من مفكرة سفير عربي في اليابان
أرض الخلود
 تاريخ النشر : الأحد ١٧ يونيو ٢٠١٢
بقلم: د.خليل حسن
عرفت مملكة البحرين في حضارة ديلمون بأرض الخلود، لذلك استمرت الشعوب القاطنة في جزيرة العرب بدفن موتاها بأرض ديلمون آملة أن يرجعوا في أرض الخلود إلى حياة أبدية هانئة. كما أن هناك الكثير من الأساطير في كتب التاريخ تتحدث عن محاولة الحضارات القديمة وقاية ملوكها من الموت وتعويضهم بشباب دائم، فقد ذكرت المؤلفات الصينية القديمة قصة لأحد أباطرة الصين حاول أن يعيش حياة أبدية، فأرسل بعثة استكشافية مؤلفة من مجموعة من الشباب والشابات في سفينة لأعماق المحيط للبحث عن لؤلؤة مدفونة لاعتقاده أنها ستطيل عمره، ولم يفلح البحارة في العثور على لؤلؤة الحياة الأبدية ولكنهم اكتشفوا جزر اليابان التي يقطنها أناس اشتهروا بطول العمر. فمتوسط عمر الإنسان اليوم في اليابان حوالي ثمانين سنة وتتوقع الدراسات أنها سترتفع للخامسة والتسعين.
كما تتحدث كتب التاريخ عن البحار جوان بونس دي ليون، الذي قاد بعثة استكشافية في القرن السادس عشر لجزر الكاريبي للبحث عن ينبوع الشباب، الذي يقي شرب مائه من الشيخوخة. ونقلت الكتب القديمة عن حضارات حاولت اطالة عمر ملوكها، وذلك بنومهم مع العذارى وامتصاص دمائهن. وتعتقد الأديان السماوية أن الإنسان يتجدد شبابه قبل دخوله الجنة. كما ذكر في الكتاب المقدس، الإنجيل، شخص سمي «ميتهيسلاه»، وهو أحد أحفاد ادم عليه السلام، قد عاش تسعمائة وتسعة وستين عاما. ويتساءل البعض إذا تمكن «ميتهيسلاه» من أن يعيش حوالي الف عام في ذلك الوقت، فما الذي يمنع إنسان الألفية الثالثة أن يعيش شبابا خالدا. والسؤال لعزيزي القارئ هل من الممكن للتكنولوجيا الحديثة أن توفر للإنسان الشباب الخالد؟
يعرف الخلود بفترة الزمن التي لا تنتهي، ومن المعروف أن الإنسان يصبح خالدا بما يتركه وراءه من أعمال خالدة. كما تخلد مورثاته بالتزاوج لتنتقل من جيل إلى جيل بتكاثر مستمر لخلايا التوالد، النطفة والبويضة. وتعتقد ديانة الشنتو اليابانية بخلود الإنسان من خلال روحه التي تبقى لتحوم بين الجبال والغابات والأنهار.
