الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


الوحدة الوطنية ليست سلعة

تاريخ النشر : الاثنين ١٨ يونيو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



هل كل من يتحدث عن الوحدة الوطنية هو حريص على حماية هذه الوحدة والدفاع عنها؟ الجواب بطبيعة الحال لا، فالوحدة الوطنية تتعرض في هذه الظروف التي تمر بها البحرين لأكبر تحد تواجهه، ومع أن «الجميع» يتحدث عن «حرصه» على حماية هذه الوحدة واستعداده للدفاع عنها، إلا أن الواقع المعاش يقول بغير ذلك، فهذه الوحدة تتعرض لتخريب متعمد من نفر من أبناء هذا الوطن الذين يسعون بشتى السبل والوسائل إلى استمرار الأوضاع على ما هي عليه حاليا، وهذه الأوضاع تحمل في طياتها التهديد الخطر للوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي البحريني الذي أصيب في أجزاء كثيرة منه بالتهتك وتقطيع الكثير من خيوطه، وهذا النسيج مرشح إلى مواجهة الكثير من التخريب مع استمرار الأوضاع غير الطبيعية التي تمر بها بلادنا على مدى أكثر من خمسة عشر شهرا.
لو كان الجميع فعلا حريصين على سلامة الوحدة الوطنية ونسيجنا الأهلي لما شهدت بلادنا هذا الاحتقان الطائفي الخطر الذي تصاعد بسبب الخطب الطائفية التي تعج بها المنتديات الالكترونية، وتتصاعد في كثير من الأحيان عبر المآذن الدينية وعلى ألسن من يفترض أنهم دعاة تسامح وسلام بين جميع مكونات شعب البحرين، وبعيدا عن كل المزايدات فإن هناك بيننا من يسعى إلى تخريب النسيج المجتمعي البحريني لدوافع ذاتية وأنانية، أمثال هؤلاء يشكلون خطرا على هذه الوحدة وبالتالي يستوجب فضحهم عبر مختلف الوسائل والسبل وكشف الألاعيب التي ينتهجونها في مسعاهم لإبقاء الأوضاع المجتمعية متوترة.
يجب علينا الاعتراف بحقيقة قائمة وهي أن الوحدة الوطنية ليست على ما يرام، بل هي تمر الآن بواحدة من أخطر المحطات التي تشكل امتحانا حقيقيا لمدى قدرتنا على تمكين وحدة الوطنية من اجتياز هذا الامتحان والتعافي من التصدعات التي ضربت جدار هذه الوحدة، بدءا من تفجر الأوضاع في شهر فبراير من العام الماضي، مرورا بالنفخ الطائفي المقيت الذي تسبب في تشذيب جدار الوحدة الوطنية وتخريب العلاقات بين مكونات الشعب البحريني، وهي العلاقات التي كانت مثالا لسمات التسامح والألفة والتداخل الأسري على مدى عدة عقود.
من دون الاعتراف بحقيقة المأزق الذي نعيشه وتشخيص الأسباب والعوامل التي تسببت في استمراره، فإننا لن نستطيع معالجته والخروج منه بأقل الخسائر والأضرار، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة أكثر استقرارا وعلاقات مجتمعية متماسكة من أجل العمل على تطوير نظامنا السياسي والمشروع الإصلاحي الذي جاء به جلالة الملك قبل أكثر من عشر سنوات، وهو المشروع الذي أجمعت الغالبية العظمى من أبناء شعبنا على أنه خريطة الطريق الصحيحة التي تمتلك بوصلة المستقبل السياسي.
فنحن بحاجة إلى أن نترجم أقوالنا وحرصنا على وحدة مكونات شعبنا إلى أفعال ملموسة، وليس فقط إطلاق الكلمات الجميلة والرنانة، فهذه الوحدة تضررت كثيرا وليس من مصلحة أي منا أن ينكر ذلك أو يقلل من حجم الشرخ الذي أصاب العلاقات بين مختلف المكونات الدينية والمذهبية والعرقية أيضا، فالفسيفساء البحرينية ليست على جمالها الذي يعرفه أبناء البحرين، أم أن الجمال الذي كانت عليه قبل الرابع عشر من فبراير من العام الماضي هو جمال، سرعان ما انكشفت أسراره بعد تفجر تلك الأحداث؟
لست من أنصار القائلين ان نسيجنا الوطني وفسيفساءنا البحرينية جمالهما مزيف، فحجم الهجمة التي تعرض لها هذا النسيج والتخريب الذي طال فسيفساء البحرين هما بالحجم الذي من غير الممكن الصمود أمامه من دون خسائر جسيمة، أضف إلى ذلك فإن هذا الهجوم لم يتوقف منذ فترة طويلة وتصاعدت حدته بعد تفجر أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي، الأمر الذي جعل الوحدة الوطنية تدخل نفقا خطرا
لاتزال ترفل في دهاليزه، ولم يستطع المخلصون والحريصون على سلامتها من انتشالها من هذا النفق حتى الآن رغم الكثير من المحاولات التي تمثلت في المبادرات الأهلية لرأب التصدع في الجدار الوطني.
لاأزال مؤمنا وعلى قناعة تامة بقدرتنا ـ إن أخلصنا وصدقنا مع أنفسنا ووطننا ـ على إعادة العافية والروح إلى وحدتنا الوطنية، وترميم التصدع الذي أصابها، وهذا ليس مطلبا بقدر ما هو ضرورة لأن ذلك يحدد مصير ومستقبل وطننا وشعبنا بجميع مكوناته العرقية والدينية والطائفية، ومن دون تحقيق هذا الهدف فإن الكثير من الأضرار سوف تلحق بهذه الوحدة، وستصعب من مهمة ترميم التصدع الذي أصابها فلا خيار أمامنا سوى سلوك هذا الطريق ومغادرة التخندق الطائفي الذي لن يؤدي سوى إلى مزيد من الأضرار والتصدع والتشرذم الوطني وهذا، على المستوى البعيد وليس الآني، ليس في مصلحة أي مكون من مكونات شعبنا.