الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رسائل


ماذا بعد نتائج الجولة الأولى لـ«الانتخابات الرئاسية»؟

تاريخ النشر : الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٢



إذا كانت مؤشرات نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر قد أصابت القوى الثورية المدنية بقدر كبير من خيبة الأمل عقب أن وجدوا أنفسهم في نهاية الجولة الأولى ما بين خياري تأييد شفيق فيفقدوا ثوريتهم، أو يؤيدوا محمد مرسي فيفقدوا حلمهم بالدولة المدنية، إلا أن البعض رأى في هذه النتائج مؤشرًا لم يلتفت له الكثيرون، هو أن مجموع الأصوات التي ذهبت لمرشحين يرفضون فكرة الدولة الدينية عن مبدأ أو بسبب طبيعة مصالحهم، وهم أحمد شفيق وعمرو موسى وحمدين صباحي، قد بلغ ما يقرب من 56% من الأصوات، بينما بلغ عدد الأصوات التي ذهبت لأنصار الدولة الدينية، بشكلها الصريح أو المموه، «محمد مرسي +
أبو الفتوح + العوا» لم يتجاوز 43%، وذلك على عكس النسب الكبيرة جدا التي حصل عليها الإسلاميون في الانتخابات التشريعية والاستفتاء والتي وصلت إلى ما يقرب من ثلاثة أرباع الأصوات، فهل تعبر هذه النسب عن واقع هذه القوى على الساحة السياسية بالفعل وما تفسير هذا التراجع في نسب أنصار الدولة الدينية؟
النائب باسم كامل، عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أكد أن فوز الإخوان بما يوازي 25% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، يعبر بالفعل عن ثقلهم الحقيقي في المجتمع، أما ما حدث خلال الانتخابات البرلمانية فيرجع إلى أنهم استطاعوا أن يستخدموا آلاتهم الانتخابية للحصول على عدد كبير من المقاعد الفردية، التي يتم فيها الفوز بنسبة «50% زائد صوت»، أي أنه من الممكن أن ينتخب «50% ناقص صوت» مرشحا منافسا للإخوان، لكن أصواتهم تهدر، كما أن الانتخابات البرلمانية والاستفتاء كان بهما حالة استقطاب أو فرز طائفي، لكن وجود أبوالفتوح كمنافس لمرسي في الانتخابات الرئاسية فوت عليهم فرصة استثمار الاستقطاب الطائفي، ويجب ألا ننسى أن الإخوان موجودون في البرلمان منذ 4 أو 5 أشهر، وأداءهم في تشكيل اللجان وتشكيل اللجنة التأسيسية ونزولهم بمرشحين في الانتخابات الرئاسية، وغيرها من الأمور جعل الناس تنظر إليهم على أنهم يخلفون عهودهم، كما يجب ألا ننسى أن مرور الوقت بعد الثورة مكن الماكينة الانتخابية للنظام السابق من أن تسترد وعيها من صدمة الثورة فناصرت شفيقا، فالملاحظ أن من حقق أعلى النتائج في الانتخابات الرئاسية، هما من يملكان آلتين انتخابيتين.
أما عصام شيحة، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، فأكد أن استنتاج تراجع أسهم القوى الإسلامية من خلال مؤشرات نتائج الانتخابات الرئاسية يكشف لنا حقيقة معبرة عن واقع ثقل الإخوان في الحياة السياسية المصرية، فيجب ألا ننخدع في نتائج الاستفتاء أو الانتخابات البرلمانية، فقد مارس الإخوان خلال هذين الاستحقاقين ما يمكن اعتباره تزويرًا معنويٌّا، فإذا كان لم يحدث تزوير فعلي إلا أن استخدام دور العبادة في الدعاية السياسية والانتخابية وتوظيف أسلحة الأرز والسكر واللحم في حشد الفقراء هو بلا شك نوع من التزوير، وإن كان معنويٌّا، كما يجب ألا ننسى أن الإخوان قد ارتكبوا أخطاء سياسية فاضحة منذ أن فازوا في الانتخابات البرلمانية وعلى رأس تلك الأخطاء انكشاف رغبتهم العارمة في الاستئثار بجميع مؤسسات الدولة، مثل البرلمان بغرفتيه والجمعية التأسيسية وسعيهم إلى الرئاسة رغم وعودهم السابقة بعدم دخول هذه الساحة، وكل هذه الممارسات أدت إلى تراجع أسهم وشعبية الإخوانأما إيهاب الخراط، عضو مجلس الشورى، فأشار إلى أن السبب في شعبية الإخوان والسلفيين قد هبطت من 67% إلى ما يقرب من 40%، لأن أبوالفتوح أخذ نسبة من الأصوات اليسارية، وكذلك سوء أدائهم في مجلس الشعب والجمعية التأسيسية، وليس كما يدعي الإخوان بأنها لعبة إعلامية، فجلسات البرلمان مذاعة على الهواء، والناس رأت بأعينها طبيعة خطابهم داخل المجلس، وأسلوب تعاملهم مع الآليات الديمقراطية الذي اتسم بالديماغوجية، وكذلك أسلوب سعد الكتاتني الذي به قدر كبير من الأبوية، إن لم نقل من الاستبداد.
ونفى الخراط أن يكون انخفاض أسهم مجموع القوى الإسلامية في الانتخابات الرئاسية بالنسبة إلى البرلمانية والاستفتاء على التعديلات الدستورية راجع إلى عودة الروح لتنظيم الحزب الوطني بعد استفاقته من صدمة الثورة، مدللا على ذلك بما حدث في انتخابات نقابة الأطباء التي خسر فيها الإخوان 13 نقابة من مجموعة 24 نقابة فرعية.