كما حاول قدماء المصريين تخليد ملوكهم وذلك بتحنيط أجسامهم، والسؤال: هل فعلا من الممكن أن يخلد الجسد حيا؟
يهتم الطب الشامل بالجسد والروح، بينما يركز الطب المعاصر على الجسم المادي، المكون من مجموعة أعضاء أساسها الخلية. ويعرف الطب الحديث موت الجسم بالتوقف الأبدي لوظائفه الرئيسية كالجهاز العصبي والقلب والتنفس. وتتوقف وظائف هذه الأعضاء بموت خلاياها. والخلية هي المصنع الذي يوفر لكل عضو من أعضاء الجسد ما يحتاج إليه من الغذاء لتأدية وظائفه بإتقان. وتحتوي الخلية على مصنع صغير يسمى الميتروكوندريا يقوم بإنتاج الطاقة التي تحتاج لها أعضاء الجسم لأداء وظائفها، وذلك بتفاعل السكر مع الأكسجين ليكون وحدات حرارية تخزن في الخلية بشكل مواد كيماوية. كما توجد مصانع أخرى لصناعة مواد يحتاج إليها الجسم لتغذيته ولأداء وظائفه. ويسيطر على عمل الخلية مورثات تشبه عصيات، توجد في طرفيها لولب صغير يسمى التيليمير والمسئول عن عمر الخلية. وتشيخ الخلية حينما يقصر التيليمير وتنتهي وظيفته وبذلك تتوقف المورثات عن سيطرتها لوظائف الخلية، ليؤدي لتوقف انتاج الطاقة والمواد الغذائية اللازمة، مما يؤدي لتراكم المخلفات والسموم في داخل الخلية فيشيخ الجسد وينتهي بالموت. فما هي الأسباب التي تؤدي لتلف تيليمر المورثة؟
لقد قام العلماء بكثير من الأبحاث للجواب عن هذا السؤال واعتمدوا على تجارب مخبرية لحيوانات صغيرة وبالأخص الفئران، فقد أنشئت مؤسسة عالمية سميت مؤسسة «ميتهيسلاه» الخيرية للأبحاث المضادة للشيخوخة. وتمنح هذه المؤسسة جائزة سنوية، سميت جائزة فأر الميتهيسلاه، وتمنح للباحث الذي يطيل عمر فأر المختبر لعمر لم يسبق له مثيل. وتنقسم هذه الجائزة لجزأين، أحدهما يتعلق بإطالة عمر الفأر والآخر بالمحافظة على شبابه. وقد تمكنت الأبحاث العلمية من زيادة متوسط عمر فئران المختبر من ثلاث سنوات إلى الخمس بالاعتماد على الحمية الغذائية. ويتعلق العلاج بإيجاد توازن بين كمية الأكل اللازمة لإطالة عمر الفأر بدون أن تؤدي لمجاعته وموته. واكتشف الدكتور ديفيد سنكلير الأستاذ بجامعة هارفارد، أن سبب إطالة العمر بالحمية الغذائية هو الجينات التي تصنع مادة بروتينية تسمى «سيرتوينز»، التي تسيطر على وظيفة الميتوكوندريا، وينشطها «الريزفيراترول»، المادة الموجودة في بعض الأغذية والمشروبات.
وقد تساءلت مجلة الايكونوميست الاقتصادية عن إمكانية اطالة عمر الإنسان ليعيش للأبد؟ وإذا أمكن ذلك، فكيف، وما هي الكلفة؟ وهل من الممكن أن نعتبر الإنسان كالآلة نستطيع تغيير قطع غيارها كلما تلفت، لتستمر الآلة عبر السنين؟ وهل من الممكن أن تصل لمرحلة تكون قد جددت جميع قطعها بقطع جديدة؟
حافظ الخالق جل شأنه على بقاء أحياء الطبيعة بالتكاثر. فخلود البقاء شيء حتمي بين النبات والحيوان والإنسان، وذلك بتوفر صيغ مختلفة للتكاثر لتنتقل المورثات والجينات من ذرية لأخرى عبر العصور. فذرية الإنسان مستمرة منذ ادم عليه السلام. ويحتوي جسم الإنسان على نوعين من الخلايا، وهي خلايا التكاثر الخالدة، وخلايا الجسد الفانية. فخلايا التكاثر، وهي النطفة والبيضة، تنتقل من جيل لآخر، بينما تموت خلايا الجسد. ويعتقد الدكتور أوبري دي جري، الباحث في جامعة كمبريدج، أن هناك سبعة أسباب لشيخوخة الخلايا، وهي فقدان الخلايا وتحللها الذاتي، وطفرات نواتها الجينية، والطفرات الجينية في الميتوكوندريا، وتراكم المخلفات بداخل الخلايا وخارجها، بالإضافة لتراكم السموم القاتلة. وتزداد هذه المخلفات والسموم بزيادة الأكل، وقلة شرب الماء، والضغوط الحياتية، وندرة الرياضة العضلية والذهنية. فمن المعروف أن الرياضة العضلية والذهنية تؤدي لإفراز مواد هرمونية تنعش الخلايا الجسمية والعصبية وتكبر حجمها وتزيد من وظائفها وتمنع شيخوختها.
