المال و الاقتصاد
أسواق النفط تشهد فائضاً مع تراجع الطلب .. وتلاشي المخاطر الجيوسياسية
تاريخ النشر : الاثنين ٢٥ يونيو ٢٠١٢
خضعت أسواق السلع هذا الأسبوع لجولة بيع أخرى تعرضت خلالها لخسائر فادحة في ظل تصدر النفط طليعتها. يواصل قطاع التصنيع على مستوى العالم تعثره في ظل البيانات الواردة من الصين والولايات المتحدة، والتي تشير إلى تباطؤ النشاط فيهما، في حين أن قطاع الزراعة الذي تسوده الآن مخاوف بشأن التطورات المناخية شهد عرقلة مع ارتفاع مؤشر داو جونز يو بي أس للزراعة بنسبة خمسة %، وهو ما يضمن استقراراً نسبياً في أدائه على هذا المؤشر.
وجاء هذا على خلاف ما شهده مؤشر أس آند بي جي أس سي آي، وهو مؤشر السلع الرئيسي الآخر، حيث تعرض لهبوط حاد نتج عن انكشافه بنسبة 70% على قطاع الطاقة، ودخل يوم الخميس في حالة سوق متدهورة بعد أن تراجع بأكثر من 20% عن آخر مستوى وصل اليه مؤخراً ليعود إلى ما كان عليه في فبراير.
تم جني جميع المكاسب، بعيداً عن الغاز الطبيعي، في قطاع الزراعة في حين تراجع النفط ليتعرض لأكبر خسارة أسبوعية له في سنة، بعد أن تراجع للأسبوع السادس على التوالي. لم يشعر المستثمرون في الذهب بالارتياح من اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الأمريكية والذي لم يتمخض عن الكثير من حيث تقديم حافز إضافي، لينتهي به المطاف متراجعاً مع سعيه إلى الحصول على الدعم من جديد بسبب تنوع المخاطر العامة.
تراجع أسعار النفط
أضعفت أسعار الطاقة، بعيداً عن الغاز الطبيعي، هذا الأسبوع خسائرها في ظل غياب الدعم عنها من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، على الرغم من ترك الباب موارباً لتقديم حافز إضافي إذا ما طُلب هذا الدعم. تصدر خام برنت هذا التراجع مع انخفاض خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 11 دولاراً، مسجلاً أدنى مستوى له منذ يناير. دفعت إشارات تراجع الطلب في ظل وجود فائض في المخزونات إلى الأمام ليلجأ للتأجيل للمرة الأولى منذ يناير 2011.
قد يشير التأجيل إلى عودة تعويم المخزون
إن التحول الدراماتيكي في التوقعات الحالية والمستقبلية بشأن الأسعار يسلط الضوء على حقيقة أن معظم عمليات البيع حدثت في الواجهة الأمامية، وهذا أمر طبيعي جداً حيث يتدفق الاستثمار بالمضاربة عند هذه النقطة ويشتد توتر أسعار المخزون. إن الابتعاد عن دفع الفروق بسبب تأخير التسليم، حيث يكون السعر الحالي أعلى من السعر المؤجل بالنسبة للترحيل - حيث يحدث العكس - يؤدي إلى استثمارات سلبية على المدى البعيد في النفط الخام بجاذبية أقل في ظل بدء الاستثمارات بمراكمة عائد سلبي، كما شهدنا بالنسبة لخام غرب تكساس الوسيط طوال الفترة خلال السنوات الأربع الماضية وبشكل دائم تقريباً بالنسبة للغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من أن هذا التأجيل بالنسبة لخام برنت يمكن عكسه بسهولة إذا ما حدثت صدمة كبيرة في المخزون أو فجأت العربية السعودية إلى خفض إنتاجها، فإن ذلك قد يؤشر في حال مواصلة ارتفاعه إلى عودة تعويم المخزون، وهو ما كان شائعاً بعد الركود الذي حدث عام 2008-2009 عندما أصبح التسليم الفوري بالنسبة للنفط رخيصاً بحيث لجأت الشركات المتداولة إلى الشراء الفوري الذي يحقق ربحاً سريعاً وذلك ببيعه بسعر مؤجل أعلى، مع تخزين النفط في حاملات خام ضخمة خلال هذه الفترة.
