شرق و غرب
هل فتحت مصر صفحة ما بعد الثورة؟
تاريخ النشر : الخميس ١٤ يونيو ٢٠١٢
أجرت مجلة اتلانتيكو الحوار التالي مع الخبير الفرنسي المختص في شئون الشرق الأوسط والعالم العربي دنيس بوشارد الذي تطرق إلى الحكم القضائي الصادر ضد حسني مبارك القاضي بسجنه مدى الحياة، متسائلا عما إذا كانت مصر قد طوت الصفحة فعلا.
} لقد نجح الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء قبل تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن السلطة في دخول الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها على مدى يومي 16 و17 يونيو .2012
إن فترة رئاسة حسني مبارك لمصر على مدى ثلاثين سنة كانت رئاسة الفرص الضائعة بامتياز. لنتحدث أولا عن المجال السياسي. لقد تطورت السياسة المصرية نسبيا خلال انتخابات 2005 واعتقدنا جميعا أن مصر تكون قد بدأت تتجه إلى فترة جديدة شعارها الانفتاح السياسي، الإصلاح المؤسساتي، تعددية الآراء، ففي تلك الانتخابات البرلمانية فاز «88» نائبا مستقلا وحازوا مقاعد في مجلس الشعب المصري وهم في الواقع غير مستقلين وإنما ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين.
لقد اعتقدنا في لحظة معينة أن الحياة السياسية بدأت فعلا تتطور وتنضج لكن ذلك الأمل خاب تماما، فقد حدث بداية من سنتي 2006 و2007 تراجع إلى الوراء وشهدت مصر حملة قمعية جديدة استهدفت الحركات الاجتماعية والمظاهرات السياسية.
لا ننسى أن الرئيس السابق حسني مبارك كان يسعى إلى تهيئة الأرضيتين السياسية والأمنية في بلاده وإفراغ مجلس الشعب من أي صوت معارض تمهيدا لفرض ابنه خليفة له في رئاسة مصر، الأمر الذي أثار استياء شعبيا واسعا وانتقادات في الداخل والخارج لخطة التوريث التي لا تلبي تطلعات الشعب المصري لبناء دولة ناضجة ومتطورة.
كانت انتخابات 2010 البرلمانية بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس لما شابها من تزوير لإرادة الناخبين المصريين، علما بأن حركة الإخوان المسلمين ـ أكبر التيارات السياسية المعارضة ـ قاطعت تلك الانتخابات وهو ما فعلته عدة أحزاب سياسية أخرى.
أما الفرصة الأخرى الضائعة فهي تتعلق بالمجال الاقتصادي، فعقب وفاة الرئيس المصري السابق أنور السادات في حادثة الاغتيال المعروفة كانت مصر تنتهج سياسة الانفتاح الاقتصادي التي تقوم على أساس تطوير دور القطاع الخاص حتى يكون قاطرة النمو والنهضة في البلاد. كانت مصر في تلك الفترة فعلا على عتبة نهضة حقيقية غير أن كل شيء سقط في الماء عقب انتخابات 1981، فبوصول حسني مبارك إلى السلطة بدأ الفساد يستشري على نطاق واسع في المجتمع المصري. هذه هي الحصيلة الحقيقية لثلاثة عقود أمضاها حسني مبارك في الرئاسة. إنها رئاسة الفرص الضائعة كما قلت آنفا.
} في أي مناخ جرت محاكمة حسني مبارك الذي نال حكما بالسجن المؤبد؟ ما هي نظرة المصريين اليوم لحسني مبارك؟
لقد كان يمكن لهذه المحاكمة أن تتم في ظروف أكثر شفافية. لعل ما سبب صدمة للمصريين أن القضاة المحسوبين على نظام حسني مبارك هم الذين تولوا هذه القضية. كذلك لم يكن من اللائق نشر عدة صور من داخل قاعة المحكمة على غرار صورة الرئيس المخلوع مبارك وهو على فراش المرض. لقد تحول حسني مبارك إلى كبش فداء لجميع المشاكل التي تعانيها البلاد، علما بأنني لا أبرئه من المسئولية عن تراجع الدور المصري عربيا وإقليميا ودوليا، فصوت مصر في آخر سنوات رئاسة حكم حسني مبارك أصبح لا يكاد يسمع.
لقد لعبت المؤسسة العسكرية أيضا دورا فيما آلت إليه الأمور، فرغم أن الماريشال محمد حسين طنطاوي عمل على مدى عشرين سنة وزيرا للدفاع في عهد مبارك فإن المؤسسة العسكرية اختارت في نهاية المطاف التضحية بحسني مبارك من أجل الحفاظ على امتيازاتها الكبيرة.
إن أغلب المصريين يحملون فكرة سلبية عن حسني مبارك لعدة أسباب مختلفة، فعلى المستوى الداخلي اعتمد نظام الرئيس السابق سياسة قمعية في التضييق على خصومه ومعارضيه وخاصة خلال السنوات الأخيرة التي سعى خلالها إلى توريث ابنه. أما على المستوى الخارجي فقد تراجع الدور المصري كثيرا في عهد حسني مبارك بسبب اقترابه أكثر من اللازم من الولايات المتحدة الأمريكية.
أعتقد أن نتيجة الانتخابات في جولتها الثانية ستكون متقاربة. أعتقد أيضا أن حصاد الربيع العربي سيتوقف على نتيجة هذه الانتخابات إضافة إلى الطريقة التي ستبنى بها المؤسسات الجديدة.
إن إجراء الانتخابات في هذا الظرف الحساس مسألة بالغة الأهمية لأن مصر تمثل قلب العالم العربي بلا منازع. إن ما سيحدث في مصر ستكون له تداعيات كبيرة على بقية دول العالم العربي. لا شيء سيكون كما كان. أما الجيش فإنه سيجد صعوبة كبيرة في احتواء الحريات التي جاء بها الربيع العربي إلى مصر.