الجريدة اليومية الأولى في البحرين


راصد


تسهيل الإجراءات والمعاملات

تاريخ النشر : الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٢

جمال زويد



تفاعل عدد من القراء الكرام مع ما نشرته يوم الخميس الماضي في عمودي المتواضع حول أثر الخدمات الإلكترونية في الجهات الحكومية ومدى انعكاسها على تيسير الإجراءات وتبسيط المراجعات حيث شاركوني الرأي في ضرورة البحث عن سبل وأساليب تتغلب فعلياً على البيروقراطية وتتخلّص من المعاناة و(المرمطة) الحالية، وبالتالي يمكن الاستناد أو القول إن هنالك خدمات إلكترونية اختصرت الإجراءات ويسّرت على الناس إنهاء معاملاتهم دونما حاجة الى حالة الازدحام الراهنة، وخاصة في الوزارات والجهات الخدمية، طوابير وأرقام، ومواقف سيارات مزدحمة، ومناضد ومكاتب تغصّ بالأشخاص و... إلى آخره مما يمكن أن تكتشف أن جزءاً كبيراً من المراجعين إنما هم زبائن شبه يوميين يتابعون ويستعطفون وينتظرون بطاقة أو ترخيص أو رسالة أو إفادة أو ما شابه ذلك مما لا يعرفون موعداً للانتهاء منها، إذ لا يوجد وقت ومواعيد محددة للإنجاز! ويستتبع ذلك أن ترى أغلب الشوارع المؤدية الى وزارات ومؤسسات الخدمات مزدحمة طوال النهار، كلها وقت ذروة، لا فرق بين بداية الدوام ونهايته. وبالطبع مواقف السيارات أمام هذه الجهات مأساة أخرى تفوق الوصف، تتضاعف مرات أخرى عند ربطها بلهيب درجات حرارة الصيف.
ذكرت فيما سبق، قبل بضع سنوات، حادثة - لا بأس من إعادتها - أخبرني بها أحد الطلبة الدارسين في إحدى الدول الغربية بأن بعض الإجراءات التي تصادف قيامهم بها عن طريق الاتصال بالجهات الرسمية هناك، عادة ما تكون عند مقارنتها بما يجري عندنا بمثابة غرائب أو عجائب الدنيا! دقة مواعيد، احترام والتزام، جودة وإتقان، تعامل وأخلاق، وأشياء أخرى كثيرة تجعلنا منبهرين و(متسمّرين) نتأسف ونندب حظنا العاثر، ونتمنى مثلها أو شيئاً منها.
يقول هذا الطالب إنه احتاج هناك في إحدى المّرات الى الاستئذان أو طلب رخصة لعمل شيء ما، ذهب إلى جهة رسمية في منطقته، ملأ استمارة معينة، أخبروه بأنه كان يمكنه الحصول عليها عبر (النت) من دون مراجعتهم ثم أخبروه بأن الرد سيأتيه من خلال بريده الإلكتروني حتى لا يتحمّل عناء الرجوع إليهم وحدّدوا له مدة ثلاثة أيام لاستلام الرد (إلكترونياً). يقول الطالب في ثالث يوم اتصل به مندوب من هذه الجهة وأبدى اعتذاره الشديد لأنه توجد في استمارة الطلب معلومة لم يتمكنوا من فهمها بدقة بسبب الفرق بيني وبينهم في استخدامات ألفاظ لغتهم، وانهم يعتذرون لأنه كان المفترض أن يتأكدوا ويسألوا عنها عندما قمت بملء الاستمارة في البداية عندهم، ووعدني بعد أن أوضحت له المعنى بأنهم سيبذلون قصارى جهدهم لإرسال الرد اليوم في بريدي الإلكتروني أو في بداية صباح اليوم التالي. ولم يغلق الهاتف إلا بعد أن أحرجني من كثرة اعتذاره حتى إني من فرط انبهاري بهذه المعاملة الحضارية الرائعة لا أتذكّر ماذا قلت له حينها!! لم يقف الأمر عند هذه الحدود وإنما عاد هذا الموظف فاتصل بي في اليوم التالي ليتأكد من استلامي الإلكتروني للرد ويكرّر اعتذاره عن التأخير (لاحظوا أن التأخير يوم واحد).
وأترك للقراء الكرام المقارنة، وخاصة الذين يقودهم حظهم لتخليص معاملاتهم بأنفسهم في عدد من دوائر الخدمات ليكتشفوا أن وضعاً ليس من المناسب استمراره في ظل تطورات إدارية وتقنية على مستوى العالم، بالرغم من أننا نقرأ في كثير من الأحيان عما يسمونه التميز أو الجودة أو جوائز عربية أو إقليمية أو دولية يتم الحصول عليها هنا، نهنئ الفائزين بها لكنها كلها تبقى غير ذات قيمة مجتمعية طالما أنها لا تسهم في بث الشعور لدى المواطنين والمقيمين بأن هنالك ثمة إنجازات حقيقية - وليست إعلامية أو دعائية - يتلمسونها في واقع معيشتهم وتخليص معاملاتهم وتصريف مراجعاتهم وتسهيل إجراءاتهم وتجويد سائر الخدمات المقدمة إليهم.