الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب


ماذا بعد مفاوضات بغداد بين الغرب وإيران؟

تاريخ النشر : الخميس ١٤ يونيو ٢٠١٢



لا أحد يعرف على وجه التحديد حقيقة النيات الإسرائيلية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الذي تطوره إيران وتصر على استمراره رغم الضغوط والعقوبات والتهديدات الغربية عامة والأمريكية والإسرائيلية على وجه التحديد، وإلى أي حد يعكس كلام القادة الإسرائيليين حقيقة نياتهم وهل ينجر المجتمع الدولي ويصعد الموقف ضد سلطات طهران إلى حد المواجهة العسكرية؟
إن إعلان وجود فيروس «مٍفٌئ» المتطور، الذي يتمتع بقوة تدميرية عالية، يأتي ليذكرنا بأن الحلول غير العسكرية جزء لا يتجزأ من هذه المعركة الخفية.
إذا كانت إسرائيل تفكر في القيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية في غضون الأشهر القليلة القادمة فإن الأحداث والتطورات الأخيرة تزيد من هذه الاحتمالات. لا شك أن فشل المحادثات التي أجريت بين مجموعة خمسة زائد واحد (الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا) وإيران في كل من اسطنبول وبغداد ونتائج عمليات التفتيش ومدونة العمل الدبلوماسية يزيد من قوة المخاوف الإسرائيلية.
لقد كثر الحديث عن تباين ملموس في موقف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من نهج المفاوضات مع إيران، ذلك أن إسرائيل تتمسك على سبيل المثال بضرورة وقف كل أنشطة تخصيب اليورانيوم وتسليم ما تم تخصيبه من يورانيوم حتى الآن إضافة إلى إغلاق وتفكيك منشأة «فوردو». أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها على العكس من ذلك تماما قد تكون مستعدة للقبول بأنشطة التخصيب من دون نسبة ثلاثة فاصل خمسة في المائة مع الاكتفاء بإغلاق منشأة «فوردو» من دون الإصرار على تفكيكها.
لقد أظهرت المفاوضات التي أجريت مؤخرا في بغداد أن المسألة لا تتعلق بتباين المواقف والرؤى بين الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الحليفة لها وخاصة منها إسرائيل. لقد أظهرت مفاوضات بغداد أن المسألة إنما تتعلق في التباين الكبير بين مواقف إيران من ناحية وبقية العالم من ناحية ثانية وهو تباين يصعب التغلب عليه.
لم تبد إيران أثناء المفاوضات التي أجريت مؤخرا في بغداد أي استعداد للتخلي عن تخصيب اليورانيوم عند نسبة 20% كما أن سلطات طهران لم تبد أي استعداد لفتح أكثر منشآتها النووية السرية أمام المفتشين الدوليين من دون قيد أو شرط. خلاصة الأمر لاتزال سلطات طهران متمسكة بكل مواقفها ولم تتحرك عنها قيد أنملة مشددة على حقها الكامل في إنتاج الوقود النووي لأغراض سلمية كالعادة.
هناك أيضا مسائل تكتيكية تتعلق بالتاريخ الذي سيتخذ فيه الغرب قرارا بتخفيف العقوبات عن إيران في مقابل قبول نظام طهران باتخاذ خطوات فعلية من أجل ضمان شفافية كبرى بخصوص تفاصيل برنامجها النووي. لا شك أن مثل هذه الخطوات غير ذات أهمية خاصة بالنسبة إلى إسرائيل، ذلك أن إيران لم تحد قيد أنملة عن المسائل الأخرى الجوهرية.
لقد اسهمت مفاوضات بغداد الفاشلة في تعزيز مصداقية موقف إسرائيل التي ظلت دائما تعتبر أن سلطات طهران تستخدم الدبلوماسية فقط كأسلوب تكتيكي للمناورة وكسب المزيد من الوقت من أجل التقدم ببرنامجها النووي خطوات أخرى سريعة إلى الأمام. لقد تعزز الموقف الإسرائيلي أكثر عقب المحادثات الفاشلة أيضا التي أجراها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في طهران مؤخرا والتي لم تسفر عن أي نتائج إيجابية تذكر.
لقد كانت تلك المرة الأولى التي توجه فيها السلطات الإيرانية الدعوة منذ سنة 2009 إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة طهران. لقد ذهب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو إلى طهران وأجرى مفاوضات عن حسن نية قبل أن يغادر طهران وقد ذهب في اعتقاده أن المسئولين الإيرانيين سيسمحون للمفتشين الدوليين بدخول المنشآت النووية الأكثر حساسية التي يدور بشأنها جدل كبير.
لم يكد يوكيا أمانو يغادر طهران حتى راح المسئولون الإيرانيون يؤكدون مرة أخرى أنهم لم يقدموا أي تنازلات كما جددوا رفضهم الكامل السماح للمفتشين الدوليين بدخول منشأة «فوردو» النووية.
بعد كل هذه السنوات لا يبدو أبدا ما يظهر أن أي شيء تغير على أرض الواقع. يتأكد هذا الانطباع السلبي مع اقتراب موعد 1 يوليو 2012 الذي حددته دول الاتحاد الأوروبي من أجل وقف مشترياتها من النفط الإيراني، فسلطات طهران لا تبدي أي استعداد لإعادة النظر في البرنامج النووي الإيراني. قد يكون هذا الموقف الذي تتخذه سلطات طهران مؤشرا على أن إيران بدأت تقترب فعلا من إنتاج سلاح نووي من شأنه أن يمكنها من امتلاك «قوة ردعية» ومن ثم «تحصين» نفسها ضد أي عملية عسكرية وخاصة أن سلطات طهران حرصت على نشر منشآتها النووية في مختلف مناطق البلاد، كما أن الكثير من هذه المنشآت النووية مطمورة تحت الأرض.
لا شك أن إسرائيل تابعت بكل اهتمام كل هذه التطورات وهي تشكك كثيرا في حقيقة النيات الإيرانية التي قد تكون تخفي أسوأ السيناريوهات. لقد ظلت إسرائيل أيضا تدعو إلى ضرورة اتخاذ عمل فعلي على أرض الواقع ضد إيران ابتداء من فرض عقوبات جديدة قاسية وصولا إلى الخيار العسكري الذي لا تستبعده الدولة اليهودية، بل إن هذا الخيار العسكري لم يغب أبدا عن الأجندة الإسرائيلية.
تظل التساؤلات القديمة حول الخيار العسكري قائما: هل ستنجح إسرائيل في هذا الخيار العسكري بمفردها؟ كيف ستكون عواقب مثل هذا الخيار العسكري على إسرائيل والغرب؟ ماذا عن موقف القادة العسكريين من هذا الخيار؟
لقد اعتبر الرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية والمدير الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي آموس يادلي أن الضربة العسكرية الإسرائيلية لن تؤدي في أفضل الأحوال إلا إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني ما بين أربع إلى خمس سنوات.
يعتبر هذا المسئول الاستخباراتي الإسرائيلي أن مفتاح نجاح الخيار العسكري يتوقف على مدى استعداد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لدعم مواصلة فرض وتشديد العقوبات على إيران عقب الضربة العسكرية الإسرائيلية المحتملة. في مثل هذه الحالة فإن فترة السنوات الأربع أو الخمس قد تطول أكثر من ذلك بكثير. عندها لن تكون هناك أي حاجة إلى العودة مجددا إلى الخيار العسكري.