الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رسائل


نتنياهو كبل يد المعارضة الداخلية استعدادا لمواجهة أوباما

تاريخ النشر : الجمعة ١٥ يونيو ٢٠١٢



في الآونة الأخيرة، استيقظ الإسرائيليون على واقع سياسي جديد سيحدد معالم المرحلة المقبلة الحساسة من عمر الكيان الغاصب، فبينما كان الكنيست يصوت على قرار إجراء انتخابات عامة مبكرة، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتفاقا مفاجئا مع شاؤول موفاز، الزعيم المنتخب حديثاً عن أبرز حزب معارض، وهو حزب كاديما الذي بات يشكل جزءاً من الحكومة الائتلافية.
كان الاتفاق يتعلق أساساً بخدمة أهداف السياسة المحلية. حصدت جميع الأطراف المعنية (نتنياهو، موفاز، وزير الدفاع إيهود باراك)، مكاسب من ذلك الاتفاق، لكن يبدو أن هذا الاتفاق أسهم أيضاً في تقوية السياسة الخارجية التي يتبعها نتنياهو.
بعد ضم 94 شخصاً من أصل 120 عضواً من الكنيست إلى ائتلافه مقابل معارضة منقسمة وعاجزة، وفي ظل عجز أحزاب التحالفات الصغيرة عن كسب الغالبية البرلمانية، يستطيع نتنياهو نظريا تنفيذ أي استراتيجية أمنية يريدها. يمكنه شن الحرب ضد إيران أو تجنب خوض الحرب، أو يمكنه عقد السلام مع الفلسطينيين أو توسيع مستوطنات الضفة الغربية، لكن النتيجة الأقرب إلى الواقع هي أن يتجه الائتلاف الجديد إلى خوض مواجهة محتدمة مع الرئيس الامريكي باراك أوباما.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
تتمحور علاقة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الامريكي باراك أوباما حول مسألتين أساسيتين: إيران والضفة الغربية. يريد نتنياهو تدمير منشآت إيران النووية وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. في المقابل، يريد أوباما كبح برنامج إيران النووي سلميا والقضاء على المستوطنات. خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فشل الرجلان في التوصل إلى اتفاق «موقع نطنز مقابل مستوطنة إيتمار»، وهو الاتفاق الذي قد توافق الولايات المتحدة بموجبه على قصف إيران بينما تقبل إسرائيل بإزالة أكثر المستوطنات الشائكة في مناطق معدة لتكون جزءاً من دولة فلسطينية قابلة للحياة. لكن بدل ذلك، نشأ توازن رعب مغاير. تجاهل نتنياهو قرار تجميد المستوطنات الذي فرضه أوباما ولكنه أصغى إلى دعوته لتجنب استهداف إيران.
مواجهة محتومة
بينما يستعد الرئيس أوباما لخوض حملة إعادة انتخابه، يبدو أن الزعيمين سيتواجهان في مطلق الأحوال. من المتوقع أن يعاود أوباما التركيز في مسألة الاستقلال الفلسطيني المحورية بعد إعادة انتخابه وأن يشدد ضغوطه على نتنياهو لوقف توسيع المستوطنات. لكن في ظل غياب الضمانات من واشنطن، قد يعمد نتنياهو إلى إطلاق تحذيراته المعهودة عن احتمال «تكرار محرقة اليهود» على يد الإيرانيين هذه المرة لجذب تعاطف المجتمع الدولي والاستثمار مجدداً في هذه القضية الشائكة، وقد يهاجم إيران بشكل أحادي الجانب من دون موافقة الولايات المتحدة. لا شك أن أوراق الضغط السياسية التي يملكها محليا تزيد قناعته بصحة هذا الاحتمال. لكن السؤال المطروح اليوم من قبل المعارضة الإسرائيلية: هل يستطيع موفاز منع نتنياهو من خوض هذا النوع من المواجهات الخطرة مع واشنطن؟
على الورق، يمكن أن يحث حزب كاديما (يملك 28 مقعداً في الكنيست) نتنياهو على إقرار حل الدولتين الذي اقترحه موفاز بالتفصيل منذ سنتين تقريباً. كذلك، عمد موفاز، الذي كان سابقاً رئيس هيئة الأركان العسكرية ووزير الدفاع، إلى معارضة خيار الهجوم الإسرائيلي على إيران. يمكن أن يعزز وجوده في الحكومة موقف المعتدلين وأن يمنع توجيه ضربة جوية وصاروخية ضد إيران تكون خطرة على امن الشرق الأوسط ككل. لا يتبع موفاز أي ايديولوجيا محددة، لكن على عكس نتنياهو أو إيهود باراك، هو ليس مفكراً متغطرساً بل إنه يتكل على التحضيرات المسبقة وفريق عمل متكامل. لذا يمكن اعتباره مسؤولاً عاقلاً بعض الشيء بين كبار صانعي السياسة الإسرائيليين المتطرفين، وقد يستطيع تعديل مواقف نتنياهو وإيهود باراك اللذين يحبذان استعمال القوة. لكن على أرض الواقع، قد لا يستطيع موفاز فعل ذلك.
