هوامش
كفى عبثا بهذا الوطن
تاريخ النشر : الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
السؤال الملح الذي في اعتقادي أنه لا يقل أهمية وضرورة موضوعية عن السؤال التاريخي لقائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين: «ما العمل»؟ السؤال الذي أعنيه ويجب علينا جميعا أن نعمل على إيجاد جواب إيجابي وموضوعي له هو: كيف يمكن لنا أن نوقف هذا النزيف الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه بلادنا وشعبنا على مدى أكثر من خمسة عشر شهرا، أي منذ تفجر الأحداث المؤلمة في الرابع عشر من فبراير من العام الماضي واستمرارها بدرجات وبأشكال مختلفة ومتفاوتة من حيث الصعود والهبوط، من دون أن تلوح في الأفق القريب علامات مبشرة بقرب مغادرة هذه المحنة التي تعيشها جميع مكونات شعبنا التي هي جميعا تدفع ثمنها من دون استثناء؟
فليس مقبولا ولا يمكن لعاقل يحمل هموم هذا الوطن ويحرص على حماية مستقبله ومستقبل جميع مكوناته، أن يرضى بما يحدث وأن يبقى متفرجا أو يتعاطى سلبيا مع مثل هذه الأوضاع غير الطبيعية ولا يعمل أو يسهم في الدفع باتجاه حلحلتها والبحث عن ثغرة في جدار الصد الذي تسببت فيه الأحداث الأخيرة، فقد تساعدنا هذه الثغرة على النفاذ إلى الفضاء الأرحب الذي من خلاله نستطيع معالجة قضايانا بكل مسئولية وتجرد من الحسابات الخاطئة.
في الوقت الحاضر، تموج الساحة الوطنية بمواقف متضاربة ومتباعدة بل أحيانا متناقضة مما يدور في بلادنا من أحداث، فـ«الجميع» من حيث المبدأ يدعو إلى الحفاظ على المصالح الوطنية وضرورة العمل على إيجاد مخرج من هذه الأوضاع غير الطبيعية والبدء بحوار وطني جاد ينتشل بلادنا من الحالة التي تمر بها حاليا، البعض يطرح الحوار بشروط وآخرون يطرحونه من دون أي شروط، ولكن يحدث ذلك في حين يعلم الجميع أن الضرر الناجم عن هذه الأوضاع يلسع جميع مكونات المجتمع، بعيدا عن تفاوت واختلاف حجم وقسوة هذه اللسعات.
من المؤكد أن هذه الـ«لكن» تمثل واحدة من العقبات الكأداء التي تقف حائلا دون المباشرة في تدشين عمل وطني مشترك يدفع باتجاه الخروج من النفق الذي وجدنا أنفسنا جميعا بداخله، وبدلا من تكثيف الجهود للبحث عن الوسيلة والسبيل الكفيلتين بالخروج منه، فإن هناك مؤشرات تؤكد أن البعض لا يريد نهاية لهذا الوضع غير الطبيعي ويسعى إلى سد أي ثغرة يمكن أن تمثل بارقة أمل تضيء الطريق أمامنا للخروج من النفق.
في اعتقادي أن أي طرف من الأطراف الوطنية الفاعلة على الساحة الوطنية يطرح نفسه على أنه حريص على استتباب الأمور في البلاد وعودة الحياة السياسية والاجتماعية إلى حالتها الطبيعية، مطالب أكثر من غيره بالدفع ناحية التهدئة وتخفيف الاحتقان الطائفي الذي يمثل أحد المخاطر الحقيقية التي تهدد مستقبل بلادنا ونسيجنا الوطني، فلا يمكن الحديث عن مبادرات وطنية وتحركات أهلية لحماية وصون الوحدة الوطنية، وفي الوقت نفسه تترك الأصوات الطائفية والخطب التأزيمية تغذي هذا الاحتقان وتصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة.
فتهيئة الظروف الموضوعية للعمل على وقف النزيف الذي يتعرض له وطننا وشعبنا، يتطلب ـ قبل كل شيء ـ إظهار النيات الصادقة والتحلي العملي بروح المسئولية الوطنية والاعتراف فعلا، وليس قولا فقط، بأن هذا الوطن تبنيه وتحفظه جميع مكونات شعبه، وأن لا مستقبل لنا جميعا إلا من خلال العيش المشترك والعودة إلى سمات التسامح والألفة التي جبل عليها الجدات والأجداد وكل من ورث عنهم هذه السمات الجميلة التي جعلت من البحرين منارة وضاءة في مختلف مراحل تطورها السياسي والاجتماعي، حيث مثلت البحرين صورة جميلة وقدوة لتعايش مختلف الأعراق والأديان والطوائف.
فهذه مقومات لا غنى عن التمسك بها وتدعيمها وتعزيزها والعمل على حمايتها لأنها تمثل الركيزة الحقيقية التي تجعل من الوطن وعاء وحضنا قادرين على استيعاب جميع مكونات شعبنا، أما أن نتحدث عن المصالحة أو عن المصلحة والوحدة الوطنيتين، في الوقت الذي تطعن فيه الخناجر خاصرة هذا المكون أو ذاك، فإن هذه ليست أجواء مصالحة بل تخريب لأي جهد مخلص يعمل الواقفون وراءه على تحريك المياه الراكدة في بركتنا الوطنية مما يتسبب في تفاقم الوضع وإطالة أمد الأزمة.
إن شعبنا وبلادنا لا يستحقان هذا التدمير البطيء وهذا العبث القاتل.