الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


إلتقاءُ الطائفيين بـ (اليساريين)

تاريخ النشر : الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



تدهور وعي المجموعات المعارضة يعودُ إلى تدهور حركاتها السياسية على مدى نصف قرن.
لقد كانت الماركسية أداةً تحليلية نقدية موضوعية ديمقراطية معبرة عن مصالح القوى العاملة كما تشكلت في الغرب، لكنها تحولت في رأسماليات الدول في الاتحاد السوفيتي والصين وغيرهما من هذه المنظومة إلى أفكار متكلسةٍ يمينيةٍ معبرةٍ عن استغلال القوى البيروقراطية الحاكمة حتى دهورت مصالح العمال والقوى الشعبية عامة في بلدانها وفي بلدان العالم الثالث.
عملياتُ نقلِها التي تمتْ حافظتْ على النهج العام نفسه المكرس سلطوياً بشكلٍ عالمي مزدوج (روسيا والصين)، الذي واجه العمليات الموضوعية في تطور بلدان العالم الثالث ذات المستويات المحدودة في التطور الاجتماعي، بخطط متطرفة وبقفزات عن المستوى الاجتماعي الحقيقي، عبر استيراد الموديل الخارجي وفرضه على الظروف.
وتشكل ذلك عبر عدم الالتفات إلى ضرورات التحالف بين العمال والفئات الوسطى لتشكيل منظومات سياسية ديمقراطية، فذلك التردد في العالم الثالث بين نموذج الديمقراطية الغربية ونموذج رأسمالية الدولة الشمولية، انتهى بسيطرة نموذج روسيا أو الصين.
في منطقتنا كانت الأحزاب الشيوعية والقومية المتطرفة حواضن لهذا النموذج، ومن هنا كانت جبهة التحرير الوطني في البحرين متأثرة في بدء تشكيلها بأفكار حزب توده التي جاءت من تجربة تكرّس وتكلس فيها نموذجُ روسيا السياسي، وإذ عكفتْ على تطويرِ حركة التحرر الوطني الديمقراطية، لم تهتم كثيراً بتصعيد التحالف التحديثي بين العمال والفئات الوسطى، بحيث صعدت وحدها من دون حلفاء اجتماعيين كثار، ولهذا ذهبت التضحياتُ الكبيرة من دون ذلك التراكم الديمقراطي الوطني الواسع، مثلها مثل النموذج الصيني المتمثل في الجبهة الشعبية، الذي خاضَ مغامرات أكثر فداحة.
كان هذا التصعيدُ استنزافياً، وأخذ النموذجان الشموليان في روسيا والصين يُظهران تآكلهما في المركز والأطراف.
النموذجُ المشوهُ للماركسيةِ في كل من روسيا والصين يظهرُ في شخصية الحزبيّ المركزية، الشخصية المسطحة، التي تخلو من أبعادٍ عميقةٍ لفهم الفكر التقدمي والإنساني عامة، وهي الشخصية العاطفية المرددة للشعارات، المضحية والمنهارة مع السنين، والعائدة للتكوين الحقيقي التي ظهرت منه وهو التُربُ الطائفيةُ المختلفة.
إن الماركسية كمنهجٍ للتحليل صدأتْ في المصدرين الروسي والصيني، وتحولتْ إلى نصوصيةٍ جامدة وانتهازية، ووضعت خطوطاً عامة للتغيير عبر المواجهة الدائمة للبرجوازية والمتوجهة للمعارك والثورات بشكل مغامر واستنزافي للقواعد الحزبية.
لهذا فإن الشخصيةَ الحزبية المناضلة تعبتْ فكراً وتسطحتْ أكثر، وعادتْ لواقعِها المتخلف، وغدتْ ذكوريةً استبدادية، ولم تصعد علاقةً مختلفة مع النساء والفئات الوسطى والثقافة، وغابتْ التحليلاتُ والتنظيرات والرؤى المختلفة المغتنية بالصراع والتنوع، والمتوحدة في العمل ذي الاستشراف المستقبلي.
لهذا لا عجبَ أن تلتقي مع القوى الطائفية المستوردة لولاية الفقيه، حيث إن هذه اختصرتْ طريقَ التنوع والنضال العميق والتعب الكفاحي الوطني وجلبتْ ثمرةَ رأسمالية الدولة الإيرانية الشمولية وأرادتْ تحويل البحرين كنموذج آخر لها، ولم تستطع بطبيعة الرؤية أن تواصل النضالَ الوطني الديمقراطي التوحيدي، الذي بذرتهُ تلك المنظماتُ السابقة ولم تواصلهُ وتطورهُ بنقدِ فكرِها وتاريخها، بل كان الموديلُ الإيراني الذي شقَّ صفوفَ الشعب، وإعادة لرؤية محافظة متخلفة سبق أن تجاوزها الشعب في مرحلة سابقة.
ومن هنا كان الحراك الطائفي الجماهيري المنفوخ بهواء المغامرات وقلة التبصر، جاذباً للنماذج المنهارة في حركة اليسار السابق المتحول للسطحية والشمولية، والذاتية.
كانت هذه أقل كلفة من التعمق في تاريخها ونقده وتطويره، وخاصة انها الموعودة بالقفز إلى الكراسي ولا تهم طبيعة هذه الكراسي سواء كان يقدمها النصُ الروسي أو الصيني الشموليان أم النصُ الإيراني.
عجزت هذه النماذج عن مقاربة الديمقراطية والليبرالية ولهذا هي في أزمة داخلية عميقة، وكذلك فإن المتأثرين بها عاشوا من دون تطوير ذات القسمات التحديثية ولهذا فإن النموذج الشمولي الطائفي الأخير يعبر عن هذا التآكل التاريخي.