الجريدة اليومية الأولى في البحرين


زاوية غائمة


تشارلس كان على حق

تاريخ النشر : الجمعة ١٥ يونيو ٢٠١٢

جعفر عباس



قلبي على الأمير تشارلس ولي عهد بريطانيا، الذي ظل يحمل هذا اللقب طوال ستين سنة، ويغلب الظن عندي أنه سيرحل عن الدنيا وهو «ولي عهد»، فصافي سنوات جلوس أمه إليزابيث الثانية على كرسي الملك في بريطانيا ستون سنة، وعمرها اليوم (أكتب هذا المقال يوم الأربعاء 12 يونيو 2012)، ستة وثمانون سنة ونحو شهرين، يعني لسه شباب مقارنة بأمها إليزابيث الأولى التي ماتت وعمرها 101 سنة وكذا أسبوع، وكانت في كامل قواها العقلية، وحسنة اللياقة البدنية حتى فاجأها الموت.
ظل تشارلس يتعرض للسخرية والتهكم على مدى نحو ثلاثين عاما لأنه مولع بالزراعة و«البستنة»، وكان يؤمن بأن النباتات والزهور تتجاوب مع الكلام الحلو، وظل بالتالي يقضي وقتا معينا يوميا وهو يطل على نباتاته ويصيح فيها باسما: هلو.. هاو آر يو.. يا حلاوة.. ربنا يخليكم لي ويخليني لكم.. هاي أوركيدا.. يو لوك فانتاستك.. يو لوك سويت لايك جافر أباس، ويوم الجمعة الموافق الثامن من شهر يونيو الجاري نشر باحثون من جامعة برستول البريطانية ووسترن أستراليا نتائج دراسات تؤكد ان النباتات تتفاعل فعلا مع الأصوات، تماما كما تتفاعل مع الضوء والهواء، بل إن جذورها تصدر أصواتا لا يمكن التقاطها إلا بأجهزة شديدة الحساسية، وتقول الدراسة إن تلك الأصوات تشبه الإشارات التي يرسلها الدماغ في الكائنات الحية الى بقية أعضاء الجسم.
المهم ان الأمير المزمن تشارلس كان على حق، وتقول عالمة الأحياء الأسترالية مونيكا غاغليانو إن النباتات تميل نحو مصدر الصوت القريب منها بل إنها قد تتمايل إذا كان الصوت صادرا من أجهزة موسيقية عديدة، مما يساعد على نموها بشكل سريع وصحي... ومعنى هذا أن بلدا مثل السودان يفترض أنه زراعي ولكنه نسي شؤون الزراعة عندما صار ينتج ويصدر شوية براميل بترول سنويا، يستطيع ان ينال عن جدارة لقب «سلة غذاء العالم»، وأن يحل مشكلة البطالة المزمنة التي شلت حركة وقدرة نحو عشرة ملايين شاب وشابة.. نرسل مئات الآلاف منهم إلى المناطق الزراعية، وتكون مهمة كل فريق «الونسة» مع القطن والقمح والذرة، ويكون له نصيب معلوم في «المحصول» بعد الحصاد.. أما من يجيد العزف على آلة موسيقية أو يملك صوتا جميلا فيكون نصيبه أكبر من «المتونسين» العاديين... تخيل عشرات الآلاف من الشباب في مشروع الجزيرة الزراعي وهم يجلسون وسط حقول القطن في الليل (في طقس السودان الحار حتى النباتات لا تطيق الونسة نهارا) ويهمسون: يا لذيذ يا أبيض يا رايق.. جمالك ولع في قلبي الحرائق.. وتسمع طاخ تعقبها صرخة وصوتا رجاليا يصيح: ليه ضربتيني؟ فيرد صوت نسائي: عشان تبطل غزل سوقي وشوارعي، فيصيح فيها المجني عليه: وأنت «بيضا»؟ نحن هنا عشان نتغزل بالقطن عشان ناكل عيش.. وأنا ما فاضي لك!
المهم طالما أن الخواجات الذين أراحونا من البحث العلمي والاختراعات والاكتشافات قالوا إن النباتات تتجاوب مع الكلام الحلو والغزل، فمعنى هذا أن البشر أولى بالكلام الحلو والغزل.. بس الغزل ليس بالضرورة «التحرش اللفظي» أو الكمش والخمش «من طرف»، كما يفعل البعض في الشوارع والأماكن العامة بل يعني ان تقول كلمة حلوة لزوجك /زوجتك وخطيبتك/ خطيبك، بل لأختك وأخيك.. كلمات بسيطة ترفع الروح المعنوية: يا سلام على ذوقك.. مكياج إيه؟ المكياج لن يضيف لك أي شيء.. والأطفال يزدهرون ويتبرعمون ويفرهدون بالكلام الحلو.. حتى عندما يحرز الواحد منهم نتيجة مدرسية سيئة غير متوقعة، فإن عبارة من نوع: حتظل طوال عمرك حمارا، لن تؤدي إلى تحسين أدائه مستقبلا، في حين أن عبارة مثل: ولا يهمك.. الخيل الأصيلة تأتي في اللفة الأخيرة.. والجايات أكثر من الرايحات.. يكون لها مفعول السحر لأنها تشعر الطفل بتأنيب الضمير فيحرص على تجويد الأداء في «اللفة الأخيرة».



jafabbas19@gmail.com