قضايا و آراء
مملكة البحرين ودعم واحتضان الريادة والإبداع
الجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الإسلامية أملا
تاريخ النشر : الخميس ٢١ يونيو ٢٠١٢
في مراجعة تقويمية لمسار مشروع الجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الاسلامية ناقش عدد من المهتمين بالشأن المالي والمصرفي الاسلامي موقع الجامعة من تطورمسيرة المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية والنجاحات التي حققتها عبر نصف قرن والتحديات العديدة التي تواجهها ومتطلبات تطويرها ومستلزمات تعظيم تنافسيتها وتواصل امتدادها الافقي والعمودي باعتبارها اول منتج حضاري عربي اسلامي يقدمه العرب والمسلمون إلى العالم بعد انقطاع عن الابداع والابتكار منذ سقوط بغداد على يد هولاكو عام 1258م حتى العصر الراهن، وقد اجمع الحضورعلى ان التحديات التي تواجه المصرفية الاسلامية تتطلب استحداث مؤسسة اكاديمية متخصصة تعليمية بحثية تتصدى لها باتجاهين الاول تأهيل موارد بشرية متخصصة بالعلوم المالية والمصرفية الاسلامية والثاني البحث والدراسة العلمية المعمقة في اسس وتطورات وبيئة المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية وهندستها المالية وعلاقاتها التشابكية بالاقتصاد الاسلامي والتطورات العلمية والتقنية المالية والمصرفية المعاصرة.
وفي هذا الإطار تم استعراض البرامج التعليمية المالية والمصرفية الاسلامية التي يقدمها بعض الجامعات والمعاهد الاوروبية ولاسيما بعد الازمة المالية العالمية، بغية جذب الدارسين العرب والمسلمين من جانب وتوجيه مدخلات ونتاجات المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية بما يخدم اقتصادات البلدان الاوروبية وضمان تفوقها المالي والمصرفي من جانب آخر، وعلى الرغم مما هو متاح لتلك الجامعات والمعاهد من امكانات وموارد مادية ومالية واكاديمية عالية، فإن ما تقدمه من برامج اكاديمية لا يغوص في جوهر المصرفية الاسلامية النابعة من الاقتصاد الاسلامي ولا يقود إلى النهوض بالمؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية الا بشكل متواضع لان تلك البرامج تنطلق من القاعدة المصرفية التقليدية ولا تمنح المتعلم القدرة على الابداع والاسهام في صناعة ادوات مالية ومصرفية اسلامية خالصة، وانما في افضل الاحوال منحه مقدرة على الاسهام في تكييف الادوات المالية والمصرفية التقليدية لتتماشى مع مبادئ الشريعة الاسلامية، وذلك ان كان مقبولا في المرحلة التأسيسية للمصارف والمؤسسات المالية الاسلامية فانه لن يكون كافيا لمرحلة الانطلاق والسمو الذي ينبغي ان تشهده المصرفية الاسلامية في الحاضر والمستقبل. وعند مقارنة البرامج التي يقدمها مشروع الجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الاسلامية بمملكة البحرين، نلاحظ انها تتجاوز النقص والخلل في برامج التمويل الاسلامي في الجامعات والمعاهد الأوروبية وانها تنبثق من تكامل وتلاحم فعلي بين المتطلبات المهنية للمصارف والمؤسسات المالية الاسلامية والضرورات الاكاديمية فمثلا برنامج ادارة المصارف الاسلامية يؤهل المتعلم لاستيعاب فلسفة المصارف الاسلامية وتطبيق ادواتها الفنية في مجالات الادارة المصرفية والتسويق والاستثمار والائتمان والتخطيط ونظم الاتصال والعلاقات العامة وادارة المخاطر وادارة العمليات المصرفية الدولية وادارة الجودة المصرفية الشاملة وصناعة المنتجات والمشتقات المصرفية والهندسة المالية وادارة عمليات التحول من المصارف التقليدية إلى اسلامية وغيرها ، فيما يؤهل برنامج ادارة المؤسسات المالية الاسلامية المتعلم للعمل في شركات التأمين الاسلامي، الاستثمار والتمويل الاسلامي، السوق المالية الاسلامية، التصنيف الائتماني الاسلامي، مؤسسات تحويل الاموال والصرافة، المؤسسات المساندة للمؤسسات