الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة:

الأمة العربية تتعرض لحرب الفوضى الخلاقة بدعم دعاة الغلو والتطرف

تاريخ النشر : السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٢



قال الشيخ الجودر في خطبة الجمعة بجامع الخير بقلالي:
من الأمور المسلّم بها، والحقائق الواضحة البينة، لذوي العقول والبصائر، أنه بقدر تمسك المجتمعات بالقيم الإنسانية، والمبادئ الحضارية، والثوابت الأخلاقية، بقدر ما تحقق من تقدم ونماء ورخاء، ولئن ظهرت في عالم اليوم مظاهر الانحراف الفكري التي تهدد الأمن والاستقرار العالمي، فإن ذلك بسبب التفريط في تلك القيم والمبادئ والثوابت. ولمن وقف يطيل النظر والتأمل والتفكر في الشريعة التي أنزلها الله على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يجد أن السمة البارزة والميزة الظاهرة لتبوء هذه الأمة المكانة المرموقة هي الوسطية والاعتدال التي يرى من خلالها سماحة الإسلام ورعايته للقيم الإنسانية والمبادئ الحضارية، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) [البقرة:143].
ومع اشتداد العنف والتخريب والتدمير والإرهاب التي يستهدف تغير هوية أبناء هذه المنطقة حري بكل مسلم أن يقف عند الوسطية والاعتدال على ضوء المصادر الشرعية، فما تتعرض له أمة الإسلام اليوم ليست حرباً تقليدية بالدبابات والطائرات والصواريخ لاحتلال الأراضي ونهبت خيراتها، ولكنها حرب تستهدف عقيدة المسلم وفكره وهويته، فالحملة التي تتعرض لها الأمة قائمة على التحريض والتأجيج من الداخل، وهي ما تعرف بالفوضى الخلاقة، وأسهم في ذلك بعض القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ومما زاد الأمر بلاءً هم دعاة الغلو والتشدد والتطرف.
الوسطية والاعتدال هو منهج سلف الأمة من الصحابة وآل البيت والتابعين لهم بإحسان، يقول الإمام الشاطبي (ر): (إن الشريعة جارية في التكليف لمقتضاها على الطريق الوسط العدل الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، فإذا نظرت إلى كلية شرعية فتأملها تجدها حاملةً على التوسط والاعتدال، ورأيت التوسط فيها لائحًا، ومسلك الاعتدال واضحاً).
وسطية الإسلام نجدها في كل شيء، فأمة الإسلام وسطية بين الملل، فلا إلحاد ولا وثنية، بل عبودية خالصة لله في ربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته، وفي باب الأتباع وسطية واعتدال، فلا غلو يصل إلى درجة اتخاذ البعض أرباباً من دون الله، ولا جفاءً وهجراناً، فأهل الإسلام وسط بين سائر الأمم، يؤمنون بجميع الأنبياء والرسل، ويحبون أولياء الله، ويترضون عن جميع الصحابة وآل البيت، فلا ينتقصون من مكانتهم، ولا يتطاولون على تاريخهم وعطائهم، فأولئك السابقون السابقون.
وفي شئون الحياة وسطية تراعي متطلبات الجسد والروح، فلا غلو في العبادة، ولا تفريط من أجل شهوة، بل تناسق واعتدال، اتباعاً لقوله تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) [القصص:77]، وقد نبه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حرم على نفسه طيبات الدنيا قائلاً: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) حديث متفق عليه. وجاء المنهج النبوي واضحاً: (إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، فاعط كل ذي حق حقه) أخرجه أحمد ومسلم.
وفي النظام السياسي نجد أن الإسلام وسطي في تحديد العلاقة، مبيناً حقوق ولاة الأمر ومن ولاهم الله أمرهم، وسطية الإسلام شاملة أمور الدين والدنيا والآخرة، صالحة لكل زمان ومكان، وسطية مرتبطة بالشهادة، إلا ما أحوج الأمة اليوم للعودة إلى منهج الوسطية.
اعرفوا الحق تعرفوا أهله، فالرجال يعرفون بالحق، والأمة تودع الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية، فحري أن نقف عند هذا الأمير وأعماله وعطائه لأمن واستقرار المنطقة، فإن من أبرز مآثر الأمير نايف أنه أسهم وبشكل كبير في تعزيز الأمن والاستقرار ليس بالشقيقة السعودية فحسب، ولكن بالمنطقة بأسرها، وخاصة حينما ظهر الفكر التكفيري، فقد تصدى الأمير نايف للجماعات الإرهابية التي تخفت بدثار الدين وبالفتاوى التدميرية، ولكن بفضل الله ثم بجهود الأمير نايف تم وأد الفتنة والمحنة في مهدها، لذا اعرفوا الحق تعرفوا أهله، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا(فإنا لله وإنا إليه راجعون).
المؤسف له أن نجد من يفرح ويبتهج لموت مسلم، وهي طامة كبرى، وسابقة خطيرة، الأمر الآخر فقد ابتليت الأمة بدعاة الفتنة حينما خرجوا لاستهداف الأمن والاستقرار في المنطقة، فتعرضوا للآمنين في بيوتهم وشوارعهم، ولرجال حفظ الأمن في مناطق مسئولياتهم، فما يقوم به رجال حفظ الأمن من مواجهة الأخطار والدفاع عن البلاد والتصدي للأشرار لأمر يوجب الشكر والثناء والدعاء، فكونوا –عباد الله- جنوداً لأوطانكم، وقفوا مع رجال حفظ الأمن وتعاونوا معهم للتصدي لدعاة الإرهاب والإجرام، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة:2]، وبقول رسول الله (ص): (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تآمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).