قضايا و آراء
رياض الأطفال وميزان العدالة
تاريخ النشر : الجمعة ١٥ يونيو ٢٠١٢
إن الحفل الذي نظمته جامعة البحرين وتمكين مؤخرا، من أجل تكريم (310) معلمات من معلمات رياض الأطفال، بمناسبة حصولهن على «مؤهل برنامج الدبلوم التأهيلي»، هي مبادرة وطنية تعكس أهدافا تربوية وتعليمية ومجتمعية، بحيث تترجم مفاهيمهما بالمقام الأول إلى غرس بذرة القيم التربوية السليمة في أغوار ومكونات النشء، وزرع نبتة الغايات الإنسانية النبيلة في عقول ووجدان التنشئة الاجتماعية للطفولة التي تمثل نصف الحاضر وكل المستقبل.. فتظل وتضطلع على مغازي الحياة في أولى عتبات وجودها وانطلاقة كينونتها لبدايات سنوات مراحلها العمرية.. حسبما يمثل هذا البرنامج.. «برنامج الدبلوم التأهيلي» لمعلمات رياض الأطفال، الأساليب العلمية الناجعة لإعداد المعلمة الكفء التي تكون على قدر من الجدارة والمعرفة في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية، وعلى درجة من الاستحقاق والمقدرة بتعليم وتوجيه وتربية النشء الاجتماعية، وخاصة في هذه السن المبكرة للأطفال، خلال إدراك هذه المعلمة معايير الدوافع الأولية «الغريزية» وصفات الدوافع الثانوية «المكتسبة» لهؤلاء الأطفال.. ذلك بسبر أغوارهم والغوص في نفسياتهم. وبالتالي النهوض بإعداد وتهيئة هذه الطفولة بأساليب تربوية حديثة وسوية، سيكالوجيا وفسيولوجيا ووجدانيا وعاطفيا واجتماعيا.. الأمر الذي يمثل اعداد هذا الطاقم من (معلمات وإداريات) رياض الأطفال إعدادا، ذا مستوى تربوي راق، وذات مرتبة تعليمية حديثة حضارية يمثل هذا «الأعداد».. وهذا «التأهيل» مبعث فخر المجتمع البحريني بمختلف مؤسساته المدنية وجمعياته النسائية وشتى بيئاته ( الأسرية والتعليمية والتربوية والثقافية والمجتمعية).
ولكن أيا كانت الأمور وما تتخمض عنها من النتائج، فإن ما يبعث بالمقابل على القول أسفا إن عملية إعداد هذه الكوادر المؤهلة من (معلمات وإداريات) رياض الأطفال، وما تخمض عنها من رصد (تمكين) وتخصيصه ميزانية لهذا البرنامج التأهيلي بلغت (1,8) مليون دينار.. قد لا ينسجم هذا (الإعداد) ولا يتماشى هذا (البرنامج التأهيلي) والحقوق المشروعة المصادرة لمعلمات واداريات رياض الأطفال.. بل يتناقض هذا (الاعداد) وهذا (البرنامج التأهيلي) مع تلك «الحقوق الغائبة والمهمشة».. ولطالما الجهات الرسمية المعنية والمسئولةعن توفير حقوق معلمات وإداريات دور رياض الأطفال، وهي (وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل ووزارة التنمية الاجتماعية) قد تجاهلت جميعها هذه الحقوق المشروعة المغيبة، وأدارات ظهرها وأغمضت عيونها.. ولعل الأسئلة البالغة الأهمية بهذا الصدد تطرح نفسها بإلحاح.. لماذا فصلت تلك الجهات المعنية حقوق معلمات وإداريات رياض الأطفال عن واجباتهن؟
