هل لاتزال البحرين على كف عفريت؟
 تاريخ النشر : الخميس ١٤ يونيو ٢٠١٢
بقلم: حسن عبدالله المدني
وأنا أعكف على جمع مقالات الوالد الشهيد عبدالله المدني رئيس تحرير مجلة «المواقف» الأسبوعية لإصدارها في كتاب وضعت له ابتداء عنوان «ثمن الكلمة»، قرأت عددا من المقالات له رحمه الله كانت تحمل قضايا وجودية ملحة، وفي لحظة تصورت أن تلك المقالات كتبت اليوم وليس قبل قرابة الأربعين سنة، ولئن كان بعض هذه المقالات يستشرف المستقبل ويتنبأ بما ستؤول إليه الأمور ويحذر مما سيقع في «المستقبل» الذي صار الآن حاضرا، فإنه في الوقت ذاته يشير إلى تعثر في الحراك المجتمعي وربما إلى تراجع في بعض المسارات (ما هي الأسباب؟)، فما كان يصلح للكتابة فيه قبل نحو نصف قرن لايزال موضوع الساعة إلى الآن، وهذا أمر غير طبيعي، ولو نشرت مقالا كتب في تلك الفترة لحسبه الكثير من القراء قد كتب اليوم.
فمنذ ٣٨ سنة تساءل صاحب المواقف في افتتاحية المجلة التي جاءت بعنوان «البحرين على كف عفريت» قائلا: «الإعصارات التي تتقاذف البحرين في الآونة الأخيرة.. هل هي إرهاصات مرحلية تدفعها البلاد كضريبة للعهد الديمقراطي أم هي نذر ردة سياسية مرتقبة؟».
وقال في ذات المقال: «فالكثير من الإضرابات يرى بعض المراقبين أنها لم تكن طبيعية ولم تشهد البلاد مثيلا لها من قبل، ويرجعون ذلك إلى تحريك وتحريض من فئات تفرض عليها عقيدتها الا تدع للاستقرار موضعا، ولا للأمن استتبابا، لأن أفكارها لا تعشش إلا في أجواء الفقر والجهل والمرض؛ فهي تعرقل كل عملية إصلاحية حتى تهيئ (للتناقض) الذي تبني عليه نظريتها في تغيير الظروف الاجتماعية».
وفي مقال له كتبه في يوم الاثنين ١٧ يونيه ١٩٧٤م تحت عنوان: «من هم ضحية الفتنة؟»، قال: «في الأسابيع الأخيرة ارتفعت الإضرابات العمالية في البلاد بشكل لم يسبق له مثيل، بحيث أخذت تهدد دعائم الاقتصاد في البلاد، مما يؤكد أن مؤشر الأحداث يشير إلى أن الأمر لم يكن طبيعيا، وإنما وراء الأكمة ما وراءها، وليس أدل على ذلك من سير الأحداث الأخيرة في شركة (ألبا) الذي يكشف عن وجود العنصر الغريب عن المطالب العمالية في صفوف العمال، ويخرج القضية من قضية عمال لهم مطالب مشروعة ويطالبون بها بطرق مشروعة أيضا، إلى قضية وجود أيد تعمل على هدم الاقتصاد في البلاد، وإلى قضية سياسية لها ذيولها البعيدة، التي تنفذ بأيد غريبة وغير مرتبطة بتراب هذا البلد وشعور هذا البلد، تلك العناصر الغريبة وجدت لها من تتعاون معه في تنفيذ مخططها من عناصر محلية لا تؤمن بالإصلاح وبتغيير الواقع عن طريق الحياة الديمقراطية، بل إن مخططها يرمي إلى إشاعة الاضطرابات وخلق الأزمات الاقتصادية والسياسية لجر البلاد إلى حالة من التأخر حتى يتسنى لها العمل حينها لتنفيذ مخططاتها. ولكن.. من هم الضحية لتلك العناصر المخربة التي تنسج خيوطها على تراب هذا البلد العزيز؟ إن الضحية في كل ذلك هو العامل البريء، والمواطن المسكين، بل الضحية هو الوطن بكل ما يحمل من معنى».
ومن عناوين تلك المقالات على سبيل المثال «الدولة ورعاية الشباب» و«كفروا بكل شيء لأن الفقر كافر» و«المسيرة العمالية» و«الريف يتطلع للديمقراطية» و«سأقول كلاما أقسى من الرصاص» و«الزراعة إلى أين؟» و«العلاوة والقطاع الخاص» و«نماذج للحرمان»، وغيرها من المقالات التي تدل عناوينها على مضامينها.
ورغم صدقية المقالات وجرأتها، فانها ليست نصوصا مقدسة صالحة لكل زمان ومكان ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، وبودي أن تكون هذه المقالات من الماضي، اليوم قبل الغد، وأن تصبح تاريخا، إلا أنها وللأسف مازالت صالحة للحاضر وأتمنى ألا تكون صالحة للمستقبل، فالواقع هنا محتاج إلى تغيير إلى الأفضل بشكل سريع رغم كل الذي تحقق وهو أمر لا ننكره ولا نقلل من شأنه، وحينما نقول «تغيير» فالجميع معني به على المستوى الرسمي وعلى مستوى النخب السياسية والجمعيات، ولا نقصد بـ «التغيير» هنا ما يتبناه بعض أطياف المعارضة السياسية اليوم، فلسنا بحاجة إلى «تقويض» الدولة (وهذا ما نادى به أحد رموز المعارضة في الخارج صراحة وبذات اللفظ في إحدى القنوات الفضائية الإيرانية مطلع هذا الشهر يونيه ٢٠١٢»)، ولسنا بحاجة إلى ثورة على المجتمع تؤخر انطلاقتنا أو تحد منها، وإنما نقصد «ثورة» في الخدمات المقدمة للمواطنين: في الإسكان والصحة والعمل وغيرها، ثورة على المستوى التشريعي، ثورة تحديث وتجديد الهياكل القديمة في الدولة، «ثورة» ثقافية وعلمية تبدأ من العقول وتتحقق مكاسبها على الأرض بعد أن تحقق القطيعة المعرفية مع أحزاب باتت متخلفة عن العصر وعن طموحات الناس واحتياجاتهم الفعلية، وهي ليست احتياجات ايديولوجية أو طائفية، ولا هي تعبير عن حالة نفسية مغروسة في البناء الثقافي، وإنما هي تعبير عن تفاعل حي بين الإمكانيات والطموحات، وستحتاج هذه الثورة أول ما تحتاج إلى عدم الارتباط بأحزاب ما قبل الاستقلال كـ«الجبهة الشعبية» و«جبهة التحرير الوطني» و«البعث»، وكل الجمعيات المتولدة عنها أو المرتبطة بها، وعدم التنسيق معها، وكذلك إعادة النظر في الارتباط بالأحزاب الجديدة التي يبدو أنها ولدت ميتة ومن دون أفق، لأنها ولدت طائفية.
إنها «ثورة» يستحق مكاسبها شعب البحرين وهو حقيق بها قبل غيره لما يمتلك من رصيد حضاري على مستوى المنطقة.
moc.liamtoh@٨٣١٠٥٨٩٣h
.