الثقافي
أين يكمنُ السؤالُ في رواية (الرجل السؤال) لفتحية ناصر؟ (2-2)
تاريخ النشر : السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٢
وفي إطار غضبها تجاه القوانين الاجتماعية والأعراف التي أعطت الرجل حق التميز في المجتمع لا تعلم أنها هي وجنس النساء من أسهم في تبوء الرجل هذا الحق، وقد أكدته رجاء في أكثر من مكان من الرواية، حيث تقول: "لكنها اكتشفت بعدما أحبت أن علم المرأة لا ينفعها حين تقع في غرام رجل، وذكاؤها أيضًا لا يخدمها، بل إنه يتبرأ منها أصلا وإلا فلن تكون بالفعل مغرمة، ص51". أليس هذا جانب ضعف من المرأة هي صنعته لها لتقوي عزيمة الرجل؟ ولماذا نلوم الرجل وحده والمرأة هي المساعدة له على التمركز في موقعه من جهة، وتهميشها من جهة أخرى؟
كما أهملت الشخصية الرئيسة كل قوانين الأسرة والعائلة وذهبت تمارس مغامرات عاطفية، وسلوكات جنسية سطحية مع الرجال، وبنت علاقات صداقة مع علي التي جعلت من علاقتهما صداقة من دون حب كما تدعي في إطار نسيج هذه العلاقة معلنة أن الجنس ليس كل شيء في العلاقات "الجنسوية"، وأقدمت على كره الرجال بدءًا من الأب وانتهاءً بزوجها الذي لم تقدم له الحب، والنساء اللاتي يختلفن معها في الرأي تجاه الواقع والمجتمع والدين والرجل بدءًا من أمها وانتهاء بالمرأة التي أحبها صديقها علي وتزوجها، وأقدمت على نسف الأواصر الأسرية والعيش لتخرج ساكنة في شقة خاصة بها، معتقدة أن كل هذا يعطيها الحرية والحركة وعدم المحاسبة والمراقبة والمسئولية من قبل الأهل، لذلك كانت تسافر أينما ومتى مع صديقها علي نفسه.
ولكن المتناقضات عند رجاء أن ما آمنت به ومارسته تجاه كل شيء في المجتمع ترفضه رفضًا قاطعًا أن يمارسه ولدها أو بنتاها، إذ كانت دائمة الإصرار على ألا يقبلها زوجها أمام أطفالها، "لقد طلبت منه مرارًا ألا يقبلها أمام الأطفال، ولكنه لا يتوب ص57"، أو فكرتها التي تتمحور في أنها "لا تستطيع أن تحتمل فكرة أن يكون لابنتيها زملاء من الجنس الثاني يتعاملون معهما بلا كلفة، أو يتصلون ليسألوهما عن واجب، والعكس صحيح بالنسبة أيضًا لوائل ص57"، ولكنها لم تفكر في طبيعة عملها الذي ينظر له الرجل والمرأة معًا في المجتمع المحافظ بنوع من الاستغراب وعدم الرضا، فهي تقوم بالغناء ليلا، وقد يصل إلى الساعات الأولى من ساعات الفجر، وتؤكد رجاء أن علاقتها الزوجية مجرد علاقة إنجاب وأسرة، لا غير لأنها ترفض الانصياع إلى قرارات الرجل داخل المنزل وخارجه، فهي "تحتاج رجلاً يحبها أكثر من نفسه، ولا يمنعها بزواجه منها من الغناء، أو أي مشروع آخر تسعى إليه وتفكر به، ولا يطلب منها المساهمة بدخلها في مصروف المنزل، ولا يفرض عليها ما تلبس وما لا تلبس من أزياء ص58"، وعلى هذا الأساس فهي تريد أن تكون سيدة العلاقة الزوجية وصاحبة القرار في كل شيء.
وحين ترى الحياة الزوجية بهذا المعنى وهذا التطلع فهي تعود إلى حالة المرأة أمام الرجل الشرقي في جزء من رؤيتها، ومحاولة لأخذ البساط من الرجل الذي تربع على عرش السيطرة الأسرية ردحًا من الزمن، فالرجل الشرقي عادة وبحسب المخزون الثقافي والاجتماعي يرى في نفسه هو سيد البيت والعائلة وهو المعيل الأول فيها، فلا يقبل من المرأة المساهمة، وهذا يحقق ما تريده ولكن ليس برغبة الرجل وإنما برغبتها هي، وفي الوقت نفسه ترى أن الفتاة محكومة في لبسها وتغنجها وإظهارها بمظهر ما يعود إلى طبيعة العمل والمهنة التي تمتهنها، فهي لو لم تكن مغنية لما ظهرت في ملابس جميلة ومساحيق رائعة، وإذا وافقنا جدلاً أن الوظيفة لها علاقة بطبيعة اللباس، فإننا نرى أيضًا ليس الغناء وحده الذي يعطي المرأة هذه الميزة، لأن هناك الكثير من النساء اللاتي لا يعملن البتة وهن من الأنيقات والمهتمات بما هو جديد في عالم الأزياء والموضة، لذا فثقافة المرأة اجتماعيٌّا وسلوكيٌّا وحضاريٌّا وتعليميٌّا وغيرها مداخل لجعل المرأة بهذا الشكل أو بغيره.
