الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

النص الكامل لكلمة وزير الداخلية أمام مؤتمر (أمن الخليج)

مشكلة الجزر الإماراتية لم تعد قضية حدود وإنما قضية أرض محتلة

تاريخ النشر : الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٢



فيما يلي نقدم نص كلمة وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة التي ألقاها أمام مؤتمر أمن الخليج العربي «الحقائق الإقليمية والاهتمامات عبر الأقاليم»:
يطيب لي أن أحييكم بتحية الإسلام، وهي تحية السلام.. السلام والاستقرار الذي تنشده شعوب هذه المنطقة في ظل ظروف متغيرة وأحداث متتالية استهدفت أهم ركن من أركان التطور والنمو وهو ركن الاستقرار الأمني الذي يشكل عماد الحياة ومظلة النهوض.
كما يطيب لي في مستهل كلمتي أن أتوجه ببالغ الشكر لسعادة الأخ الدكتور محمد بن عبدالغفار رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة على دعوته لي للتحدث في هذا المؤتمر الهام الذي يناقش قضايا حيوية تتعلق بأمن الخليج وكل التطورات الإقليمية والدولية ذات العلاقة، مشيدا بجهود المركز في الإعداد والتنظيم، كما يسعدني أن أرحب بالمشاركين فيه ودعوة الخبراء والمختصين من الدول الشقيقة والصديقة إلى تقديم أطروحاتهم ومرئياتهم.
لقد أصبح أمن منطقة الخليج محلا للاهتمامات الدولية منذ أن غدا النفط والغاز مصادر الطاقة الرئيسية، وعماد النمو الاقتصادي والحضارة الحديثة، بسبب امتلاك منطقة الخليج نحو ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط وربع الاحتياطي العالمي من الغاز.
وانطلاقًا من هذه الأهمية أصبح أمن منطقة الخليج يعني أمن الطاقة العالمي، وتحول ليصبح مكونًا رئيسًا في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وهو ما تجسد في حرص الولايات المتحدة الأمريكية على عدم وقوع هذه المنطقة تحت سيطرة أي جهة سواء كانت قوة دولية أو إقليمية، وحرصها على احتواء تفاعلات القوى الإقليمية كأحداث الحرب الإيرانية العراقية في عقد الثمانينيات وما تلاها من أحداث حرب الخليج الثانية في بداية عقد التسعينيات؛ حيث اكتسب أمن منطقة الخليج بعدًا جديدًا بالوجود المباشر للقوات الأمريكية في هذه المنطقة، ثم قيادة الولايات المتحدة في الألفية الجديدة للحرب ضد الإرهاب.
وفضلاً عن الخسائر المالية التي تكبدتها دول الخليج في حروب وصراعات هذه الفترة والتي جاوزت 47 مليار دولار كمساعدات للعراق في حربها ضد إيران، و65 مليارًا في حرب الخليج الثانية، فان تصنيف منطقة الخليج كمنطقة عدم استقرار بسبب تلك الحروب والصراعات أبعدها عن خريطة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن ثم التكنولوجيا الحديثة، فكان ما يتدفق لها أقل من 3% سنويٌّا، مما يتدفق عالميٌّا، وإضافة إلى هذه الخسائر المادية خسرت المنطقة حياة مئات الآلاف من البشر، كما أشعلت هذه الحروب والصراعات عداوات بين أبناء الدين الواحد، وأدت إلى تفكك اجتماعي وتغذية الانقسام الطائفي، بل وأشعلت العداء بين أبناء الوطن الواحد عربي وكردي سُني وشيعي، وأبناء المنطقة الواحدة عربي وفارسي، وأوجدت خللاً في موازين القوى الإقليمية، وأدت إلى ظهور نوازع الهيمنة والتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية.
يأتي انعقاد هذا المؤتمر في وقت اكتسب فيه أمن منطقة الخليج أبعادًا جديدة؛ بسبب تعدد مصادر التهديد الأمني، كما تشهد الأوضاع الإقليمية عدم استقرار في بعض الأنظمة وتغيرات تمثلت في صعود تيارات وقوى وتعثر تيارات وقوى أخرى، وهذا الوضع المرتبك شجع إيران على التمدد إقليميا: عسكريا وسياسيا وإعلاميا.
