مقالات
حمد بن علي الرميحي في ذمة الله مع الطيبين والطاهرين سريرة وعلانية
تاريخ النشر : السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٢
الكتابة في رثاء الطيبين الأعزاء جداً على القلب هي أصعب ما يحاوله القلم..
ولكن الكتابة في رثاء المرحوم حمد الرميحي (بوعلي)، هي أصعب ما قد يمر على القلب.. لأن حمد، الزميل الغالي والصديق الحبيب، كان قلباً يسير على الأرض.. كان أنقى من غيمة مملوءة نبلاً وأخلاقاً رفيعة، وكان أطهر من قطرة ندى حملتها يدٌ ملائكية من عين تسنيم لتزرعها على أنقى صفحة في أنقى كتاب أرضي، وكان كتلة من كياسة مملوءة شموخاً أصيلاً من شموخ أهل البحرين الأنقياء.. هذا هو حمد بن علي الرميحي في عيون وقلوب الذين عرفوه، وهذا هو للذين لم يعرفوه، ولكنهم بالتأكيد سيفتقدونه، لأن غياب أمثال حمد الرميحي، وهم قليلون، يعني فقدان البحرين لنخلة تنبت محبة، وتمنح الناس ظلاً من محبة، وتبشر بينهم بالمحبة حلاً لكل المشكلات، والمحبة طريقاً لكل القلوب والعقول، والمحبة شعاراً وطنياً لا يقدر على حمله إلا الأنقياء فطرة والأتقياء ديناً والنبلاء قلباً والطاهرين سريرة وعلانية.
وفي رثاء الرجال.. عادة ما نكتب عن مناصبهم التي شغلوها، ومراكزهم التي وصلوا إليها.. ولكن في حالة الصديق الحبيب والأخ العديل للروح حمد بن علي الرميحي، لا نحتاج إلى كل ذلك. لأن الرجل كما عرفه الجميع كان أكبر من المناصب، وأكثر نبلاً من أن نحبس حيثيته الإنسانية الشفيفة في مركز أو وظيفة.. كان رجلاً تليق مؤهلاته وثقافته وخبراته بأعلى وأرفع المناصب الوظيفية، وقد تحقق له نصيب منها بالفعل، ولكن وظيفة حمد الرميحي التي اختارتها له سجاياه، أن يكون بلسماً يداوي جراح كل الأصدقاء والزملاء والمعارف، وعقلاً راجحاً يفك أغلال المعضلات، وروحاً عذبة تحمل معها البشرى حيثما حلت وأينما وجدت.. وكان مع ذلك وعاءً بشرياً مملوءاً نخوة لا تليق إلا بالرجال الرجال، وإقداماً لا يقدر عليه إلا الأبطال بقلوبهم ونفوسهم العلية.
والواقع أن فقدان حمد الرميحي لم يكن يوم أمس فحسب، بل كان منذ نحو شهرين عصيبين عانى خلالها المرض والغيبوبة، وعانا أهله في كل لحظاتها ودقائقها من غياب الأب الحاني والزوج المعطاء وركن البيت وشمعته وقلبه النابض بالحنان والمحبة والرأي السديد. أما نحن ـ أصدقاؤه ومحبوه ـ على كثرة عددنا، فقد كان غيابه عنا يعني نوعاً من الوحدة القاتلة لم نكن جربناه من قبل.. كنا في فترة مرضه نجتمع أحياناً بعدد يزيد على 20 صديق وزميل ورفيق، ولكننا مع ذلك كنا نشعر في شغاف أرواحنا بحالة لا مثيل لها من الوحدة، إذ لم يكن حمد موجوداً بيننا بجسده وعقله وروحه الذواقة للكلمة الطيبة والعبارة النبيلة والضحكة الصافية والنصيحة الصادرة من وجدان مستنير وتجربة ثـرّة وخبرات أصيلة عاشها حمد الرميحي وفق قانون أصيل ونبيل: أن يكون إيجابياً دائماً.. لأهله، وأصدقائه، ووطنه، وفي كل شئونه وشجونه.كنت أقرأ معه ذات يوم حزين رثاء كتبته في صديق مشترك فقدناه، فسرح بأفكاره لحظات طويلة جداً رغم قصرها، ثم فاجأني بالسؤال غير المنتظر: ترى ماذا ستكتب في رثائي..؟ قلت: الأعمار بيد الله أولاً، وربما أنت الذي ستكتب رثائي.. ولكن بما أنك سألت فسوف أقول لك أنني سأكتب رثاءك على عجالة، ولن أطيق صبراً ليوم ثان، لأنني لو فعلت، فسوف يكون ذلك خذلاناً لصديق حبيب ورفيق نبيل، على طول معرفتي به التي تمتد لسنوات وسنوات، فقد كان تأثيره وحضوره وكياسة روحه تمتد إلى أعماق اللحظات في هذا العمر.
رحم الله حمد الرميحي.. وألهم زوجته وابنه وبناته الصبر والسلوان، وقلوبنا ـ نحن أصدقاء حمد وزملاؤه ـ معهم في مصاب جلل فقدوا فيه ركن بيتهم وشمعة حياتهم ومصدر إلهامهم وتشكيل شخصياتهم على مقياس جد دقيق ورفيع من النبل والكياسة وعلوّ الهمة..
ورحم الله حمد الرميحي صديقاً عز نظيره، وأنموذجا جميلاً للأصالة البحرينية العذبة، والرجولة البحرينية المترفعة على الصغائر، والوطنية البحرينية التي لا تجد شعاراً للمواطنة والوطنية أرفع وأسمى من المحبة.
ويا حمد الحبيب.. أما أنت، فإلى نعيم عميم إن شاء الله، وإلى رب كريم رحيم لا تضيع ودائعه، ولا تضيق رحمته عن الرحماء المحسنين الطبيبين من أمثالك.. وأما نحن فإلى حزن مقيم عليك، وذاكرة لن تنساك، ودعاء لك بالسر والعلن وفي كل حين بأن يرحم الله روحك، ويشملك بمغفرته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.