المخاطرة الجيوسياسية
لقد تلاشت المخاطرة الجيوسياسية التي أدت إلى تحريك الأسعار للارتفاع خلال الربع الأول في ظل عدم تمخض أي نتائج عن الاجتماع الذي عقد بين إيران والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى ألمانيا، في موسكو. ستدخل العقوبات الأوروبية والأمريكية المخطط لها حيز التنفيذ اعتباراً من 1 يوليو وهو ما يعرقل بعض الصادرات الإيرانية، كما أنها ستحرم شركات التأمين الأوروبية من تغطية الصادرات الإيرانية وهو ما قد يسبب صداعاً للمشترين الآسيويين مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين. إن عدم إحراز أي تقدم على صعيد المفاوضات بشأن نوايا إيران النووية يطرح من جديد مخاطرة توجيه إسرائيل لضربة عسكرية، وهو ما من شأنه ضمان استمرار المخاطرة الجيوسياسية على الرغم من التباطؤ الاقتصادي المستمر وتأثيره على الطلب العالمي.
غض النظر عن ضعف الطلب
لا يزال محور التركيز في أسواق السلع وأسواق النفط يدور بصورة خاصة حول التراجع الحالي في النظرة المستقبلية الاقتصادية بالنسبة للعديد من الاقتصادات الرئيسية، فقد ارتفعت المخزونات الأمريكية من النفط الخام إلى أعلى مستوى لها في 22 عاماً في ظل استمرار التراجع في النشاط التصنيعي في الصين خلال شهر يونيو، حيث تعتبر الصين أكبر مستهلك على مستوى العالم للمعادن الأساسية وثاني أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة. كما تراجع مؤشر مدير الشراء الخاص ببنك إتش إس بي سي إلى أدنى مستوى له في سبعة أشهر ليصل إلى 48.1 في يونيو حيث إن هبوطه إلى ما دون 50 يشير إلى وجود انقباض في المشتريات. ولا يزال أمام الصين، التي تشكل أكثر من 50% من نمو الطلب العالمي على النفط خلال السنوات الأخيرة، العديد من الأدوات التي يمكن أن تستخدمها لتحفيز الاقتصاد. ولذلك فإن حدوث مزيد من التراجع في النشاط من شأنه زيادة فرصة حدوث ذلك، وهو ما سيساعد في دعم السلع، مثل النحاس وغيره من المعادن الأساسية، التي تعتمد إلى حد بعيد على الطلب الصيني.
عدم انسجام النظرة المستقبلية
لا تزال النظرة المستقبلية من منظور فني بحت تشير إلى انخفاض الأسعار مع انكسار نطاق التداول ما بين 100 و126 دولاراً أمريكياً بإشارة إلى انتقال فني للدخول ضمن نطاق 74 دولاراً أمريكياً. لا بد من توفير الدعم على المدى القريب من مؤشر القوة النسبية الذي يخبرنا أن السوق تشهد عمليات بيع كبيرة جداً في الوقت الراهن أكثر من أي وقت أثناء الانخفاض لما دون 100 دولار أمريكي الذي حدث عام 2008، وهو ما يؤشر إلى أن الحركة هذا الأسبوع عانت الكثير من التصفية على المدى البعيد.
ومع ذلك، لا تزال الصورة الأساسية تشير إلى استمرار نمو الطلب، على الرغم من تباطؤه، وهو ما قد يشير إلى الانخفاض الشديد للمستويات الحالية وقد يكون ناجماً أساساً عن التحول والتصفية على المدى البعيد. وكما تعمل أسعار النفط المرتفعة كضريبة عالمية على المستهلكين فإن انخفاض ثلثها خلال الأشهر الثلاثة الماضية سيساعد في نهاية المطاف على تعافي الطلب. ولكن في ظل الشعور السائد حالياً بعدم الارتياح، لا شك أن أسعار النفط يمكن أن تخطئ هدفها محدثة تأثيراً سلبياً قبل أن تتمكن الأساسيات من البدء في تأكيد نفسها.