المالية الاسلامية، شركات الخدمات المالية والاستشارية الاسلامية وغيرها. اما برنامج المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية فانه يزود المتعلم بالمعلومات والمهارات المحاسبية التي يتطلبها العمل المالي والمصرفي والاستثماري الاسلامي وفقا للمعايير والضوابط الشرعية والمحاسبية الاسلامية. ويستهدف برنامج العلوم العقارية تخريج موارد بشرية مؤهلة ومتخصصة في الاعمال العقارية (استثمار، تطوير، تسويق، تثمين، ادارة، وساطة) برؤية وقاعدة تمويلية اسلامية، لتغطية الحاجة الماسة إلى هذا التخصص. ويؤهل برنامج نظم المعلومات الادارية الخريج لاستخدام تكنولوجيا ونظم المعلومات وممارستها وتطبيقها في المؤسسات المالية والمصرفية والاستثمارية الاسلامية. اما برنامج الرقابة الشرعية فانه يؤهل الخريج للعمل كرقيب شرعي في المؤسسات المالية والمصرفية والاستثمارية الاسلامية فضلا عن الجمعيات والمؤسسات الخيرية الاسلامية، فيما يؤهل برنامج القانون الخريجين للعمل كمشاورين قانونين في المصارف والمؤسسات المالية والاستثمارية الاسلامية علاوة على الترافع امام المحاكم في قضايا المال والمصارف والتجارة والاستثمار الاسلامي. وتهدف برامج الدراسات العليا التي تطرحها الجامعة بالتعاون مع جامعات عالمية رصينة، إلى منح الخريجين خبرات ومهارات متقدمة في المجالات النظرية والتطبيقية للمصارف والمؤسسات المالية الاسلامية، وتتميز الجامعة باحتوائها على مركز للبحوث والدراسات المالية والمصرفية والحقوقية الاسلامية، يهدف إلى ابتكار منتجات مالية واستثمارية جديدة وتحسين جودة المنتجات القائمة والبحث في التحديات التي تواجه المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية بما يمنحها القدرة على التجدد والنمو ويكسبها المزيد من التنافسية. ومن الناحية الاكاديمية تلتزم الجامعة بتحقيق الأهداف العلمية والتربوية والثقافية للتعليم في مملكة البحرين ووفقا لما عني به القانون رقم (3) لسنة 2005 بشأن التعليم العالي واللوائح التنظيمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم، وتسعى إلى تجاوز الاخفاقات والتحديات التي واجهت بعض مفاصل التعليم العالي الخاص، حيث انها جامعة متخصصة متكاملة في كلياتها وبرامجها، ترتبط بحاجة سوق العمل الوطنية والاقليمية والعالمية لتخصصاتها، وتهتم بالجودة وتسعى للحصول على الاعتمادية لبرامجها التعليمية وجذب الطلبة من مختلف دول العالم. وتتعاون مع تسع جامعات مشهود في رصانتها العلمية، فضلا عن توقيعها اتفاقيات تعاون مع مؤسسات مهنية تخصصية. كما تتميز الجامعة باعتدال اجورها ورسومها الدراسية وانها تقبل نسبة 10% من طلبتها مجانا. وتنسق اعمالها وبرامجها التعليمية مع المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية وتعمل وفق استراتيجية دقيقة لتحقيق تلك الاهداف. وحرصت الهيئة التأسيسية للجامعة على تهيئة ارقى الموارد البشرية الوطنية والعربية والاجنبية للنهوض برسالتها العلمية، وتوفير مستلزماتها المادية والاكاديمية، وبما ينسجم مع سياسات الإصلاح الاقتصادي الذي يعد إصلاح التعليم والتدريب احد أركانها الأساسية وتسترشد بالتوجهات والسياسات والرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين2030 وبالسياسات الرشيدة للحكومة في مجال دعم وتنشيط وجذب المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية، وتتناغم فلسفة الجامعة مع الاطر الفكرية التعليمية التحديثية التي يسعى إلى بلورتها مؤتمر مشروع التعليم الذي ينظمه مجلس التنمية الاقتصادية بشكل سنوي في إطار المبادرات الاستراتيجية التي تتبناها المملكة للارتقاء بالتعليم وتجويد مخرجاته، وصولا لتوفير قاعدة علمية رصينة للمصارف والمؤسسات المالية الاسلامية في البحرين، ومركزا للتطوير والتأصيل الفكري والمهني.
