هوامش
مصر إلى أين بعد الرئاسة الجديدة؟
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٠ يونيو ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
حتى إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية غدا الخميس، فإن كل المؤشرات حتى الآن تدل على نيل مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي النسبة التي تؤهله لأن يكون أول رئيس مصري ينتخب بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، الأمر الذي يعني أن مصر ستدخل مرحلة سياسية جديدة محفوفة بالمخاطر نظرا لأنها ستكون تحت قيادة حزب لم يتخل على الإطلاق عن هدف إقامة الدولة الدينية، حيث برنامجه السياسي بقي كما هو من دون تغيير، على الرغم من رسائل التطمين التي بعث بها قادتها خلال أحداث الثورة الجماهيرية، وهي مضمون الحديث نفسه الذي أدلى به مرسي بعد إعلان حزبه فوزه في الانتخابات الرئاسية عندما قال: «كلنا نسعى إلى الاستقرار، وإلى الدولة المدنية المصرية الوطنية الديمقراطية الحديثة».
العبرة ليست بالأقوال بل بالأفعال، والمرحلة السياسية القادمة في تاريخ مصر ستشكل منعطفا مهما في الحياة السياسية المصرية، وفي الوقت نفسه ستكون بمثابة الامتحان الجدي أمام جماعة الإخوان المسلمين ومدى استطاعتهم ترجمة أقوالهم الانتخابية إلى أفعال حقيقية على أرض الواقع، فدغدغة مشاعر البسطاء من المواطنين ليست عملية في غاية التعقيد والصعوبة ـ ونحن نعرف وغيرنا كذلك ـ أن قوى الإسلام السياسي جميعها تبني جماهيريتها على عواطف الناس مستندة في ذلك إلى الخطاب الديني وما له من وقع مؤثر على عقول وقلوب الجماهير في دولنا العربية وغيرها من الدول الإسلامية.
فليس كافيا أن يطلق مرشح جماعة الإخوان المسلمين (الرئيس المحتمل لمصر)، العبارات «الوطنية» الجامعة مثل: «ان أبناء مصر كلهم أهلي وعشيرتي، كلهم لهم مكانة غالية في قلبي، أقف على مسافة واحدة من الجميع، وسأكون خادما لهذا الشعب»، بل الأهم من ذلك كله أن يتحرر من عقلية التسلط والاستفراد التي تشكل القاعدة الفكرية لممارسة قوى الإسلام السياسي، وفوق ذلك أيضا، فإن الرئيس الجديد يستمد توجهاته الفكرية من الحزب الذي ينتمي إليه، وحتى يكون «خادما لهذا الشعب»، فإنه مطالب باعلان قبوله بالمساواة الكاملة في حقوق المواطنة بين جميع المصريين، نساء ورجالا، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية.
فالبرنامج السياسي الذي لاتزال جماعة الإخوان المسلمين متمسكة به يرفض ان يتولى القبطي منصب الرئاسة، والأمر نفسه ينطبق على المرأة، وبالتالي فإن هذا البرنامج ينسف أي قول بالوقوف على مسافة واحدة من جميع المصريين، فالتمييز بين المواطن المصري المسلم والمواطن المصري القبطي، يتجلى بوضوح في محتوى وجوهر برنامج جماعة الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة)، أي حزب الرئيس الجديد، وبالتالي فإن الرئيس أمامه خياران: إما اعلان تخليه عن هذا البرنامج ورفضه، وإما البحث عن مخرج يصحح هذا الموقف التمييزي الذي يتسم به برنامج الجماعة السياسي.
الصورة السياسية التي ستتشكل على الساحة المصرية بعد أول انتخابات ستكون في غاية الدقة والحساسية، ولن تكون مستقرة، ذلك أن القوى السياسية التي هيمنت على هذه الساحة بعد الثورة، لن تكون مستعدة لأن تتخلى عن الأهداف والشعارات التي استطاعت بواسطتها بناء قاعدتها الجماهيرية، مع أن العواطف هي المغذي لقوتها الجماهيرية، أضف إلى ذلك فإن هذه القوى تحمل برنامجا اجتماعيا من شأن التمسك به وفرضه أن يتسببا في إحداث قلاقل مجتمعية وأمنية تفاقم في تردي الأوضاع في مصر.
السؤال الذي سيبقى جوابه رهينة التطورات المستقبلية هو: هل قوى الإسلام السياسي في مصر قادرة على الاندماج في مجتمع التعددية السياسية والفكرية والاجتماعية والدينية من دون انحراف وتسلط؟ في اعتقادي أن المصريين ومن يحب لمصر الاستقرار والهدوء والتطور وبناء الدولة الحديثة القادرة على تأمين الحياة الحرة والكريمة لجميع أبنائها من دون تمييز عرقي أو ديني، يتمنون أن تتمكن قوى الإسلام السياسي من الانسلاخ من حالة التسلط التي ميزت وتميز علاقاتها مع القوى السياسية والمجتمعية الأخرى، وأن تقبل من دون تلكؤ أو مماطلة بأي تطور يترتب عليه تغيير الخريطة السياسية مستقبلا.
فإذا كانت الجماعة الإخوانية وشقيقاتها في مصر أو في غيرها من البلدان تتصدر مسرح الأحداث السياسية وتستحوذ على غالبية أصوات الناخبين عبر العملية الديمقراطية، فإن مثل هذه الحالة ليست أبدية وهي قابلة للتغير مع استمرار العملية السياسية والديمقراطية، فهل تقدر الجماعة الإخوانية على أن تسلم بحكم الصناديق الانتخابية إذا ما رفضتها في المرات القادمة؟ أم ستتحدث عن التزوير والمؤامرة ومن ثم تهييج جماهيرها؟
تستطيع الجماعة أن تصل إلى ذلك بشرط ألا تمارس القمع الفكري والاجتماعي والسياسي تحت حجة «حماية» التعاليم الدينية وعادات وتقاليد المجتمع المصري .