وكيف تتجزأ تلك الحقوق الإنتاجية والمعيشية عن الحقوق التربوية والأكاديمية؟ وكيف يفخر المواطن بتمتع معلمات وإداريات رياض الأطفال بمؤهل «برنامج الدبلوم التأهيلي» بينما هن في الوقت ذاته يعانين من مصادرة حقوقهن الاقتصادية والإنتاجية؟ ولماذا تهميش المادة (13) من قانون العمل لذات السياق؟.. إن هذه الأسئلة تكمن أجوبتها في مدى تجاهل الجهات المعنية «الواقع المؤلم» لمعلمات وإداريات دور رياض الأطفال، اللواتي يكابدن تعسف إدارات وأصحاب دور الحضانات ورياض الأطفال، بسياسة العسف ومظاهر الفردية و الإدارة الأوتوقراطية، والتي عكست فقدان العدالة الاجتماعية ومظاهر البيروقراطية والمحسوبية، أدت نتائجها المُرة إلى معاناة «العاملات» في دور رياض الأطفال هذه، تتمثل بعملهن بـ (عقود عمل مؤقتة) وغير قانونية.. اقترنت فقط بالموسم التعليمي.. الأمر الذي أدى إلى ابعاد (2000) من العاملات من أصل (3000) عاملة، عن مظلة التأمينات الاجتماعية من جهة، وحرمانهن من الإجازات السنوية والرسمية والخاصة من جهة أخرى.. ناهيكم عن تدني أجورهن التي لا تتجاوز -/50 دينارا في حدها الأدنى، -/120 دينارا في حدها الأقصى... في نهاية المطاف نستطيع القول إن حقوق (العاملات) في رياض الأطفال غير قابلة للتجزئة.. بحيث لا يعقل فصل البعد الأكاديمي عن البعد الاقتصادي.. كما لا يجوز فصل هذين البعدين عن بعضهما بعضا.. فمثلما أعطيت عاملات الرياض الأطفال حقوقهن الأكاديمية والتربوية والتعليمية بحصولهن على «مؤهل برنامج الدبلوما التأهيلي».. فإنه استوجب منحهن حقوقهن الاقتصادية والإنتاجية والمعيشية، وتمتعهن بمبدأ العدالة الاجتماعية، بطابع التكامل والتجانس من تكامل حقوقهن (الأكاديمية والتربوية والاقتصادية والمعيشية) من دون انفصال هذه الحقوق أو انفصام جوانبها.. ولعله من الأهمية بمكان القول إن هذه الحقوق المتكاملة لعاملات رياض الأطفال.. لم تتحقق ما لم تتحرك الجهات الرسمية (وزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العمل) تحركا جادا ومفصليا، وذلك بسن تشريعات وقوانين، تلزم بمقتضاها كافة إدارات وأصحاب دور رياض الأطفال إلى تحرير (عقود عمل دائمة) مع العاملات لديها وليست (عقود عمل مؤقتة).. طبقا لأنظمة وتشريعات هذه الوزارات المعنية السالفة الذكر، وبمقتضى المادة (13) لقانون العمل... لطالما كانت (عقود العمل الدائمة).. تمثل المحور الأساسي لصون حقوق معلمات وإداريات هذه دور رياض الأطفال (الاقتصادية والإنتاجية والتقاعدية والتربوية والوظيفية).. ومن ثم الحفاظ على كرامتهن والذود عن مكانتهن.. انطلاقا من مبدأ (الحقوق والواجبات) من دون فصل أحدهما عن الآخر.. فهل ستتجاوب هذه الجهات الرسمية المعنية، مع هذا المطلب الوطني، وتعلن استعدادها للعمل الجاد على تحقيق هذا الجانب من الحقوق الغائبة السالفة الذكر، أسوة بالجانب الآخر من الحقوق (الأكاديمية والتربوية والتعليمية) التي حصل بعضهن عليها من المعلمات والعاملات لدى مختلف دور رياض الأطفال؟.. سؤال بقدر ما يؤرق السواد الأعظم من معلمات رياض الأطفال، فإنه سيظل معلقا في الهواء.. ما لم تتحقق أحلام وحقوق وطموحات العاملات في رياض الأطفال اللواتي يصبون إلى تحقيقها كاملة على كفتي ميزان العدالة من دون تجزئة أو نقصان.. وبالتالي انعتاقهن من تلك الأوضاع الوظيفية المزرية.