الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


عهد المصالحة الدائم

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٢



للشعوب عادة قراراتها السيادية التي لا يمكن المجادلة فيها أو تغييرها.
فعندما يتفق الشعب مثلاً على الاحتجاج على بعض أوجه السياسة العامة للدولة ويقرر ذلك، لا يمكن للدولة أن تثنيه عن هذا القرار. وعندما يتفق الشعب ويقرر مثلاً (المقاطعة الاقتصادية) فلا يمكن للدولة أيضاً أن تغيّر من قراره هذا، حتى إن كان لهذا القرار الأثر السلبي على اقتصاد البلد.
وقس على ذلك قرارات الشعب السيادية الأخرى، في مواقفه الوطنية والسياسية والاقتصادية إزاء مختلف القضايا الداخلية والخارجية.
إنها إرادة الشعب وقراراته السيادية، إذا اتفق الشعب جميعه على ذلك.
وحتى مشاعر الحب والولاء للزعيم والقائد في الوطن من قبل الشعب، فإنها لا تتأتى عن طريق القوانين أو المراسيم الجمهورية والملكية. وإنما هي تهدى كذا بكل عفوية من دون قيدٍ أو شرط.
فلا يمكن لرئيس الدولة مثلاً أن يُصدر مرسوماً يدعو فيه الشعب إلى حبه، أو إلى احترامه وإطاعة أوامره بالأمر والقوة. إنما الذي يدفع الشعوب إلى حب الزعيم وقائدهم هي مشاعر الود والمحبة والاحترام الذي تتشكل على مر السنوات في وجدان الشعب للزعيم والقائد بناءاً على ما يلمسه الشعب من حسن الرعاية والاهتمام والمحبة لهم من قبل قائدهم.
وفي الحكمة المشهورة عن (الحصان وبركة الماء) أبلغ مثال على ذلك، فأنت بقوتك وسيطرتك على الحصان بإمكانك أن تجره إلى بركة الماء كي يشرب منها. ولكنك لن تستطيع بكل ما أوتيت من قوّة أن تُكره الحصان على شرب الماء.
وهكذا هي الأحاسيس والمشاعر. حيث لا يمكنك أن تُجبر شخصاً ما على حبك أو احترامك. إذا أنت لم تقنعه بهذا الحب والاحترام ويراك أهلاً لهذه المشاعر... وفي شأن الحكم والمُلك، فمن الممكن أن تمتلك رقاب الناس قهراً، ولكن من الصعب جداً أن تمتلك قلوبهم طوعا.
والحمد لله اننا في البحرين ندين بالكثير من الحب والولاء إلى (جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه) الذي ملك قلوب الشعب طوعاً بحكمته ومحبته وتسامحه ووفائه لشعبه الكريم.
وبشأن المصالحة الوطنية التي يتم تدارسها في البحرين حالياً، أرجو أن يتسع صدر الجميع إلى وجهة النظر التي أود إيصالها في هذا المقال إلى المعنيين بشأن هذه المصالحة.
إننا إذ نبارك هذا التوجه الوطني المخلص للمّ الشمل البحريني، نتمنى على القائمين على هذه المبادرة أن يؤسّسوا بداية الأرضية المناسبة لهذا الجهد الوطني المبارك. وذلك بتطبيق القانون أولاً على كل الذين أجرموا وأخطأوا في حق البحرين وأهلها. والنظر بعين الاعتبار إلى الحقوق المدنية والجنائية والشرعية للمجني عليهم.
ثم التوجه إلى تصفية النفوس وتطييب الخواطر. وانتهاج طريق المصارحة والمكاشفة أثناء الحوار، على أسسٍ من الاحترام المتبادل والثقة بين جميع الأطراف. ولا شك أن نتائج هذه (المصالحة المجتمعية) مستقبلاً، سوف تقودنا بإذن الله تعالى إلى (المصالحة السياسية الشاملة).
ولهذا يرجى الانتباه في هذا الشأن إلى ما جاء في بداية هذا المقال من إشارة إلى (إرادة الشعب الحرة وقراراته السيادية) والنظر إليها بعين الاعتبار والاهتمام.
فلا يمكن بأي حالٍ من الأحوال (القفز)على مشاعر المواطنين وتجاهلها، والتظاهر بأن شيئاً لم يكن، وجرّ الحصان عنوةً إلى بركة الماء كي يشرب منها. فلقد كانت هناك جرائم وأخطاء وتجاوزات لابد من تدارسها وحفظ الحقوق فيها.
ومن الطبيعي أن يتطلع شعب البحرين اليوم بكل طوائفه إلى طلب المصالحة. فهذا هو قدرنا في البحرين. اننا في بيتٍ واحد. وفي سفينةٍ واحدة، ما يجري عليها يجري على جميع ركابها.
إلا أنه - ومن أجل أن تؤتي المبادرة ثمارها - نأمل أن تُهيأ الأجواء النفسية والاجتماعية المناسبة للمصالحة بين فئات المجتمع، ويُستحسن من الدولة أن تكثف رعايتها وعنايتها بالمواطن البحريني اجتماعياً واقتصادياً وسياسيا.
إن لكل (عقدٍ أو اتفاقٍ أو معاهدة) يتعلق بالمصالحة الوطنية الشاملة - وخاصة في البحرين- ويُراد له القوة والاستمرار بين أفراد المجتمع وبين المجتمع والدولة، يجب أن يُؤسّس على مبادئ من القيم والمفاهيم والثوابت الوطنية الراسخة المتفق عليها من جميع أطراف العقد والمعاهدة، تحفظ للاتفاق قوته وثباته وديمومته.
هذه المبادئ التي تقوم على أولاً (الرعاية الاجتماعية والسياسية الحقّة من قبل الدولة للمواطن).
ثم الثقة والاحترام والاعتراف المتبادل بين جميع مكونات الشعب. والاعتراف بشرعية الحكم والدستور واحترام القانون والدولة.
ثم التوقيع أخيراً على (عهد المصالحة الدائم). القائم على نهج الحوار والاحترام والديمقراطية. ونبذ العنف بين المعارضة والدولة وجميع مكونات الشعب.
هذا هو (العهد) الذي سوف يحفظ للبحرين وأهلها الأمن والأمان، والتطور والازدهار في المستقبل.
حفظ الله البحرين وأهلها. والله خير الحافظين.
ebrahim4112@gmail.com