أفق
تطور مشترك للديمقراطية في المنطقة
تاريخ النشر : الجمعة ٢٢ يونيو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
إن تطور الديمقراطية الواعد مشترك بين شعوب الجزيرة العربية والعراق وإيران، فلقد تشكلتْ رأسماليات الدولِ بأشكال متسارعة، وغدتْ هي المهيمنة على الثروات النفطية والاقتصادية الهائلة عامة، ومع ذلك تعاني شعوبُ هذه المنطقة المترابطة مظاهر الفقر والعوز وتفكك هياكل بعض الدول وغياب المساواة بين الأقاليم والقوميات والمواطنين.
لا شك أن المذاهب الإسلامية المتشابكة مع أيديولوجيات الدول السياسية لم تكن هي سبب الصراعات السياسية الحادة الراهنة، رغم أن العديدين من السياسيين وأفراد الجمهور يظنون ذلك.
لنقل إن سياسات الدول هي الأساس في هذا الموقف الخطر، بدءًا من النظام العراقي السابق الشمولي الحاد، الذي فجّر تناقضات قومية ومذهبية كثيرة وتركنا حتى الآن نعاني آثارها، ولكن بعضَ الحكومات الإيرانية الأخيرة سارت على طريقة رأسمالية الدولة الشمولية العسكرية مثل النظام العراقي السابق، دون أن تراجع هذه السياسة التي أدت إلى غزو العراق وتمزيق شعبه وتفتيت المنطقة.
دول الخليج العربية الأخرى لم تنزلق لرأسمالية الدولة العسكرية الشمولية الحادة هذه، احتفظت لقوى التجار والسكان ببعضِ الهوامش الاقتصادية والسياسية، لكن سياساتها لم تصل للنموذج الديمقراطي التحديثي المطلوب.
إن سياسةَ الحكومات الإيرانية الأخيرة تدفعها لمشكلات كبيرة، وتعرض تطورَها الوطني للخطر، مثلما تعرض المنطقة للتوغل الغربي الواسع مجدداً، وللهيمنة، عبر استغلال الصراعات بين الجانبين العربي والإيراني، بين السنة والشيعة، في الشكل المذهبي المؤَدلج للصراع وهو في حقيقته ليس صراعاً مذهبياً ولا قومياً.
الحلول على الجانبين هي في التحجيم المستمر لأجهزة الدول على الرساميل العامة، وعدم قيامها بدور المستثمر الكلي، وإتاحة الفرص الكبرى للرساميل الخاصة في تطوير هذه الأنظمة نحو الليبرالية والديمقراطية بشكل متدرجٍ متبادل.
مثلما أنه يجب أن يجد السكان في البرلمانات أصواتهم وأدوارهم السياسية والاقتصادية التي اختصرتها الحكومات في المنطقة.
السير في النموذج الديمقراطي على الطريقة الغربية صعب، ويحتاج إلى تمهيد طويل.
أهملا أسس التمهيد هي وجود علاقات حسن الجوار بين هذه الدول، وإزالة التوترات والتدخلات وإقامة المشروعات الكبيرة المشتركة وإيجاد قواعد للمصالح القوية المتبادلة بين الشعوب والمؤسسات الخاصة والعامة.
التعايشُ السلمي بين أنظمة متعددة هي الطريقة المثلى التي اتبعتها كل البشرية لفك الحرب الباردة أو على الأقل عدم تحولها لحرب ساخنة.
إن التوترات المستمرة بين المسئولين ستنخفضُ حالما تعبرُ البرلمانات عن الطبقات الوسطى والعمال والمزارعين والمثقفين الذين لا مصالح لهم في النزاعات، بل مصالحهم هي في تطور أسواقهم وأجورهم ومزارعهم وعيشهم وعلاقاتهم الاقتصادية الاجتماعية والدينية المشتركة.
كذلك فإن التوترات الوطنية والنزاعات القومية في كل بلد سوف تتجه للحلول، حالما تغدو الجماعاتُ السياسية والاجتماعية مركزة على مشكلاتها الداخلية وكيفية حلها لا على تصديرها وتجاهلها.
إن التعاون بين الأمم العربية والفارسية والكردية والتركية وغيرها هو أساس استقرار المنطقة وتطورها، وهو أمر يتطلب من القوى السياسية التركيز عليه بحيث يتحول لتعاون ملموس متنام، وتُرفض كل شعارات وأفكار العداء وأفكار اليأس من أن تتوطد علاقات حسن الجوار والصداقة بين هذه الشعوب، وأن يظهر سياسيون محنكون لا ييأسون من الجدران الصلبة العالية للتعصب ويخترقونها ويفتحون ثغرات سياسية واقتصادية في كل جانب ممكن.
كذلك فإنه حين يتحول هذا التعاون لمؤسسات وروابط وعلاقات فإنه سوف يُراقبُ كل العروض الأجنبية المتدخلة ويقيّمها في ضوء مصالح الأمم الإسلامية في المنطقة، ومدى مساهمات هذه العروض في التطور الاقتصادي للشعوب.
إن مسائل التطور الديمقراطي والعدالة الاجتماعية أي توزيع الخيرات الكبيرة النفطية على أهل هذه المنطقة أولاً، سيعزز الروابط التوحيدية الداخلية في كل بلد.
إن المسئولين والقوى السياسية يتطلب الأمر منها خاصة عدم الانجراف وراء الاستفزازات، والاحتفاظ بجسور كبيرة بدلاً من الشعرة التاريخية الصغيرة، فهذه الاستفزازات يمكن تحويلها وعدم التركيز عليها وهي نتاج قوى ضيقة الأفق الاجتماعي السياسية محاصرة في هوامش محدودة، فتتعصب وتصرخ للخروج من قواقعها وهي لن تخرج من هذه القواقع دون احترام شعبها وشعوب المنطقة والجيرة الإسلامية الطويلة.