وهذه التغييرات تلقي بظلال من التساؤل حول مدى جدية الحليف الأمريكي في تحقيق أمن منطقة الخليج، وخاصة بعد أحداث الأزمة المالية العالمية 2008 وانشغال الإدارة الأمريكية بقضايا الاقتصاد الداخلي، وبعد تبنيها سياسات تخفيف الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، وإعطاء أولوية استراتيجية لمنطقة الشرق الأقصى ومنطقة الباسفيك.
إن أكبر المخاطر الداخلية التي تهدد الأمن الخليجي أساسها التطرف المذهبي، وهو الأمر الذي تعمل إيران على تغذيته مع الأسف، وكلها سياسات تصب في جانب التفرقة والتفتيت، وفي الوقت الذي احمد فيه المولى بأننا نعيش في بلد تمسك حكمه بترسيخ قيم الدين والتقوى، إلا أننا نراقب بكل عناية ما يمكن أن يترتب على الأمن الخليجي من تنامي ظاهرة التطرف الديني الذي قام على تديين السياسة والحياة العامة ومحاولات استغلال الدين وتفسيراته لأغراض سياسية، وهذه الظاهرة أساءت إلى الصورة الذهنية للإسلام والمسلمين وجعلت الكثيرين يقرنونه بالإرهاب، مما يباعد بين المجتمعات الإسلامية وإقامة الدولة العصرية، دولة التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الأطياف والأديان.
وإذا كان الإحساس بخطورة هذا الوضع والمصير المشترك قد دفع دول مجلس التعاون للاستجابة إلى طلب البحرين باستدعاء قوات درع الجزيرة تحسبا لأي تهديد خارجي، فقد وضعت أمام المجلس مسؤولية تاريخية لا تتحقق بغير وحدة أعضائه، في وقت أصبح النظام الإقليمي العربي يفتقر إلى الوحدة والتماسك، وبات الكيان العروبي مهددًا بالذوبان في نظام إقليمي اير.
وبدورها، فإن المشاكل الحدودية العالقة بين دول المنطقة تشكل على الدوام قلقًا مستمرًا وحالة قد تفضي إلى مزيد من التوتر والنـزاع إذا لم تُحل بالطرق السلمية. فمشكلة الجزر الإماراتية الثلاث لم تعد قضية حدود وإنما هي قضية أرض عربية محتلة.. ونقف جميعًا إلى جانب الإمارات من أجل استعادتها بالوسائل المتاحة في إطار القانون الدولي.
عند الحديث عن أمن الخليج لا بد من الوقوف على دور الإعلام؛ إذْ لم يعد خافيًا على أحد أن هناك جزءًا من الآلة الإعلامية الإقليمية والدولية بدأ يستهدف دول مجلس التعاون من خلال حملات إعلامية تبثها بعض أجهزة الإعلام التي تقدم تقارير منحازة مغايرة للحقيقة، وتستقي معلوماتها من مصادر تحرص على تقديم رؤيتها البعيدة عن الموضوعية، مما يجعل الحاجة ماسة لوقف التطرف الإعلامي الذي يشجع على الفوضى والانفلات الأمني، وبث الأفكار الهدامة.. وهذا يتطلب أولاً تبني موقف جماعي لا يقتصر فقط على رد الاتهامات، بل ويقدم رسالة إعلامية شاملة قادرة على التأثير لإظهار الحقيقة.
ويتطلب ثانيًا من وسائل الإعلام العربية مراعاة انتمائها القومي وتوخي الحرص فيما تقدمه من رسالة إعلامية قد تضر بأمن دول المنطقة وبالأمن القومي العربي عمومًا.
ويدخل في نطاق الاستهداف أيضًا الدور الذي تمارسه بعض المنظمات الحقوقية التي تسعى إلى تشويه الإنجاز الذي تحقق في مجال التنمية والإصلاح تحت دعاوى حقوق الإنسان؛ حيث دأبت على تدريب عدد من أبناء المنطقة على مقاومة الدولة وتغيير الأنظمة بصرف النظر عن النتائج والخسائر، لقد شاهدنا هذه المنظمات وهي تخرج عن دورها الفعلي في حماية حقوق الإنسان وحرياته لتلعب دورا سياسيا للتأثير على استقرار الوضع.
