هناك حوار وطني مطلوب، فهو من أجل هذا يجب أن يكون. من أجل البحث عن أسباب ومسببات التأزيم الدائم في البحرين، ووضع الجمعيات السياسية التي تقودها موضع المحاسبة والمعاقبة القانونيتين.
في الشهور الأولى من أحداث فبراير طرحنا بعض التصورات حول ذلك ونعيدها للإفادة:
1- أن يكون على رأس أجندة أي حوار وطني جديد، طرح التصورات لإعادة بناء ترتيب البيت الداخلي للجمعيات المتسببة في إدخال البحرين في أحوال التأزيم المفتعل، والمطالبة بإعادة رسم هويتها بشرطية أن تكون هوية وطنية خالصة، لا تلاعب بها.
2- الغالبية الشعبية في البحرين تطالب بقطع الصلة بالقيادات والرؤوس الانقلابية وبتر وجودهم كسياسيين بعد أن ثبت فشلهم الذريع في القيام بدور المعارضة الرشيدة، وأي حوار وطني مستجد من المفترض ألا يكون لهؤلاء المأزومين ذاتيا وسياسيا، الذين تسببوا في معاناة هذا الشعب، ألا يكون لهم مكان فيه، وإنما لقيادات جديدة ملتزمة بالوطنية والدستور وقانون الجمعيات، وعلى أساس غير طائفي أو فئوي أو انقلابي.
3- تخليص الأطفال والمراهقين من الاستخدامات المشينة لهم، من جانب من يسمون أنفسهم المعارضة، الذين يتم استخدامهم في أعمال العنف والإرهاب وبأجر بخس كالذي كشفه الإعلامي «محمد العرب» على قناة «العربية» مؤخرا.
4- إعادة بناء الثقة بعد إسقاط قيادات التأزيم، بعمل الطائفة الشيعية وعناصرها الوطنية على إبراز وجوه جديدة تقود تلك الجمعيات وخاصة «الوفاق» في حال تأسيسها بشكل جديد، أي بشكل سياسي بحت ووطني بحت، بعد قطع الصلة بأي جماعات إرهابية خارجية، أو دول الأجندات في البحرين.
} هذه بعض الأسس الأولية ولن نزيد هنا، حيث بات أمر استقالة رؤوس الأزمة والفتنة من الضرورات الوطنية، وحيث المحاسبة القانونية واجبة ان استمر هؤلاء في التأزيم الوطني، التي لا تسقط بالتقادم أو لا تسقط حيثياتها حتى باستقالتهم، على الرغم من أن التاريخ لن يرحم أحدا منهم وخاصة مع خلط الأسباب بالنتائج. ولعل نقطة مهمة هنا لابد من ذكرها، هي أن أي حوار مثلا لن يتمكن المتحاورون فيه، من حل مسألة المظلومية أو العقد التاريخية أو قصة الارتباط الولائي والمرجعي بالخارج، وحيث فيها معا يكمن أساس المشكلة كلها، التي أنتجت (حراكا سياسيا مشوها) في البحرين إلى جانب معارضة مشوهة، ولكن بإمكان المؤسسات المدنية والأهلية، إلى جانب مؤسسات الدولة الرسمية، والوزارات المعنية، وضع خريطة طريق اجتماعية وسيكولوجية وتربوية وتعليمية وإعلامية للمساهمة في حل جذور هذه المشكلة، ومن المفترض أن يكون هناك حوارات ومؤتمرات مجتمعية مختلفة، لوضع التصورات وفضح وكشف من يستغل المذهب الشيعي في اتجاهات غير دينية، ومن يوظفه في المشاريع والأجندات الخارجية الطامعة، ومن يوجهه نحو العنف والتخريب تحت شعار المظلومية... الخ.
} أما أن يتم الحوار مع ذات الوجوه الانقلابية المأزومة سياسيا ووطنيا وذاتيا، التي حتى اللحظة تدير مضامين الأزمة والتأزيم في البحرين، فذلك ما لن يقبله الشعب البحريني ليس فقط أهل الفاتح وحدهم، وإنما بقية المكونات الأخرى، بما فيها الوجوه الشيعية الوطنية.
مشكلة البحرين التي وصلت في السنوات الأخيرة إلى تخوم الأزمة، أن ليس هناك معارضة شيعية سياسية بحتة، وجميعها ذات مرجعيات دينية وذات ولاء للخارج سواء للقوى الطائفية الممتدة في عدة دول، أو لإيران، مما يضعها في موضع الشبهة أيضا من الناحية الوطنية.
} لذلك فإنه من المفترض أن يكون هدف أي حوار (هو الخروج من أزمة هذه المعارضة المنعكسة على الأحوال البحرينية)، وذلك ليس بالسهولة أبدا إلا عبر تطبيق قانون الجمعيات وخاصة إذا كان مطلب إعادة الأمن والاستقرار، هو مطلب شعبي لدى كل المتضررين وهم الغالبية الشعبية، والحل يكمن أيضا في قطع دابر من يعبث بالبحرين، حتى لو كان عبثه تحت مسمى المعارضة، فلا يمكن ترك الحبل على الغارب لبعض الوجوه والقيادات المأزومة والتأزيمية، بأن تعيث فسادا وتخريبا، وتهدد البلاد والعباد بكل أشكال التهديد والعبث، وتحدد للشعب البحريني مصيره ومساره ومستقبله وفق رؤيتها الخاصة، التي هي خليط من كل شيء إلا المصلحة الوطنية الحقيقية ومصلحة الشعب.
} بعد مرور ما يقارب العام ونصف العام آن الأوان لدراسة ما حدث دراسة مجتمعية، لاستخلاص الدروس والعبر، ومعرفة حقيقة الأحداث، وكيفية التلاعب، ولطرح مناقشة جادة حول الأسباب ومسئولية الجمعيات السياسية عن كل ذلك، وعن التسبب في الآثار التي نتجت عن سلوكاتها التأزيمية، وآن للجمعيات السياسية الوطنية أن تأخذ موقفا منها، فهؤلاء الذين نجحوا في زرع الطائفية والإرهاب، والبعيدون عن الرشد السياسي، وعن حقيقة الممارسة الديمقراطية، وإساءة استخدام حريات التعبير والرأي، لا يمكن أن يكون الحل الوطني في مكافأتهم، وإعطائهم الفرص الجديدة لاستغلالها مرة أخرى في بناء عناصر الأزمة والتأزيم المفتعلين في البحرين مجددا. ولن يكون الحل أيضا باسترضاء من أجرم في حق وطنه وشعبه، ومن هدد أمنهما، مثلما لن يكون الحل في المجاملات، أو الخضوع للضغوط الخارجية على الرغم من معرفة أهدافها.
هذا الوطن ليس لعبة، وليس مسرحية يكتب فصولها الخونة والعملاء، وعلى الجمعيات السياسية الوطنية رفض أي حوار مع هؤلاء إن أرادوا خيرا بالوطن ومن دون تسويف ولكننة.