الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


التعليم العقاري وإمكانات ترقية القطاع العقاري بمملكة البحرين

تاريخ النشر : الخميس ١٤ يونيو ٢٠١٢



تشير التجارب الانسانية المعاصرة إلى ان معالجة اي مشكلة اقتصادية او سياسية او اجتماعية او غيرها بشكل جاد وجوهري وبطريقة تحقق ممانعة ووقاية طويلة الاجل من تداعياتها، يتطلب مراجعة مناهج التعليم والبحث والتدريب ذات العلاقة المباشرة بها، وترصين وتطوير المؤسسات التعليمية والتدريبية والبحثية القائمة على ذلك. وبعد ازمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الامريكية التي قادت إلى الازمة المالية العالمية، تصاعدت الدعوات الاكاديمية والعقارية إلى اهمية الاهتمام بالتعليم العقاري وتحديث مناهجه وتصحيح مفاهيمه وتعزيز تشابكاته مع العلوم ذات الصلة بالقطاعات الاقتصادية الاخرى ولاسيما القطاع التمويلي والتسويق والتثمين والتخطيط الاستراتيجي والاقتصاد المعرفي وغيرها، ولعب الاتحاد العالمي للتعليم العقاري المؤسسة الدولية الرائدة المتخصصة في تدريس العلوم العقارية ويضم في عضويته عدداً من الجامعات المهتمة بالشأن العقاري. بالاضافة إلى العديد من المعاهد العقارية العالمية المتخصصة في مجال التعليم العقاري، إلى جانب مراكز التعليم والتدريب العقاري في عدد من دول العالم ، دورا حيويا في مجال الدعوة إلى تطوير مناهج التدريب والتعليم الخاصة بتطوير أعمال القطاع العقاري. ومما ينبغي ذكره ان الاتحاد يهدف إلى مساعدة المؤسسات التعليمية العقارية على تطوير مناهجها وتحديثها إلى جانب تحديث أساليب التعليم العقاري وتطوير الهيئات التدريسية.
وعلى الصعيد العربي توجت المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية اهتمامها بتداعيات الازمة المالية العالمية على القطاع العقاري العربي وادراكها أن القاعدة الرئيسية الداعمة لتجاوز تلك التداعيات تبدأ من التعليم العقاري بتوقيعها لاتفاقية تعاون مع كلية دبي العقارية تهدف إلى نشر المعرفة العقارية على مستوى الدول العربية، ونشر المهنية والاحتراف في مجال العمل العقاري.
اما في مملكتنا الحبيبة فعلى الرغم من التحديات التي يواجهها القطاع العقاري، وتعوق مسارات نموه وتمتد بآثارها السلبية إلى القطاعات المتشابكة معه التي تغذيه بركودها وتزيد من مشكلاته تفاقما ، لم يتم الانتباه الجدي المقرون بالقرار المناسب في الوقت المناسب من قبل العاملين في الشأن العقاري والجهات الرسمية ذات الصلة، لعظم العلاقة بين التعليم والتدريب العقاري وترقية القطاع العقاري والاسهام بحل مشكلاته في البلاد. بالرغم من الخطوات الطيبة التي قامت بها مؤخرا جمعية المطورين العقاريين بالاشتراك مع تمكين في تنظيم دورة تدريبية عقارية. فضلا عن الجهود السابقة التي بذلتها اللجنة العقارية في غرفة تجارة وصناعة البحرين ومركز التعاون الخليجي للدراسات والاستشارات والتطوير، حيث حاولا بشكل مشترك انشاء كلية عقارية ثم معهد للتنمية العقارية الا ان المشروعين لم يجدا الدعم والحفز الكافيين. كما ان مركز البحرين للدراسات والبحوث المنحل سبق ان نظم ثلاث دورات عقارية، الا ان مشاركة العاملين في القطاع العقاري في هذه الدورات كانت محدودة ولا تتناسب مع اهمية التدريب والتعليم العقاريين وحاجة القطاع العقاري في المملكة اليهما بالرغم من ان التحديات التي تواجه القطاع العقاري كانت في اغلبها ناجمة عن غياب التعليم العقاري فمثلا مشكلة المشروعات العقارية المتعثرة حاليا، وبعض المشروعات العقارية القائمة والتي لاتجد من يستأجرها او يستثمرها تدلل على غياب او على الاقل ضعف دراسات الجدوى العقارية والمالية التي اتخذ قرار الاستثمار فيها على ضوئها.
وانطلاقا من الادراك المسبق لاهمية التعليم العالي العقاري المنهجي والاكاديمي ولعمق الصلة بين قطاع المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية والقطاع العقاري ولبلورة فكرعقاري متطور، فقد تضمن مشروع الجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الاسلامية الذي قدم إلى وزارة التربية والتعليم منذ خمس سنوات، قسما متخصصا بالعلوم العقارية يستهدف تخريج موارد بشرية مؤهلة ومتخصصة في الاعمال العقارية، لتغطية الحاجة الماسة إلى هذا التخصص، وطنيا وعربيا، في شركات التطوير والاستثمار العقاري وشركات التسويق والتثمين وادارة الاملاك العقارية والبنوك وشركات التمويل العقاري ومنشآت الوساطة العقارية بمختلف تخصصاتها ونشاطاتها، علاوة على الوزارات المعنية بالشأن العقاري كوزارة الاسكان ووزارة الاشغال ووزارة العدل وجهاز المساحة والتسجيل العقاري ووزارة البلديات والتخطيط العمراني فضلا عن تطوير امكانات العاملين في القطاع العقاري ومنحهم القدرة على القراءة السليمة لمتغيرات ومستجدات القطاع العقاري والمعرفة الواسعة بالنظم والتشريعات العقارية الوطنية والدولية، وإجراء الدراسات العلمية لتطوير جوانب الممارسة التطبيقية في المجالات العقارية، باعتباره قناة متخصصة تسعى لإيصال التطورات الحديثة في علوم العقار وممارساته العالمية الراهنة، الامر الذي يؤدي إلى رفع الكفاءة المهنية العقارية ويؤسس حراكا علميا وثقافيا عقاريا، لابد ان يقود بالضرورة إلى المساعدة على تجاوز المشكلات العقارية وصولا إلى تحقيق التنمية المستدامة في مملكتنا الحبيبة التي تشهد انطلاقة دائمة نحو الاصلاح والتجديد المستند إلى ايمان راسخ باهمية النهوض بمختلف ميادين الحياة، ذلك النهوض الذي تسهم وزارة التربية والتعليم بقدر واسع منه بحكم اهمية القطاع الذي تديره، فمن (التعليم) ينطلق الاصلاح ويترسخ البناء وبها تتعمق ثوابته، فاليها تتوجه الانظار لتعزيز ريادة البحرين في العلم والتعليم والتدريب كي تبقى على الدوام المركز الاكاديمي الاقليمي المتطور والمتميز الذي يتناغم معه، ان لم يسبق ويستكشف احتياجات سوق العمل وطنيا واقليميا، وان لا تتخلى عن هذا الدور تحت اي ظروف او مبررات مستمدة العزم من الرؤية الحافزة لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة المفدى والتوجيهات السديدة لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس مجلس الوزراء الموقر، والسعي الدؤوب لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الامين، في دعم واحتضان المبادرات الرائدة التي تؤسس لمستقبل زاهر لمملكتنا الحبيبة وتجاوز حلقات الروتين وهدر الزمن.
* أكاديمي وخبير اقتصادي