على الجانب الآخر، أكد المهندس عاصم عبدالماجد، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، أن طرح القضية بهذا الأسلوب يعد مغالطة، فالأصوات التي ذهبت إلى شفيق لا يعتد بها كأصوات ضد الدولة الإسلامية أو مع الدولة المدنية، فهي أصوات مشتراة بالمال، وهي أصوات أنصار الدولة «البوليسية»، فهل الدولة المدنية هي الدولة البوليسية؟
وأكد عبدالماجد أن التصنيف الصحيح يجب أن يكون لقوى الثورة في مقابل الفلول، وليس أنصار الدولة الدينية في مقابل المدنية، فإذا نظرنا للأمور من هذه الزاوية فسنجد أن محمد مرسي له الأكثرية، فإذا أضفنا له قوى الإسلاميين من أنصار أبوالفتوح والعوا تعاظمت هذه الأكثرية، وإذا أضفنا له القوى الثورية كحملة صباحي أصبحت له الأغلبية، فعبدالماجد يرى أن قوى الإسلام السياسي مازالت في صدارة المشهد السياسي، بل قوى الثوار يقولون لهم أنقذونا، فدعم حركات الإسلام السياسي هو ورقة الانقاذ من عودة الفلول.
الرأي نفسه تبناه الدكتور يسري حماد، المتحدث باسم حزب النور، الذي رأى أن ما حدث هو نتاج تشكيك الناخب المصري في الإسلاميين على مدار العام الماضي، كما يعود أيضًا إلى انقسام القوى الإسلامية الذين لم يستطيعوا أن يختاروا لهم مرشحًا واحدًا، كما أن شفيقا هو مرشح لجهة سيادية، وانحاز إليه الفلول ليصبح المنافس القوي للإسلاميين.
بينما أشارت د. إجلال رأفت، أستاذ العلوم السياسية، إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية كان لها ملمح إيجابي هو تراجع أنصار الدولة الدينية لصالح الدولة المدنية لأن الدولة الدينية لا تصلح للتطبيق في مصر، فهناك تعدد ديني، وأرجعت إجلال ذلك كنتيجة طبيعية لأداء الإخوان خلال الأشهر الستة الماضية وتبنيهم سياسة الاستحواذ وإبعاد الآخر، مما أدى إلى انحصار الاقتناع الشعبي بالتيار الديني، وهو ما بدا واضحًا بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية مقارنة بنتائج الاستفتاء والانتخابات البرلمانية التي حصد فيها التيار الديني أكثر من 70%.
لكن إجلال رأفت عادت وأكدت أن قدرة الإخوان على الحشد لاتزال موجودة على أرض الواقع، والدليل هو حصول د. مرسي على النسبة الكبرى بفارق ضئيل عن الفريق شفيق الذي تم دعمه من قبل رموز الحزب الوطني المنحل، وهو الأمر الذي دفع جماعة الإخوان إلى اتخاذ موقف تكتيكي لحصد الأصوات التي صوتت لصالح الدولة المدنية بتصريح د. عصام العريان بأن الجماعة عازمة على تكوين ائتلاف مع التيارات الأخرى كمحاولة لاستقطابها في جولة الإعادة.
وأشارت الدكتورة إجلال إلى أن الثوار ارتكبوا خطأ فادحًا، لأنهم لم يرتبوا أوراقهم ويلتفوا حول مرشح محدد، مما أدى إلى تفتيت الأصوات بين المرشحين وعدم وصول أي منهم إلى جولة الإعادة.
وأشار د. صلاح حسب الله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنها، إلى أن حصد الأحزاب الدينية أكثر من 17 مليون صوت من 27 مليون صوت خلال الانتخابات البرلمانية ليس دليلاً على دعم الشعب المصري لفكرة الدولة الدينية، وإنما كان اتجاهًا لتجربة أداء الأحزاب الدينية في العمل السياسي، وبعد مرور ستة أشهر ظهر بشكل واضح افتقار نواب الأحزاب الدينية للخبرة السياسية ولخبرة الأداء البرلماني الرقابي والتشريعي نتيجة انسياق البرلمان في الخلط بين السلطات والتدخل في اختصاصات السلطات التنفيذية والقضائية، والتعامل مع الإعلام بشكل «سلطوي» يعود بنا إلى سياسات النظام القمعي السابق، وهذا الخلط ظهر جليٌّا أمام الناخب المصري البسيط.
ويضاف إلى ذلك الدور الخدمي لنواب الأحزاب الدينية في دوائرهم الانتخابية الذين لم يقدموا فيه أي خدمة مباشرة للناخب، بل لم يوجدوا في دوائرهم أو يتوصلوا مع ناخبيهم، مما أصاب الناخب بحالة من الاستياء وخيبة الأمل دفع بالناخبين إلى التخلي عن مشروع الدولة الدينية خلال الانتخابات الرئاسية، والدليل انخفاض نسبة التصويت لصالح التيار الديني في الانتخابات الرئاسية، مقارنة بالانتخابات البرلمانية، وأكد د. صلاح أن عدد الأصوات التي حصل عليها مرشح جماعة الإخوان المسلمين والتي بلغت 6 ملايين صوت هي أقصى تأثير للإخوان في الناخبين المصريين.
وأوضح د. صلاح أن المشكلة الآن تكمن فيما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين من احتيال سياسي من خلال السعي إلى الضغط وإرهاب الناخب المصري وإرهاب الأقباط على وجه التحديد بتفسير التصويت لمرشح الإعادة الفريق شفيق على أنه يمثل خطرًا على الثورة المصرية، وأن هذا يمثل دعمًا للنظام السابق مما يترتب عليه المزيد من الانقسام داخل المجتمع المصري.خدمة «وكالة الصحافة العربية»