دراسات
توتر شديد بين طهران وكابول بسبب الاتفاقية مع واشنطون
تاريخ النشر : الخميس ٢١ يونيو ٢٠١٢
منذ انهيار نظام طالبان الذي كانت تكن له العداء الشديد، عادت إيران بقوة إلى الساحة الافغانية مستغلة الحدود المشتركة والروابط الثقافية والموقع الاستراتيجي لكابول مما قد يجعلها بوابة طهران إلى آسيا الوسطى والصين والهند.
وكانت إيران قد التزمت الحياد الايجابي حيال الغزو الامريكي لأفغانستان مبدية موافقتها الضمنية على اسقاط حكومة طالبان. مع ذلك لم تتطور العلاقات الأفغانية الإيرانية سريعا لكن الملاحظ ان الوجود الايراني تضاعف في كابول منذ اعلان موعد الانسحاب الامريكي منها عام 2014، فقد عمدت طهران إلى شق الطرق الواسعة بالقرب من الحدود اللصيقة، وقدمت مساعدات لأفغانستان لإعادة بناء قطاع الطاقة والكهرباء والبنى التحتية، وهو ما اثار مخاوف الامريكيين.
لكن اليوم يبدو ان إيران هي المستاءة بعد الكشف عن المعاهدة الامنية بين واشنطون وكابول، هذه المعاهدة التي سعت إيران إلى إجهاضها من دون جدوى.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
كانت إيران الدولة الوحيدة التي عبرت عن استيائها الشديد إزاء اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين أفغانستان وواشنطون، حتى انها ذهبت إلى ابعد الحدود لمنع ابرام الاتفاقية فهددت بطرد اللاجئين الأفغان من إيران إذا ما أقدمت الأخيرة على توقيع الاتفاقية، وحمل رسالة التهديد السفير الإيراني في كابول أبوالفضل زهرهوند ضمن لقائه رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني. لكن الصدمة الايرانية كانت ان افغانستان لم ترضخ للتهديدات بل قابلتها بأذن صماء.
تهديدات ايرانية
بعد توقيع الاتفاقية، استدعت وزارة الخارجية الأفغانية السفير الإيراني في أفغانستان وطالبته بالتوضيح حول تهديداته الأخيرة، ووصفت أفغانستان تصريحات السفير بغير المسؤولة واعتبرتها تدخلا سافرا في شؤون البلاد.
ولم تكد تمر ساعات على توقيع الاتفاقية حتى أعلنت أفغانستان إلقاءها القبض على أفغانيين بتهمة التجسس لإيران، واعترف المتهمان بالتهمة المنسوبة إليهما، وأكدا تلقيهما التدريبات على يد الحرس الثوري الإيراني ضمن مجموعة تطلق على نفسها فيلق محمد، وأنهما كلفا بجمع معلومات أمنية وتنفيذ عمليات تخريبية في أفغانستان. وقبل أيام ألقي القبض على مراسل وكالة «فارس» الرسمية الإيرانية في كابول بتهمة التجسس لإيران.
الى ذلك، صرح مسؤول كبير في الحكومة الأفغانية بأن دبلوماسيين أفغانا في طهران تعرضوا لترهيب متواصل منذ توقيع المعاهدة مع الولايات المتحدة، مثل مطاردتهم من قبل قوات الأمن الإيرانية في كل مكان، وفرض قيود على تحركاتهم، وكان الرئيسان الأمريكي باراك اوباما والأفغاني حامد كرزاي قد وقعا في 2 مايو المنصرم اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، التي ترسخ نوعية العلاقات بين البلدين، من جملتها التعاونان السياسي والعسكري بعد انسحاب الوحدات القتالية للناتو من افغانستان عام .2014
تأثير مدمر
تعتبر إيران ان وجود معاهدة استراتيجية تبرر حضور واستمرار وجود القوات الاجنبية في أفغانستان، لا يساعد ابدا على توفير الامن في افغانستان والمنطقة بل له تأثير مدمر في العلاقة بين إيران وكابول، كما انه سيفسح المجال امام المجموعات المتطرفة التابعة للقاعدة وطالبان بإبقاء وجودها في افغانستان واستمرار الصراعات والتوتر، فقوات الناتو تعلن ان وجودها في افغانستان هو للحرب ضد الإرهاب، والإرهابيون يعلنون أنهم في افغانستان للحرب ضد المحتلين وهذا افضى إلى انعدام الامن وتصعيد التوتر في افغانستان برأي ايران.
تتشابه أفغانستان مع العراق في المنظور الإيراني في أمور عدة منها الجوار، التمزق الطائفي والعرقي، الخضوع للاحتلال الأمريكي، إمكانية التفكيك والتقسيم بحسب تلقي الدعم من الخارج.
إن الوضع النموذجي لإيران هو حالة التفكك الداخلي في افغانستان مع بقاء الإطار الخارجي الهش للدولة، وهي وضعية تتيح لإيران النفوذ على مراكز القوى والأطراف المتصارعة في أفغانستان، مع صلاحية مطلقة للدخول والخروج، لذلك هي ترفض أي اتفاقية امنية تربط كابول بواشنطون وتتيح للأفغان تقوية موقعهم وقواتهم الأمنية والعسكرية والأهم أجهزتهم الاستخبارية.