وقد قدمت الهيئة التأسيسية مشروع الجامعة إلى وزارة التربية والتعليم في 17/8/2007 مستمدة العزم من الرؤية الحافزة لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المفدى والتوجيهات السديدة لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس مجلس الوزراء الموقر، والسعي الدؤوب لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ال خليفة ولي العهد الامين، في دعم واحتضان المبادرات الرائدة التي تؤسس لمستقبل ريادي زاهر لمملكتنا الحبيبة ومنذ ذلك التاريخ وهي تتعاون مع الامانة العامة لمجلس التعليم العالي ومع لجان الفحص التي تم تشكيلها للترخيص للجامعات الخاصة وتسارع في توفير طلباتها، والتي أوصت بمنح الجامعة الترخيص منذ عدة سنوات، إلا ان المجلس ظل يؤجل ذلك بسبب او من دون سبب ويطلب المزيد من الضمانات والمستندات المكرر طلبها، ويقدم في كل مدة استمارات ونماذج جديدة، مافتئت الهيئة التأسيسية على توفيرها، بالرغم من التكاليف الباهظة في المال والوقت والجهد، حتى اصدر المجلس قراره غير المتوقع في جلسته السادسة والعشرين المنعقدة بتاريخ 16/مايو /2012 برفض الترخيص للجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الاسلامية، بالرغم من كونه مشروعا علميا رياديا وحاجة ماسة وطنيا واقليميا وعالميا في المرحلة الراهنة، وانه سيسهم في تحويل مملكتنا الحبيبة إلى مركز اكاديمي اقليمي عالمي جاذب للطلبة الراغبين في دراسة المصرفية الاسلامية.
وانطلاقا من إيماننا العميق بأن جلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة المفدى راعي الابداع وداعم التطوير وقائد مسيرة الاصلاح والنهوض والداعي إلى توسيع فرص الاستثمار الخاص التي تخدم حاضر ومستقبل البلاد الذي علمنا «أن النهضة التعليمية للمملكة ينبغي ان تقوم على محور الحفاظ على تراث البحرين الأصيل وتعميق شخصيتها العربية والإسلامية والتطلع إلى صناعة تعليم كفء ومنفتح وقادر على استيعاب متطلبات العصر» وان توجيهاته السامية كانت ولم تزل القاعدة الصلبة التي ارست مكانة البحرين المتميزة في المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية، نقدم إلى جلالته التماسا ومناشدة من رجال أثبتت الايام والظروف الصعبة صدق ولائهم ووفائهم وإخلاصهم للبلاد وقيادتها الرشيدة، بالامر لتوجيه وزارة التربية والتعليم بإعادة النظر بقرار مجلس التعليم العالي ودعم واحتضان مشروع الجامعة وإنصافه وفقا للنظم الاكاديمية للوزارة، وعدم السماح بتأخير أو تضييع فرصة علمية وطنية خالصة لوضع مملكتنا على خريطة المقاصد العلمية المتقدمة لتحقق على ارض الواقع سبقا وريادة اقليمية وعالمية. لجلالته نتطلع ، وبه نحتكم، هو خيارنا ومرجعنا جميعا وقراره ميزان العدل ان تعددت الاراء وتباينت التقديرات، والله يحفظه ويرعاه أملا للشعب بغدٍ زاهر آمن متقدم.
* اكاديمي وخبير اقتصادي.