الفضة يسجل أدنى مستوى
إن التأثير السلبي لتباطؤ النشاط الصناعي على الفضة لوحظ في تراجع المعادن إلى أدنى مستوى خلال هذا العام ليصل إلى أرخص سعر له مقارنة بمستوى الذهب منذ أكتوبر 2010. أما الذهب فلم يتمكن في هذه الأثناء من إيجاد الدعم من اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الأمريكية في ظل غياب أي حافز جديد ووجود تأثير عام للمخاطر يتسبب في أكبر خسارة أسبوعية منذ ديسمبر.
لا يتمكن الذهب حالياً من كسر نطاق 1.525-1.640 الذي يتداول فيه، في حين يبدو أن استمرار التداول ضمن هذا النطاق سيبقى هو النتيجة المحتملة. إن أي انكسار فني لما دون 1.500 يحمل مخاطرة التعرض لتأثير سلبي، ولكن في ظل الباب الموارب الذي تركه الفيدرالي الأمريكي لتقديم حافز إضافي، فإننا نعتقد أن الدعم قادم من جديد. تواصل تدفقات الاستثمارات في المنتجات المتداولة في البورصة حيث وصل إجمالي المترصد فقط إلى 149 ألف أونصة دون آخر مستوى وصلت إليه مؤخراً.
المناخ يحرك أسعار المحاصيل
تواصل أسعار المحاصيل الأمريكية بالدوران ضمن نطاقات رئيسية تلعب التطورات المناخية وتأثيرها على الغلال في هذا الوقت الحرج بالنسبة لتطور المحاصيل دوراً رئيسياً حيث تؤثر على 90% من إجمالي الحركة التي تشهدها الأسواق. سجلت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية الأمريكية عام 2012 على أنه الأكثر حرارة ومن بين الفصول العشر الأكثر جفافاً، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بعد حالة الركود التي أبتها في ظل النظرة المستقبلية التي تتنبأ بأحوال مناخية جافة، بالنظر إلى ضعف مخزونات الذرة وفول الصويا، الأمر الذي يطرح مخاوف فيما إذا تم رفع سقف التوقعات الحالية لوزارة الزراعة الأمريكية بشأن الغلال والإنتاج.
من المعايير المستخدمة لتحديد التقدم الذي تحرزه المحاصيل تقرير حالة المحاصيل الأسبوعي الذي يخرج في العادة أيام الاثنين خلال فصل الزراعة بدءاً من مايو ولغاية أكتوبر. لم يكن مدهشاً أن القراءات التي خلص إليها التقرير خلال الأسبوعين الماضيين أشارت إلى الأحوال المناخية الحارة والجافة على مستوى الولايات الأمريكية المنتجة للذرة وفول الصويا، وهو ما يشير إلى تراجع الأحوال الملائمة لزراعة المحاصيل.
عاد سعر الذرة الى الارتفاع بنسبة قاربت الـ 12% بعد تقرير تقدم المحاصيل الأسبوعي الذي جاء فيه ان فقط حوالي 63% من الذرة تم تصنيفها على أنها جيدة أو ممتازة كما في 17 يونيو. وقد هبطت هذه القراءة من 66% في الأسبوع الماضي و70% قبل سنة من الآن (انظر الرسم البياني السابق). هذا ولم يكن الوضع أفضل بالنسبة لفول الصويا في ظل التصنيف الحالي لما نسبته 65% من فول الصويا ما بين جيد وممتاز، وقد هبط من 60% في الأسبوع الماضي و68% قبل سنة من الآن.
انتظار حدوث تغيرات
يمكن أن نلاحظ من الرسم البياني بقاء المحصول الجديد من فول الصويا ضمن نطاق 12,5 إلى 14.00 دولارا أمريكيا للبوشل في حين أن الذرة تدور في فلك 5,00 إلى 5.75 دولارات أمريكية للبوشل. وكما سبق وأشرنا يمكن توقع ارتفاع مستوى التذبذب وحدوث تغيرات مفاجئة في الاتجاه السائد في الأسابيع المقبلة في حين سيخلد المتداولون إلى النوم بعيون نصف مغلقة بانتظار حدوث أي تغيير في الأحوال المناخية، وهو ما فعله على الأقل المتداولون المحليون بالحبوب في شيكاغو خلال سنوات الاحتجاج المفتوح على بورصة مجلس التجارة في شيكاغو.
} رئيس استراتيجيات السلع لدى ساكسو بنك.