سلطة مطلقة
في النظام السياسي الإسرائيلي، يتمتع رئيس الوزراء بالسلطة المطلقة للتأثير في السياسة الخارجية، ولا يمكن ردعه أو التأثير فيه إلا عبر فرض ضغوط قوية من داخل وخارج حزبه الذي يتمتع بنفوذ كاف لتهديد صموده وإعادة انتخابه. لهذا السبب، غالباً ما يعين المعارضون في وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع حيث يمكن أن يراقب رئيس الوزراء وأعوانه أداءهم ومنعهم من فرض سياساتهم الخاصة. إنها طريقة عمل الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1948، وليست الحكومة الراهنة استثناء من تلك القاعدة. منح نتنياهو منصب وزير الخارجية إلى عدوه زعيم حزب اسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان ولكنه يتكل على إيهود باراك في وزارة الدفاع لإبطال نفوذ ليبرمان. يمكن أن يصب منطق المراوحة في مصلحة أي من الفريقين: في كل مرة يحاول فيها وزير الدفاع إقناع نتنياهو بتعديل موقفه العدائي فيما يخص عملية السلام والمستوطنات، يعمد ليبرمان واليمينيون المتطرفون من حزب الليكود إلى إعاقة جهوده. في مطلق الأحوال، من الواضح أن إيهود باراك لايزال عدائيا بقدر نتنياهو في الملف الإيراني.
لا شك أن موفاز سيعزز قوة المعسكر المعتدل. لكن تماماً مثل باراك، هو ليس قويا بما يكفي لتحدي سياسات نتنياهو، كما انه لا يملك من السطوة والنفوذ بما يكفي للتأثير في الاخير بالقدر الكافي لتغيير أجندته السياسية المتطرفة.
بما أن موفاز لم يحصل على أي وزارة خاصة به، يبدو أن كل ما يستطيع فعله هو تعبئة الرأي العام للتأثير في السياسة الخارجية. لكن بما أنه لا يحظى بشعبية كبيرة أصلاً، لا يمكنه أن يتحدى شعبية نتنياهو أو قيادته السياسية على الاطلاق. غالباً ما تبدأ حكومات الوحدة الوطنية الإسرائيلية مسارها مع آمال كبيرة، لكن سرعان ما يستاء أحد الشركاء من الوضع لاحقاً. لن تكون الحكومة الراهنة استثناء من هذه القاعدة، ومن المتوقع أن يكون موفاز الطرف المتضرر، وربما يخرج عن صمته ليجاهر بمعارضته لنتنياهو وقراراته رغم قبوله بالانضمام إلى الائتلاف.
قرارات كبيرة
بالتالي، سيتابع نتنياهو اتخاذ القرارات الكبيرة والاستعداد لمواجهة أوباما بعد شهر نوفمبر القادم، وهو يدرك أنه لن يستطيع في تلك المرحلة أن يدعي أمام الصحافة المحلية أو الدولية أنه ينصاع لإرادة المستوطنين ومناصريهم في حزب الليكود. يعتبر مناصرو نتنياهو أصلاً أن الحكومة، بعد انضمام موفاز إليها، أصبحت تمثل جبهة موحدة للدفاع عن الحرب ضد إيران.
سبق أن ردت واشنطن على ما يحصل من خلال مناوراتها الخاصة. قامت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بدعوة نتنياهو إلى اعلان عدم وجود أي سبب لاستمرار المراوحة في المسار الفلسطيني بعد انضمام حزب كاديما الداعم للسلام إلى الحكومة، وهناك في كاديما من يعتبر انه من باب الإنصاف، يجب الاعتراف بأن نتنياهو وجه رسالة مشابهة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكن هؤلاء يغفلون عن الشروط الصعبة التي وضعها نتنياهو لإعاقة أي مسار سلمي.
لكن بعيداً عن هذه التحليلات كلها، منح موفاز وقتاً ثميناً لنتنياهو وأعطاه نفوذاً كبيراً مقابل ثمن ضئيل جدا. يستطيع رئيس الوزراء الآن التصدي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية أوباما، إذا رغب في ذلك، بدعمٍ من الغالبية الواسعة ومن دون وجود أي معارضة قوية لردعه لان المعارضة مفككة اصلا وقد اسهم موفاز في اضافة تصدعها وعرقلة توحيد جهودها. إذا أُعيد انتخاب أوباما وعاد ليركز في ملف الدبلوماسية في الشرق الأوسط، فلن يكون نتنياهو مستعداً للمواجهة فحسب، بل إنه سيكون أقوى من أي وقت مضى بحسب وجهة نظر الداعمين لحكومته وهم كثر اليوم كون هذه الحكومة تشبه حكومة اتحاد وطني، مما يؤكد توصيفها بأنها حكومة حرب.