وقد واظبت إيران على تقديم الدعم لأفغانستان على الدوام، وخطة المساعدة التي تقدمها إيران لأفغانستان بموافقة الأمم المتحدة وقوات التحالف تمثل أكبر وأكثر الخطط تنظيما، وتتركز في منطقة غرب أفغانستان، وبشكل يجعلها امتدادا طبيعيا لإيران، سواء ما يتعلق باللغة والمذهب والبنية الاقتصادية والمجتمعية والثقافية، فضلا عن الفكر السياسي، والتشكيل الأمني والعسكري نظرا لقربها من ايران، وتقوم طهران ببناء البنية التحتية من خلال مشروعات المياه والكهرباء وخدمات المناطق الصناعية في هرات وما حولها، ومد الطرق، ومنها طريق الغرب وطوله 122 كلم، حتى مشروع مد خط السكك الحديدية الذى يربط إيران بأفغانستان رغم ارتفاع الكلفة. وتقدم إيران مساعدات كثيرة لأفغانستان منها 250 مليون دولار لا ترد، و250 مليون دولار أخرى في شكل تسهيلات على مدى خمس سنوات، بل إن المساعدات غير الحكومية من المؤسسات الأهلية والأفاد بلغت الملايين ايضا، عدا المساعدات العينية، فضلا عن سعي إيران إلى مد خط أنابيب توصيل الغاز إلى تركمانستان عن طريق أفغانستان لتسويقه عالميا، وهو مشروع مفيد لأفغانستان رغم مشروع خط النفط: الهند ـ إيران.
مصالح ايرانية
كل هذا الإنفاق يدخل ضمن خطة استراتيجية بعيدة المدى لاستعادة أفغانستان أو أجزاء منها، ويؤيد ذلك التعاون الكبير بين التجار الإيرانيين والأفغان، والأسواق الحرة على الحدود، وحرية تنقل التجار بين البلدين، والتسهيلات النقدية والمصرفية. كما ان إيران تتعامل مع كل التنظيمات الموجودة في أفغانستان الرسمية والشعبية والمحظورة أيضا، تتعامل مع طالبان رغم موقفها السياسي من هذه المنظمة وتجعلها سوقا ومحلا للتجارب على أسلحتها الصغيرة، وتتعامل مع القاعدة رغم نفيها أي صلة بينهما، لكن أسلوب التعامل يختلف من منظمة لأخرى باختلاف الهدف من هذا التعامل، فهذا التعامل ليس مفتوحا، وإنما في شكل صفقات بين الحين والآخر، علما ان تعامل إيران مع التنظيمات الأفغانية يحقق لها أوراقا يمكنها استخدامها عند الحاجة داخل أفغانستان وخارجها، ويحقق لوجودها في أفغانستان نوعا من التوازنين الأمني والاقتصادي، ويضمن لها عدم وجود جار قوي يصعب اختراقه أو يؤثر سلبا في الأمن القومي الإيراني، فضلا عن إشعار كل الأفغان بأن إيران مازالت الدولة الأم لهم باختلاف توجهاتهم ومذاهبهم، وتستفيد في ذلك من التناقض في المشاعر الموجود بين بشتون أفغانستان وبشتون باكستان رغم أنهم الأقرب عرقيا.
المهاجرون الأفغان
اما فيما يتعلق بالمهاجرين الافغان الكثر في إيران فهم مشكلة لا تريد إيران حلها، هي تشكو منها للأمم المتحدة للحصول على المعونات، ولكنها بالنسبة إلى إيران ورقة رابحة، ففضلا عن أن هؤلاء المهاجرين يمثلون جسرا للتواصل بين البلد الفرع والبلد الأم، فإيران تستفيد من هذه الورقة سواء للضغط على الحكومة الأفغانية، أو دول التحالف الغربي، أو للاستفادة الاقتصادية المتمثلة في الحصول على عمالة رخيصة لمهن عدة، وسوق لسلع فائضة عن الاحتياجات الإيرانية، وحقل تجارب لمنتجاتها الجديدة، أو للاستفادة الأمنية باتخاذ عيون ومصادر للمعلومات، أو بتجنيد الأفراد تجنيدا مخابراتيا، أو بتجربة السياسات والأساليب الأمنية وتدريب قوات الأمن، في مواجهة الفتن الطائفية والعرقية، والحصول مجانا على كميات كبيرة من المخدرات بأنواعها للاستفادة منها في مجال سياسة إغراق بعض الدول العربية بها، ومن خلال الاستفادة الأمثل تكون إيران إحدى الدول المتميزة في مكافحة تهريب وزراعة المخدرات مع وجود المشاكل المتعلقة بهذه التجارة.
اخيرا لا شك أن الوجود الإيراني في أفغانستان يمثل ورقة رابحة في يد إيران، من خلال عملية تنظيم الشرق الأوسط الجيد، يمكن أن تساعد على أن تحقق لها دورا إقليميا متميزا، يفوق الدور الذي يمكن أن تلعبه أي دولة عربية أو حتى تركيا، ومن ثم يعطيها فرصة للمساومة في أغلب القضايا المعلقة بينها وبين الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.