زاوية غائمة
رحلة لندن ثبتت رسميا
تاريخ النشر : الاثنين ١٨ يونيو ٢٠١٢
جعفر عباس
أمر السفر للدراسة في لندن صار ثابتا من الناحية الرسمية، بتسلمي (باليد) رسالة تفيد بذلك.. يا ما انت كريم يا رب.. لندن التي كانت عاصمة نصف أهل الكرة الأرضية ستستقبلني، وببلاش، يعني لن ادفع مليما أبيض أو بمبيّاً للإقامة فيها (بالمناسبة هل المفردة التي تصف اللون المذكور بالنون ام بالميم أم بالبون؟ بمبي أم بنبي)، حكومة السودان ستتحمل عني نفقات السفر وحكومة ألمانيا الغربية ستتحمل نفقات السكن والإعاشة والدراسة.. فكرت للحظة عند تسلم تلك المكاتبة الرسمية في الوقوف في حديقة الوزارة لأداء رقصة ديسكو، ولكنني تذكرت أن الديسكو لم يكن قد تم اختراعه بعد، وفكرت في ارسال مسجات هاتفية إلى كل معارفي واصدقائي لأخبرهم بالنبأ الخطير، ولكن لم يكن أحد من الأغنياء الأغبياء قد فكر وقتها في تأسيس شركة نوكيا أو موتورولا أو سامسونغ أو حتى سوني.. آآآخ لو كان عندي آيفون لأستخدمه كمايكروفون: أيها الناس باركوا لابن عباس نيله مكافأة ترفع الرأس.. حتى التلفونات الأرضية كانت في السبعينيات تعاني من الزهايمر: تتصل بابن عمك في «كافتيريا المثلجات الباردة» فيأتيك الرد: نعم معاك وكيل وزارة المالية ذلك زمان كان فيه الناس ينظرون إلى الذين يذهبون إلى أي مدينة أبعد من القاهرة نظرة علماء الفيزياء إلى آينشتاين وينالون نفس التقدير الذي ناله كرستوفر كولمبس، وبالمناسبة فإن كولمبس هذا لا يستحق سوى الشتم لأنه غبي ولم ينجز المهمة الموكلة إليه، ألا وهي اكتشاف طريق قصير إلى الهند، فإذا بالعبيط يصل إلى أرض لا علاقة لها بالهند أو السند، هي أمريكا ليتقاطر عليها الأوروبيون ويقضون على سكانها الأصليين، الذين صار اسمهم الهنود الحمر، وفبرك كولمبس الاسم ليغطي على خيبته ويتسنى له الزعم بأنه اكتشف أرضا أخرى للهنود، ولو كان كولمبس يملك أي قدر من الحياء، لتكتم على فضيحته ولم يعلن اكتشافه، ولو فعل ذلك لما كان هناك اليوم بلد اسمه الولايات المتحدة، صارت قوية الشوكة بعد ان جعلت بقية سكان الأرض هنودا حمراً.
ورغم انني لم أجد فاكس أو موبايل او بلاكبيري أو آيفون أو انترنت لنشر خبر انضمامي إلى النخبة، (بسبب تقاعس المخترعين)، فقد انتشر الخبر بين أهلي ومعارفي وأصدقائي، وصرت في نظرهم «نجما مش كثيرة عليه سعاد حسني»، وخلال الأيام التالية، وأينما ذهبت والتقيت واحدا من أهلي النوبيين صاح في فرح: ينصر دينك يا جافر أباس.. يا سلام تروهي لوندن.. ما تنسانا من ساله الداوات (صالح الدعوات).. بالمناسبة كان جيل كامل من السودانيين شديد الاعجاب ببريطانيا وكل ما هو بريطاني، بل كان هناك من يقول ان الإنجليز امتداد لقبيلة «قريش».. وكان «حزب تقدم السودان» الذي أنشأه عمنا المرحوم عثمان أزرق ينادي بعودة الاستعمار البريطاني إلى السودان لبضع سنوات، وكنا نتهكم عليه باعتبار أن مثل ذلك الكلام لا يقوله إلا عميل للاستعمار، وبعد أن ذقنا الويل وسهر الليل من الحكومات الوطنية أدركنا ماذا كان يقصد عمنا أزرق.
jafabbas19@gmail.com