مقالات
أبا جمال... وداعاً
تاريخ النشر : السبت ١٦ يوليو ٢٠١٢
لم يدر بخلدنا حسن وأنا أن زيارتنا لأخينا العزيز فلاح كانت الأخيرة حيث ودعناه على أمل أن نزوره في منزله لنطمئن عليه، وسألنا الله تعالى له الشفاء والصبر والاحتساب، ولكن قدّر الله وما شاء فعل، وله سبحانه ما أخذ وله جل جلاله ما أعطى، ونحن ودائع مستردة حين يأتي أوان ردها، والدنيا دار إقامة قصيرة، أما الخلود ففي الآخرة حين توفى كل نفس ما عملت إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
فلاح كان أنس المجالس ينشر مرحه في كل مكان يحل فيه، وترى حوله دائماً الأخوة والأصحاب وهم يستمعون إلى تعليقاته المرحة، ونكاته اللطيفة.
إذا غاب سألوا عنه، وألحّوا في السؤال، وإذا حضر التفوا حوله، واستفزوه ليعلق على هذا، ويتندر على ذاك، والجميع سعيد بهذه الصحبة، مسرور بهذا الجمع.
كثيراً ما ذكّره الإخوان ببعض تعليقاته الساخرة التي لا يملون من سماعها منه حيث يرويها كل مرة بشكل مختلف، وبطعم متميز، وكأنهم يسمعونها لأول مرة، وليس لمرات عديدة.
فلاح هو الأخ الأكبر لنا بعد وفاة أخينا الكبير يوسف عليه رحمة الله تعالى، وكنا نعتبره أباً لنا نقدره ونحترمه.
اعتاد رحمه الله تعالى زيارة أخينا حسن في مكتبه بالشركة، يتناول عنده شرابه المفضل (النيسكافيه)، ثم يتجاذب أطراف الحديث مع حسن قبل أن يغادر عائداً إلى بيته.
كان هذا ديدنه منذ أن تقاعد عن العمل، وكنت في المرات التي أزور فيها أخانا حسن أجده عنده في موعده الذي لا يتخلف عنه، وهو الساعة العاشرة صباحاً، وهذا هو موعده الذي لم يغيره، وكنت أحرص على أن أذهب إلى أخينا حسن في هذا الموعد لألتقيه عنده.
نعم كان فلاح رحمه الله تعالى بمثابة الأب الحنون لنا جميعاً، وكنا حريصين على زيارته في بيته حين تتعذر رؤيته في المجلس الذي يضمنا جميعاً، ويضم معنا عدداً كبيراً من الإخوة والأصحاب الذين يحرصون هم أيضاً على حضور مجلسنا.
إنه مجلس يوم الثلاثاء، وهو مجلس العائلة الذي يجمعنا نحن والأولاد والأحفاد، وهو لقاء أسبوعي لا نتخلف عنه إلا لعذر طارئ.
في المجلس هناك مكان خاص لأخينا فلاح أو قل لأبينا فلاح لا يجلس فيه غيره حتى عندما يتأخر أو يعتذر، هذا المكان هو خاص له لا يجلس فيه سواه، وفي الحالات التي يغيب فيها عن المجلس يظل المكان شاغراً لا يحتله أحد.
إنها تقاليد وأعراف درجنا عليها، والتزمنا بها بمحض اختيارنا، ونؤدي طقوسها ونحن سعداء لأننا نعطي أصحاب الحقوق حقوقهم، وأصحاب المكانة مكانتهم. هكذا علمنا الأجداد والآباء، وهكذا ننشئ أبناءنا على هذه الأخلاق من احترام الكبير، والعطف على الصغير، إنها أخلاق إسلامية نحرص عليها.
فلاح، أخونا وأبونا رحل عن دنيانا الفانية، وذهب إلى الدار الباقية، وترك لنا شيئاً غير قليل من ذكرياته الجميلة، وطرائفه الممتعة التي سوف نرددها ونحن نترحم عليه، وندعو له في دار الخلد أن يسكنه مولاه عز وجل الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يسقيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده الطاهرة الشريفة شربة هنيئة لا يظمأ بعدها أبداً، وأن يزيد في إحسانه إن كان محسناً، وأن يتجاوز عن سيئاته إن كان مسيئاً.
فلاح.. لن تغيب عنا وإن وارى جسدك التراب، فمرحك، وضحكاتك، وتعليقاتك سيظل صداها يتردد بين جنبات المجلس الأسبوعي، وبين جنبات بيوتنا.. فإلى جنة عرضها السموات والأرض. وإلى رب رحيم غفور، وسعت رحمته كل شيء.
moc.liamg@halafniblaa