والميتوكوندريا هي مصنع الخلية الذي يقوم بحرق السكر بتفاعله مع الاكسجين لإنتاج الطاقة، وأحد التحديات التي يواجهها هذا المصنع الصغير هو انشطار شحنة الكترونية سالبة من الأكسجين. وتسمى هذه الشحنات السالبة الفري راديكلز أي الجذريات الحرة. وتجول هذه الجسيمات الصغيرة في الدورة الدموية وتغزو الخلية لتتلف لولب التليمير والجينات الموجودة على مورثاتها، فيضطرب العمل وتتراكم المخلفات وتشيخ الخلية. ولو استطعنا أن نطهر الجسم من هذه الجذريات الحرة، نستطيع أن نحمي الخلايا من تلف الشيخوخة. وتوجد الكثير من المواد التي تبطل مفعول هذه الجذريات السامة وتخلص الجسم منها. وتوجد هذه المواد في كثير من الفواكه والخضراوات. وباختصار شديد لتأخير الشيخوخة نحتاج لقلة الأكل وجودة نوعيته، بكثرة تناول الخضراوات والفواكه وقلة اللحوم الحمراء والدهون والسكريات، وتناول كميات كبيرة من الماء، وممارسة الرياضة اليومية وتجنب الضغوط الحياتية.
وقد بينت الأبحاث العلمية إمكانية «استبدال الخلايا المسنة بخلايا جديدة» يانعة. والخلايا اليانعة هي الخلايا الجذعية والمعروفة بالاستم سلز. وتتشكل الخلايا الجذعية من اندماج الحيوان المنوي مع البويضة. فيؤدي هذا الاندماج لتشكل خلية جديدة تستطيع التكاثر بسرعة والتحول لأي نوع من خلايا الجسم. فلو استطعنا حقن هذه الخلايا في أحد أعضاء الجسم كالكبد والبنكرياس والقلب حتى المخ يمكن أن نضيف خلايا جديدة يانعة وطويلة العمر. وتتكاثر هذه الخلايا اليانعة بداخل العضو وتميز وتطور وظائفه، لترجعه عضوا يانعا من جديدا.
فباختصار شديد يمكن مستقبلا أن نغير أعضاء الجسم المسنة بأجزاء جديدة كل فترة معينة من الزمن. والخلايا الجذعية موجودة في مضغة الجنين وتتعرض المضغة للتلف عادة بأخذ بعض من خلاياها الجذعية. وقد استطاعت الأبحاث الحديثة أخذ خلايا جذعية من مضغة بدون إتلافها، كما استطاع البروفيسور الياباني يمناكا أستاذ الخلايا الجذعية بجامعة كيوتو اليابانية أن ينتج خلايا جذعية من خلايا الجلد، وقد حاز هذا العالم الجليل جائرة كيوتو اليابانية. وقد يفتح هذا الاختراع الجديد الطريق للسماح بأبحاث الخلايا الجذعية، التي ستخلق ثورة جديدة في عالم الطب. ولذلك نحتاج للمحافظة على الشباب بالوقاية الصحية، فالأبحاث ضد الشيخوخة مستمرة في التطور، وإذا استطاع الإنسان إن يطيل عمره عدة سنوات، فقد تكتشف الأبحاث طرق جديدة للمحافظة على شباب دائم. والسؤال لعزيزي القارئ: هل سترجع مملكة البحرين ثقافة الشباب الخالد، بتطوير تعليم ينشر فلسفة الوقاية خير من العلاج، لخفض نسب زيادة الوزن والبدانة،والتي ارتفعت لثلثي المواطنين في بلادنا، ولوقف زيادة الأمراض المزمنة، ومنع الارتفاع الصاروخي لكلف الرعاية العلاجية؟
ولنا لقاء.
* سفير مملكة البحرين في طوكيو
.