أخبار البحرين
عميد كلية الشريعة السابق بجامعة قطر بجمعية المنتدى:
علينا تسليط نور العقل وسلاح النقد على الأخطاء الشائعة في خطابنا الديني
تاريخ النشر : الأحد ١٧ يونيو ٢٠١٢
انتقد المفكر القطري الدكتور عبدالحميد الأنصاري، العميد السابق لكلية الشريعة في جامعة قطر، كل من يحاول أن يزيف الوعي أو يشوه الحقيقة أو يمنع الناس من الوصول إليها تحت أية حجة أو مبرر, لأن عالمنا اليوم، كما قال، هو عالم العقلانية والمعرفة والانفتاح على الثقافات الأخرى.
وتحدث الأنصاري في ندوة نظمتها جمعية المنتدى بمقرها في العدلية مساء الأربعاء تحت عنوان «دور الشباب في حركة التنوير»، وشهدت حضورا نوعيا من أعضاء وأصدقاء الجمعية،عن محاور عدة أهمها:
ما المقصود بكلمة التنوير؟
يرى الأنصاري أن القرن الثامن عشر في أوروبا هو بداية إنطلاق عصر الأنوار أو التنوير في الحضارة الإنسانية, ومنذ ذلك الوقت تعيش البشرية حضارة لم تشهدها من قبل. فهي مختلفة تماما عن كل الحضارات التي سبقتها, وأحد أهم سماتها هو تجدد المعرفة, ووعي الإنسان بأهمية كيانه كفرد يمتلك نور العقل الذي من خلاله يحدد خياراته في هذا العالم. واستطرد المحاضر قائلا: «لمزيد من التوضيح لمفهوم التنوير علينا أن نرى التضاد الكائن بين الأنوار والظلمات، أو بين المعرفة والجهل, أو بين الخير والشر أو بين الحقيقة والخطأ»، مضيفا: اسمحوا لي أن أستعير من المفكر السعودي المعروف إبراهيم البليهي فكرته التي كثيراً ما كتب عنها, وهي أن حضارة اليوم هي الحضارة الوحيدة التي لن تزول أو تنهار - على عكس الحضارات السابقة التي اندثرت - وذلك لكونها تعتمد في وجودها وتطورها على سلاح النقد الذاتي لأخطائها المبنية على تسليط نور العقل, ومن هنا تكتسب خاصية تجددها وازدهارها المشهود.
التنوير وتجديد
الخطاب الديني
وقال الأنصاري ان «المطلوب اليوم منا كمسلمين هو أن نسلط نور العقل وسلاح النقد على الأخطاء الشائعة في خطابنا الديني وتنقيته من ثقافة الكراهية ونبذ الآخر المختلف عنا في الدين أو الثقافة أو المذهب أو الإثنية». وأضاف «نحن أيضاً بدأنا التنوير في مصر على يد الشيخ الإمام محمد عبده ورؤاه التنويرية والإصلاحية في القرن التاسع عشر, واستمر على يد مفكرين متنورين من أمثال قاسم أمين والمازني ولطفي السيد والدكتور طه حسين، إلى أن جاء الانقلابيون العسكريون في مطلع خمسينيات القرن الماضي، ليقيموا عهد القمع والديكتاتورية والفساد والحجر على الرأي والحريات بدلا من عصر التنوير والإصلاح والتعددية والليبرالية».
مكر التاريخ
وتحدث الأنصاري عن مكر التاريخ. فقال: إن «تاريخ البشرية له وجهان. الوجه الظاهر ويتمثل فيما نراه اليوم من صراعات ومعارك من أجل الاستحواذ والتسلط والهيمنة والإطاحة بالآخر. ولكن في المقابل وفي العمق من التاريخ يوجد الوجه الآخر وهو المهم والمتمثل في الدروس التاريخية العظيمة المستفادة من ذلك التطاحن وتلك الصراعات»، مضيفا أن هناك تحولات فكرية عميقة تحدث في التاريخ البشري غير ظاهرة لنا, وهذا هو ما يسمى بمكر التاريخ. وهذا ما يمنحنا روح الأمل والتفاؤل أن المستقبل دأئماً سيكون الأفضل.
ما المطلوب؟
بعد ذلك تحول المحاضر إلى سرد الكثير من الأفكار التي لو أخذنا بها في حياتنا كحكومات ومجتمعات وشعوب لتمكنا من التغلب على ما يواجهنا من المشكلات والتحديات. ومن بين ما أشار إليه هو أن نعمل جميعاً على توفير البيئة الحاضنة لثقافة الانفتاح وقبول الآخر المختلف في مجتمعاتنا العربية والاسلامية. فتغيير مناهج التعليم على سبيل المثال لن يؤتي ثماره إلا بوجود مثل هذه البيئة الاجتماعية الحاضنة لثقافة التعايش مع الذات ومع الآخر. وانتقد الانصاري الأصوات الدينية المتشددة التي تطالب بمنع بناء الكنائس في البلدان الاسلامية بل والمطالبة بهدمها إذا كانت موجودة, في الوقت الذي يـسمح فيه للجاليات الاسلامية المقيمة في البلدان الأوروبية ببناء مساجدها ومدارسها، بل ويتم احترام خصوصياتها الثقافية. وأضاف «علينا أن نشجع أبناءنا وشبابنا على الإطلاع والتعرف والانفتاح على كافة الثقافات والافكار دون أي تخوف أو حجر, بمعنى أن نترك لهم حرية الاختيار دون وصاية، خصوصا وأنهم يعيشون في فضاء معرفي مفتوح غير مسبوق في تاريخ البشرية».
يشار إلى أن الأنصاري حاصل على شهادات الليسانس والماجستير والدكتوراه في الشريعة من جامعة الأزهر المصرية، وتقلد قبل بضعة أعوام منصب عمادة كلية الشريعة والقانون بجامعة قطر, وأثناء ذلك أسهم في وضع قانون الأسرة في دولة قطر. ويعد الأنصاري أحد المفكرين العرب المهتمين بتجديد الخطاب الديني والحوار بين الثقافات، وأكثرهم جرأة في نقد ما يراه مخالفا لصحيح الإسلام. وقد ضمن مواقفه ورؤاه التنويرية العديد من المقالات الصحفية، والمؤلفات التي كان آخرها كتاب بعنوان «ثقافة الكراهية, التسامح الإنساني إلى أين؟!».