الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رسائل


الحرب الأهلية تطل برأسها من عكار في لبنان

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٢



عاد شبح الحرب الأهلية الطائفية التي عصفت بلبنان على مدى 15 عاما ليخيم بثقله على منطقة عكار بحيث تكرر مشهد حاول اللبنانيون جاهدين نسيانه ومحوه من ذكرياتهم ألا وهو الخطف على الهوية.
بمجرد تأجج الأوضاع في طرابلس بانتشار المظاهر المسلحة والاضطرابات بين السنة والعلويين، ومن ثم انتقالها إلى منطقة عكار، برزت في هذه الاخيرة العناصر المسلحة التي تطلب إلى المارة ابراز هويتهم، وفي حال لم يحالفهم الحظ وتبين انهم من المعسكر الآخر سيكون مصيرهم الخطف تماما كما كان يحدث قبل 35 سنة خلت، ليتم في وقت لاحق الخطف المتبادل من الفريق الآخر وهكذا دواليك.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ألم يتعظ اللبنانيون من نهر الدماء الذي سال في مختلف أرجاء بلدهم بسبب حروب الآخرين على أرضهم؟ ألم يكفهم الشهداء الذين سقطوا من أحزاب ومدنيين وأبرياء؟ ألم يدركوا بعد ان حمل السلاح ضد بعضهم بعضا لن يجلب سوى الدمار والأسى؟... أسئلة تبقى برسم المرحلة المقبلة، فيما يبدو أن الاوضاع في شمال لبنان تسير نحو المجهول.
«أورينت برس» راقبت ما يجري على الجبهة الشمالية وكتبت:
الساحة الشمالية اللبنانية على صفيح ساخن هذا اقل ما يمكن قوله بالنظر إلى حوادث الخطف والقتل وانتشار السلاح في عكار وطرابلس ووادي خالد، وقد اتخذ الوضع الامني منحى خطرا جراء أعمال الخطف المتبادلة هذه التي تمت على خلفية سياسية مذهبية بين اللبنانيين والسوريين وبين اللبنانيين انفسهم ولاسيما بين أهالي وادي خالد وبلدة المسعودية في سهل عكار، من قبل فرقاء من السنة وآخرين من العلويين، وقد سجل انتشار مسلح وإقامة حواجز، وكانت المحصلة تسعة مخطوفين لبنانيين وسوريين في استحضار لحوادث برزت في عام 1975، قبل ان يتم اطلاق الاحمد من قبل سوريا وعودة الهدوء النسبي.
وقائع الخطف
هناك رواية واحدة لما جرى في عكار مفادها انه بعد خطف محمد سليمان الاحمد من بلدة خط البترول في منطقة وادي خالد على يد المدعو بلال.ق من بلدة تل عباس في عكار وبعد نقله إلى داخل الاراضي السورية، انتشر مسلحون في منطقة وادي خالد، وعمدوا إلى خطف تسعة اشخاص وقطعوا الطرق. بداية أقدم عدد من أبناء وادي خالد على اختطاف المواطن حكمت يوسف خليل من بلدة عين الزيت وعدد من المواطنين السوريين ردا على اختطاف الأحمد المعروف بـ«أبو الروس»، وترجم الغضب الشعبي في وادي خالد بقطع الطرق وإقامة خيمة كبيرة في المنطقة وأعمال احتجاز لمواطنين من خلال إقامة حواجز طيارة في بعض قرى وادي خالد للتدقيق في هويات المواطنين، الأمر الذي أعاد إلى أذهان العكاريين صورة الحرب الأهلية بكل أبعادها وتفاصيلها، حتى ان الفلتان الأمني لم يبلغ هذا المنحى في عز الحرب الأهلية، وانضم عدد من فعاليات المنطقة إلى حالة الغليان الشعبي والاعتصامات هذه ومنهم النائب خالد ضاهر الذي وقف إلى جانب المعتصمين، داعيا الحكومة إلى «ان تتحمل مسؤوليتها في منع الشبيحة وعملاء النظام السوري من العبث بأمن لبنان لان ما يحدث ايضا في طرابلس هو استجابة لإملاءات النظام السوري لضرب الاستقرار في طرابلس والشمال».
وانتقد الضاهر كيف ان الخطف تم إلى جانب منزل النائب السابق عن طائفة العلويين مصطفى علي حسين الذي سرعان ما اتصل بالجانب السوري ليحاوره من اجل اطلاق سراح المخطوف من وادي خالد.
