الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠١ - الخميس ١٤ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


(أمّة في خطر)





في ١٢ يونيو ٢٠١٢ انطلقت في المنامة فعاليات مؤتمر «أمن الخليج العربي.. الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم»، وبمحض الصدفة كنت في ذات الوقت قد أعدت الاطلاع على التقرير الأمريكي الذي اعتبر ثورة حقيقية داخل أمريكيا فيما لفت إليه من خطورة تتهدد هذه الامبراطوية العالمية، وهو بعنوان (أمة في خطر، A nation At Risk)، وقد صدر في عام ١٩٨٣، ومضمونه التعليم والتردي التعليمي، الذي وصفه التقرير بالعبارة اللافتة والواصفة الدقيقة أنه (لو قامت قوة معادية بفرض أداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الأمريكي لعُدّ ذلك مدعاة للحرب، ولكن ذلك يحدث الآن من خلالنا نحن الذين سمحنا به).

بين حدي الأمن والتعليم نعيش في الخليج حالة مربكة من الأسئلة التي يجب أن تفضي إلى إجابات واعية وحاسمة، في مرحلة أيضاً هي حاسمة، وقد قصدت من الربط بين الأمن والتعليم لما يمثله الأول من ضرورة وما يمثله الثاني من قيمة، لأن الحاجة إلى الأمن هي في أصلها القدرة على الحياة واستمراريتها، ولأن قيمة التعليم هي ما تنهض به الحياة وينشأ منها الوعي والثقافة، وليس من ردع للتهديدات أهم من الأمن، كما ليس من مواجهة للتحديات من التعليم، فهما صماما أمان الدولة، أي دولة، مهما بلغ شأنها ومكانتها، وليس أدل على ذلك مما تعرضت له الولايات المتحدة الامريكية من خطر، وكشفت عنه في تقرير خبرائها الـ ١٨ الذين اختارتهم من كل القطاعات السياسية والتعليمة والاقتصادية والاجتماعية.

إذا كان الأمن ركيزة الاستقرار الأولى، فإن التعليم أيضا هو الركيزة التنموية الأولى، ويعني هذا أول ما يعني، تنمية الثروة البشرية وتطويرها وإعادة إنتاج قيمتها وقيمها وأدوارها، ومثلما قال الفيلسوف النمساوي كارل بوير (علينا أن نخطط للحرية والأمن معا)، قال التقرير الامريكي حول التعليم إنه (للمرة الأولى في مسيرة التعليم العام بأمريكا سيتخرج جيل لا يتفوق على آبائه، وحتى لا يساويهم أو يدانيهم في المهارات والمعارف والقدرات).

الأمن والتعليم ليسا خيارين من خياراتنا المتعددة، بل هما ضرورتان بالغتا الأهمية والاعتبار، والدولة أو الأمة التي لا تعنى بأمنها ستسفُّها رياح الآخرين، وتقتلعها التهديدات والأطماع، والدولة التي لا تهتم بتعليمها ستكون عالة على حاضرها، مستقيلة من مستقبلها، في الحقيقة لا توجد مسافة بعيدة وشاقة لفهم ثنائية الأمن والتعليم، وقد اختصرها كل من الصحابي العربي الأحنف بن قيس حين قال: لا خير في حياة بلا أمن، الامريكي الحقوقي والمناضل مالكوم إكس حين قال إن التعليم ليس استعدادا للحياة، إنه الحياة ذاتها، علينا إذن أن نخطط للحاضر والمستقبل عبر طريقي الأمن والتعليم، اللذين هما عماد الدولة، ورهانها على قوتها المادية والمعنوية.

لقد جاء انعقاد مؤتمر أمن الخليج في المنامة حاملاً بعداً استراتيجياً إقليمياً مؤثراً على كل العالم أيضاً، نظراً لما تتمتع به منطقة الخليج من أهمية ومكانة، وجاء الربط مع التعليم في ظل سعي مملكة البحرين الحثيث لإصلاح التعليم، وتحقيق فاعلية تربوية وتعليمية ذات قدرة على الالتزام بمعايير وعناصر الجودة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن صناعة الأمن منوطة أيضا بتوظيف التعليم واستغلال قدرته الفائقة على التطوير والاصلاح وتحمل المسؤولية الوطنية ببعدها الأمني أولاً.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة