دراسات
هل ستودع اليونان منطقة اليورو قريبا؟
تاريخ النشر : السبت ١٦ يوليو ٢٠١٢
أوشكت أزمة الدين في اليونان على الوصول إلى نقطة اللاعودة، ففي ظل تلاشي الأمل في نجاح خطة الإنقاذ التي تم اعتمادها منذ نحو عامين، يبدو أن أثينا تسير بخطى وطيدة للخروج من منطقة اليورو بكل ما يحمله ذلك من تداعيات سلبية على دول واقتصادات المنطقة ككل.
برأي بعض الخبراء الاقتصاديين، أن بإمكان اليونان التخفيف من أزمتها، إذا ما تخلت عن اليورو وخفضت قيمة عملتها المحلية الدراخما. ولكنه من الصعب أن نتخيل أن تفعل اليونان ذلك من دون أن تكون لذلك القرار نتائج كارثية على نظامها المصرفي، فقد بدأ بعض أصحاب الودائع القلقين سحب أموالهم خارج المصارف اليونانية. وبحسب الخبير الاقتصادي بول كروغمان فإن اليونان قادمة على الانسحاب من منطقة اليورو لان هذا هو الحل الوحيد ولكنه لن يحل الأزمة برمتها، فلا يوجد حل مثالي هنا، بل إنه لا يوجد سوى حلول كارثية.
((اورينت برس)) أعدت التقرير التالي:
تثير فكرة خروج اليونان المثقلة بالديون من منطقة اليورو مخاوف العديد من دول الاتحاد الأوروبي التي مدت اليها يد العون منذ أن عصفت بها الأزمة المالية قبل عامين من دون جدوى. رغم سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة اليونانية، وما اعقبها من تظاهرات منددة جراء الانعكاسات السلبية على الواقع المعيشي، لم تنجح سياسة الاتحاد الاوروبي المالية في انقاذ اليونان.
في هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، بول كروغمان، ان تخلي اليونان عن اليورو هو امر بات شبه مؤكد وإن كان لا يشكل العلاج الفعال لأزمة البلاد إلا أنه أفضل الحلول المطروحة وأقلها مرارة، مؤكدا ان خروج اليونان من المنطقة سيكون بشعا جدا.
ويرى كروغمان أن تفكير الاتحاد الأوروبي في إيجاد طريقة لخروج منظم لليونان من منطقة اليورو يمكن أن يؤدي إلى انتقال عدوى الاضطراب المالي إلى دول أخرى في منطقة اليورو مثل أسبانيا وإيطاليا وإلى ركود عالمي. وبالتالي فإن خروج اليونان من منطقة اليورو سيكون باهظ الكلفة لكن لا مفر منه إذ ستتضرر باقي دول أوروبا من تداعيات الكارثة اليونانية بالتأكيد لأن أثينا لن يكون في مقدورها سداد التزاماتها المالية بما في ذلك أقساط ديونها السيادية وسنداتها.
ووفقا لتقديرات كروغمان فإن خسائر حكومات منطقة اليورو والبنك المركزي الأوروبي من إفلاس اليونان تتراوح بين 150 و230 مليار يورو، وقد يعتبر البنك المركزي الأوروبي هذه الخسائر ((محتملة)) حيث انها تمثل ما يتراوح بين 1 و2,5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لمنطقة اليورو التي تضم 17 دولة من دول الاتحاد الأوروبي.
فشل التقشف
من وجهة نظر كروغمان الاقتصادية، كان اعتماد اليورو كعملة موحدة خطأ جسيماً لكن الخطأ قد وقع واليوم لا يمكن للاتحاد الاوروبي تحمل الخسائر التي ستنجم عن انهيار اليورو لذلك فعليه ان يتخذ جميع التدابير لحماية اليورو من خطر الانهيار. وبرأيه فإن انهيار اليورو سيؤدي حتماً إلى انهيار المشروع الأوروبي القائم على السلام والوحدة والازدهار والديمقراطية.
كما ان انهيار اليورو سيؤدي إلى تضرر الكثير من الدول التي تصدر سلعها ومنتجاتها إلى الاتحاد الاوروبي ومن بينها دول أوروبا الشرقية التي تعتمد على صادرتها إلى الدول الاوروبية الاخرى.
الى ذلك، لطالما كان كروغمان أحد أبرز منتقدي طريقة مواجهة الأزمة المالية لمنطقة اليورو من خلال التقشف الاقتصادي، وقد برزت الآن صحة نظريته وأفكاره بعد فشل سياسات التقشف بشكل ذريع.
فقد سبق أن صرح بأن خطة الاتحاد الأوروبي غير قابلة للاستمرار، لافتا إلى أن المشكلة تكمن في أن سياسة التوفير ستضغط على اقتصاد الدول الأوروبية إلى مستوى يؤدي إلى تقويض الامتيازات الضريبية، وإلى هبوط الإيرادات وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستزداد.
تعزيز النمو
إلى ذلك يعتبر الاقتصادي المخضرم ان حل الأزمة كان يجب أن يعتمد على تبني سياسات اقتصادية تعزز النمو الاقتصادي ولا تركز في مجرد خفض الديون والعجز في الميزانية من خلال التقشف، مشيراً إلى انه على البنك المركزي الأوروبي التخلي عن هوسه بالحفاظ على استقرار الأسعار والسماح بارتفاع معدل التضخم في منطقة اليورو إلى ما بين 3 و4 في المائة خلال السنوات المقبلة من أجل حفز الاقتصاد، والمعروف أن البنك المركزي الأوروبي يتمسك بألا يزيد معدل التضخم على 2 في المائة رغم الركود الذي يعانيه اقتصاد المنطقة.
ويدرك كروغمان أن مسؤولي البنك المركزي والمسؤولين الألمان يكرهون هذه الفكرة لكنها برأيه هي الطريق الوحيد الذي يمكن أن ينقذ منطقة اليورو، علماً أنه يعتقد ان الازمة ستمتد إلى اشهر لاحقة.
لا شك أن حالة عدم اليقين المصاحبة لاحتمال إعلان إفلاس اليونان وخروجها بالتالي من منطقة اليورو ستؤدي إلى إضعاف العملة الأوروبية الموحدة على الأقل في المدى القصير وربما يرتفع الدولار إلى مستويات غير مسبوقة.
تفكك الاتحاد
قد يشكل خروج اليونان بداية لتفكك الاتحاد المالي بعد 13 عاما على إقامته، فضلا عن انه سيشكل اعترافا بالفشل من قبل الاوروبيين الذين يتخبطون منذ سنتين للخروج من ازمة الديون، وسيسدد هذا الاحتمال ضربة شديدة إلى المشروع الاوروبي بمجمله الذي ينص على دمج جميع بلدان الاتحاد الاوروبي مع الوقت في منطقة اليورو، باستثناء بريطانيا والدنمارك اللتين ترفضان ذلك. أما بالنسبة إلى المنضمين حديثا، فان الامر سيكون صعبا جدا، اذ سيعني انه بالرغم من جهودهم الهائلة من اجل الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، فان مستقبلهم لن يكون مضمونا، ما قد يفقدهم الثقة بالمشروع الاوروبي، كما ستكون الخيبة كبيرة بين الذين يتطلعون للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ما قد يحملهم على التخلي عن مشروعهم.
وعلى الصعيد الرمزي، ان ترك اليونان التي كانت مهد الديمقراطية، تخرج من منطقة اليورو وربما ايضا من الاتحاد الاوروبي كما تنص عليه المعاهدات الحالية، سيسدد ضربة للمبادئ الجوهرية التي يقوم عليها البناء الاوروبي، وكان انضمام اليونان عام 1981 قد تقرر تحديدا من اجل تثبيت الديمقراطية في هذا البلد بعد قليل على انتهاء حقبة الدكتاتورية العسكرية، وبالتالي فان هذا سيقضي على فكرة التضامن بين الأوروبيين، ما سيطيح بجهود بناء اتحاد أوروبي، ما قد تترتب عليه عواقب سياسية فادحة.
مسألة وقت
في الواقع، ان المسألة هي مجرد مسألة وقت قبل أن يتم فصل اليونان عن منطقة اليورو وإنهاء عضوية لم تكن تستحقها هذه الدولة في الواقع، على سبيل المثال فقد ألمح رئيس البنك المركزي الأوروبي المرة الأولى أن اليونان ربما تخرج من اليورو، مع تأكيده في ذات الوقت أن البنك المركزي الأوروبي يفضل استمرار اليونان في المنطقة. مؤسسو الاتحاد الأوروبي لم يخطر على بالهم قط أنه سيأتي يوم وتخرج فيه أي دولة عضو من الاتحاد. ونظراً للأهمية الهائلة لاستخدام عملة موحدة، فإن اعتبارها أقوى رمز من رموز الوحدة السياسية بدليل أنه حتى وقت قريب كانت فكرة خروج اليونان من منطقة اليورو، تمثل أمراً يحرم التفكير فيه من الأساس من جانب العواصم الأوروبية.
ويمكن القول إنه ليس من المرجح أن تطرد منطقة اليورو اليونان مباشرة، لأنه لا يوجد أساس قانوني لذلك من ناحية، ولأن مثل هذا الإجراء سيرسل رسالة خاطئة، وإن كانت أوروبا تستطيع رغم ذلك إيجاد الظروف التي تجبر اليونان على الخروج من تلقاء نفسها. وللحيلولة دون سقوط نظامها المصرفي، ستجد اليونان نفسها مضطرة للتخلي عن اليورو، والتحول لعملتها الجديدة القديمة الدراخما حتى تتمكن من توفير الأموال لنظامها المصرفي.