في المقابل، استمر النائب السابق حسين بوساطته، من اجل اطلاق سراح سليمان من سوريا، وكشف عن «وجود وعد من الجهات السورية بأن نتسلم المخطوف اللبناني قريبا»، موضحا أن «القيادة السورية حريصة جدا على أمن لبنان وشعبه وتجاوبت معنا بسرعة وقد وعدنا بتسلمه»، وقال: «لا أعلم شيئا في الأمور اللوجستية ولا معلومة عن عملية الخطف ولكن مسؤوليتنا أدبية تجاه المواطنين وبالنتيجة هذا هو شعبنا»، معربا عن أسفه لتصريح عضو كتلة المستقبل النائب خالد الضاهر بـ«أن المواطن خطف بالقرب من منزلي ولاسيما ان منزلي يقع على الحدود السورية ولا دخل لي بكل ما يجري».
اما عن المخطوفين السوريين من قبل أهالي المخطوفين اللبنانيين، فأوضح حسين أن «هؤلاء ليسوا مخطوفين وإنما هم ضيوف وفي منازلهم بحسب ما صرح الأهالي، ولكن ما حصل هو لمزيد من الضغط على الجهة السورية».
وعن دور الدولة في هذا الإطار رد بأن «المسؤولية في كل ما يجري يجب ان تقع على عاتق الجيش والحكومة، وهذا الموضوع يجب ان يعالج على طاولة الحوار اذا صفت النيات». ونوه بأن «الجيش يلزمه غطاء سياسي للقيام بدوره ومهامه على الأرض»، معتبرا أن «عملية الخطف لن يكون لها اي مردود سلبي او خطر أمني على الأرض وسيعود الجميع إلى منزله سالما» وهو تصريح اراد من خلاله التهدئة وطمأنة الجميع إلى ان عكار لن تنجر إلى المستنقع السوري.
موقف البلديات
وقد وضعت الحوادث الأمنية الاخيرة عكار أمام مفترق طرق بين من يعمل على التهدئة ويسعى إلى معالجة الموضوع وتدارك تداعياته، وبين من يعمل على التصعيد وزج عكار في الأزمة السورية.
ووسط الحديث عن عمليات خطف متبادلة، عقد رؤساء بلديات سهل عكار وفعالياتها اجتماعا أكدوا فيه الوحدة الوطنية والعيش المشترك وطالبوا الدولة اللبنانية ببسط سلطتها على كل المناطق اللبنانية وسحب السلاح الفردي من مختلف الناس، وقالوا نحن لا نرغب في الخطف وكل ما نرجوه ان يعود الينا ابننا سليمان وأعربوا عن ارتياحهم للتواصل الذي يحصل لتخلية سبيل الأحمد، وأكدوا ان المحتجزين بخير وانهم ضيوف لديهم ريثما يتم الافراج عن الاحمد. ولفت البيان المشترك الصادر عنهم إلى أن «هناك سكان في وادي خالد من الطائفة العلوية، ونحن أهل وجيران، ولكن المفاجأة أن يتم خطف شخص من أهالي وادي خالد وهذا لن يسكت عنه أبدا».
وأضاف البيان: «وجهاء وادي خالد وعكار يؤكدون أنهم غير مسؤولين عن تصريحات غير مسؤولة قد تضر بالعيش المشترك، وقد يكون هناك تحركات غير مسؤولة من البعض».
الى ذلك، كانت شخصيات عكارية قد دعت إلى معالجة الامور بالسرعة القصوى وتوقيف خاطف الاحمد والإفراج سريعا عن كل المحتجزين الاخرين وتهدئة الامور في ظل هذه الاوضاع المتشنجة التي تشهدها الساحة اللبنانية عموما والشمالية خصوصا ولاسيما بعد حوادث التبانة وبعل محسن المشتعلة في طرابلس التي يتم خلالها تبادل اطلاق النار وإطلاق القذائف. وكانت دعوات إلى النأي بعكار عن مسار التجاذبات وعدم زجها في متاهات هي بغنى عنها وضرورة حصر الامور وعدم السماح بتمددها وخصوصا ان لعكار تاريخا طويلا ونموذجيا بعيش أبنائها المشترك.
دور امني
من جهتها، تتابع الاجهزة الامنية اللبنانية المعنية تحركاتها على الارض في محاولة لتهدئة الامور وإعادة الاستقرار إلى المنطقة، فيما أفيد عن اتصالات أجريت على أعلى المستويات الرسمية والسياسية والأمنية بهدف معالجة هذا الامر الطارئ، وقد تسربت معلومات بأن قوة من الجيش قد نفذت سلسلة عمليات دهم في عدد من القرى والبلدات في سهل عكار في مهمة البحث عن خاطف الاحمد الذي تم التعرف إلى هويته ولم يعثر عليه في منزله، وقد تم توقيف عدد من أقرباء خاطف الأحمد على ذمة التحقيق في وقت تتابع الاجهزة الأمنية تعقباتها وتحرياتها في هذا الخصوص، في مسعى حثيث لعدم انتشار الاشتباكات المسلحة في عكار كما يجري على الساحة الطرابلسية اليوم.