ولقد ثبت بالتجربة أن بعض المنظمات التي تدعي أنها معنية بحقوق الإنسان تمارس سياسة الكيل بمكيالين، وأنها تتعمد استهداف دول الخليج التي تحترم حقوق مواطنيها، بينما هي تتغاضى عن انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان في دول أخرى، فأين هذه المنظمات من حماية حقوق الإنسان الفلسطيني؟ أين هذه المنظمات من حماية القيم الإنسانية مثل حماية الأخلاق والآداب العامة وصون المجتمعات من التعصب والكذب والإقصاء وما سواه؟
أما الحديث عن الوضع الأمني الذي مر على البحرين فهو بالنسبة لي ليس موضوع محاضرة أو دروسا مستفادة، بل إنها كانت فترة دقيقة وصعبة ومسئولية أمنية ووطنية، والحديث عنها أشبه بسؤال المصاب عن ألمه، وسوف يأتي اليوم الذي نتحدث فيه عن هذا الأمر، ولكن من كان على هذه الأرض خلال فترة الاضطرابات الأمنية لا بد انه أدرك تماما خطورة الوضع العام، وكيف تأزمت مشاعر الطائفية بين المواطنين؟ والتي وصلت إلى درجة القتل، وكان الموقف ينذر بدخول البلاد إلى منعطف الصدامات الأهلية لا محالة.
وعندما أقول صدامات أهلية في مثل أوضاعنا الديموغرافية فإنكم تدركون مدى حجم الخسارة الوطنية في مثل هذه الظروف، والأمثلة على هذا الأمر في وطننا العربي ليست بخافية.
وانه بالرغم من الخسائر المريرة التي فرضها الواقع المؤلم الذي مررنا به فإن تماسك الدولة وامتصاص حجم الفوضى واحتواء الأزمة وضع حدا للخسائر البشرية والمادية التي كان من الممكن وقوعها. وهذا موقف يحسب لقائد الوطن، وهنا أقول بعد الحمد لله إننا ما كنا لنصل إلى هذا الوضع والخروج من نفق الفوضى والتخريب لولا ثبات قيادتكم سيدي، وهو موقف لا يقفه إلا من هو صافي الذمة والسريرة ومن يبصر بعين اليقين ساعة المحنة. فكان أن أقمتم ميزان العدل والإنصاف من مقام القدرة والحكمة واحتكمتم إلى القانون لإنصاف الموقف، وهذه العدالة شجاعة نابعة من محبتكم وأبوتكم للجميع في هذا الوطن.
سيدي حضرة صاحب الجلالة لقد حفظتم البلاد من الانجراف إلى هاوية المجهول. ومهما قيل من كلمات الشكر والثناء فإنها لا توفيكم حقكم، وما جلالتكم جدير به وأهل له. إلا أننا في الأخير لا نملك إلا أن نقول وبكل الفخر والاعتزاز شكرا سيدي.
وقبل أن انهي حديثي أودلا أن أطرح التساؤلات التالية:
هل آثار الحروب والنزاعات التي شهدتها المنطقة ما زالت قائمة ومؤثرة؟ وهل تمت دراسة الأسباب التي أدت إليها أو الظروف المرشحة لاندلاعها مرة أخرى؟
وما مدى تأثير الملف النووي الإيراني وتداعياته على استقرار المنطقة؟
وما علاقة سياسية الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد بالاستقرار في المنطقة ؟
وهل يكون القصد النهائي من الشحن الطائفي والمذهبي هو ضرب الإسلام من الداخل؟ هل هناك علاقة بين أحداث سبتمبر وأحداث الربيع العربي؟
وهل من المفروض أن تنهار الدولة من أجل التغير؟ وما مدى تعارض نهج العنف وسقوط القتلى والجرحى مع مبادئ حقوق الإنسان؟
وما هي حقيقة العلاقة التي تربط المنظمات الحقوقية بالدول التي تنتمي إليها؟لقد كانت معالم خارطة العمليات بالنسبة لي أثناء خدمتي العسكرية واضحة الحدود والألوان وخصوصا اللون الأزرق والأحمر.. إما في الخارطة الأمنية اليوم فان الحدود مشتركة ولا يوجد أمامي إلا لون واحد وهو اللون الأزرق وعندما تنتهي مهمتنا الأمنية.. لا يعلن نصر بل يستخدم اصطلاح الأمن مستتب، ونستعد لمهمة أخرى. وهنا أؤكد أن استتباب الموقف الأمني يتطلب الوصول إلى حالة التعافي والشفاء التام، وتشمل هذه المرحلة قرارات هامة على مستوى الوطن. فالدولة مسئولة في نهاية الأمر عن صيانة أمنها، ولكن هذا يتطلب أيضا رغبة الجميع في تحقيق الاستقرار الوطني، وأهم ركائز نجاح هذه المرحلة هو التضحية بالتطرف لصالح الوطنية.