وحين تعود رجاء بالذاكرة تتذكر ما كانت تقوله هاشمية بخصوص العلاقة بين الجنسين، التي تؤكده "با الصداقة بين الرجل والمرأة ليست إلا مدخلاً وبداية للحب، وقد تبقى صداقة لأشهر، وقد تبقى لسنوات بحسب شخصية كلا الطرفين، لكنها في النهاية لابد أن تصبح حبا ص65"، مما جعلها تعيد النظر في علاقتها بعلي الذي تعهدا في بداية الأمر بالعلاقة من دون حب، لكن تواصلهما وسفرهما ومحاولات علي لكشف بواطن الحب عند رجاء التي أخبرها علي برغبة زواجه من امرأة، لذلك بدأت تشعر بالغيرة التي تنقر فؤادها، والإهانة التي أعلنها علي حينما أخبرها، وبالدونية لأنها رضيت أن تنام معه وتمارس معه الجنس بسطحية، وفي الوقت نفسه كان شعورها يتمحور في عدم التزامها بالعهد الذي اتخذته مع علي بوصفها صديقة، "وشعرت بأن العلاقة يجب أن تأخذ منحى آخر، تصبح حبا أو تنتهي في الحال ص67".
ويبقى السؤال الذي نطرحه تجاه الفصل الثالث الذي صاغته الكاتبة بــ "لماذا هو؟ في الوقت الذي يدور الحديث في الفصل عن الغيرة التي عصفت برجاء حينما عرفت برغبته في الزواج من امرأة أخرى، ونرى لو أتى العنوان بــ: لماذا؟ من دون هو، أي لماذا حدث الشجار بين رجاء وهاشمية ذلك الحوار الذي لا ينبغي أن يخرج من كونه إبراز شخصية مراهقين؟ ولماذا فكرت في قول هاشمية؟ ولماذا يريد علي جسد الفتاة وطلب إلى رجاء تسهيل الأمر؟ لماذا لم يتفقا على الحب بدلا من الصداقة؟ لماذا بدأت الغيرة تدب في رجاء؟".
ويأتي الفصل الرابع بتوتر العلاقة بين علي ورجاء التي شابها التردد والإكثار من الصمت من قبل رجاء حينما يكونان معًا، لذا كان سؤال الفصل بعنوان (كيف؟)، وهكذا تتطور الأحداث من خلال ذكريات العلاقة بينهما ليخبرها بأمرين، الأول تمثل في ترقيته إلى منصب أعلى، وكيل وزارة، والأمر الثاني تمثل في رغبته الزواج، ففي الوقت الذي أفرحها الأمر الأول لإيمانها بقدراته وإمكاناته المهنية والوظيفية، ولأنها متوقعة أن يصل إلى منصب وزير، أما الأمر الآخر فهو لم يكن سعيدًا بالنسبة لها كما هو سعيد بالنسبة له، لذا كان غضبها وغيرتها مكبوتين في قلبها ولم تصرح بهما مبدية تجاهه الفرح والسعادة، وجعلها متحسرة لأنها لم تقو على مصارحته بالحب على الرغم من أنه هيأ لها الظروف والمكان والزمان لتقول له ما تريد لاعتقاده أن المرأة هي التي تبادر وليس الرجل.
وقد جاءت هذه الهيئة من خلال موقفين لهما، الأول في باريس حينما طلب إليها النوم معه، والثاني في البحرين مع موافقته على شروطها وتحذيراتها، وحين لم يجد منها الإعلان والتصريح بحسب ما يعتقد اتجه إلى امرأة أخرى، والشواهد على هذا أنه يحبها ويريد منها تصريحًا بإعلان حبها له: إعلامها بأن هناك فتاة يريدها، وطلب إليها التخطيط للوصول إليها، وحينما سألها عن الحب قائلاً لها: "لو أنت أحببت رجلاً فهل ستعترفين له قبل أن يفعل؟.. لم لا؟.. سأرى إن كنت ستفعلين ص82". وغيرها من الإيحاءات التي يرسم شيئًا لها وله.
وتنهي الكاتبة روايتها بالفصل الأخير المعنون بسؤال: "حتى متى سأبقى أحبه؟" لتدخل في حديث عن الاغتصاب وفض غشاء البكارة والعذرية، ثم الحديث عن علاقتها بنادر الذي طلب يدها وأغدق عليها من الحب الشيء الكثير لكنها هي لم تستطع أن تقدم له نصف ما يقدمه لأن نصف الحب الذي ينبغي أن يوجد قد ضاع مع علي، والنصف الآخر تقدمه لأولادها، لذلك ظل نادر خالي الوفاق ليتحول لمجرد زوج من أجل الإنجاب، ويصل الأمر إلى علاقة أخوية أكثر منها علاقة زوجية أو عاطفية. ونتيجة لهمومها واضطرابها وعدم قدرتها على الاستقرار النفسي فقد وصلت إلى قناعة أفاقت من خلالها لتقول: "كل ذلك زيف وخداع، والحقيقة أنه لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة ص102"، وهذه الخاتمة التي ختمت بها الكاتبة الرواية تعطينا مؤشرًا بأن الكاتبة تطرح الإشكال في العلاقة بين الرجل والمرأة مرة من خلال رجاء الشخصية الرئيسة، ومرة أخرى عن طريق الكاتبة نف