المال و الاقتصاد
دراسة لجمعية المحللين المعتمدين:
خطوات لجعل «اليوان» عملة عالميّة وارتباطه بمصالح دول الخليج
تاريخ النشر : الاثنين ٢٥ يونيو ٢٠١٢
تعقيباً على مقال سابق نشرته صحيفة فاينانشال تايمز (ملحق FTfm) يستعرض كل من ويندي جو وصموئيل لوم من مكتب آسيا - المحيط الهادئ لمعهد CFA، مع السيدة لميس البحارنة نائب رئيس جمعية المحللين الماليين المعتمدين في البحرين، المراحل والتحديات التي تواجه تدويل اليوان الصيني (الرنمينبي).
- ما الذي يتطلبه الأمر لعملة ما لتصبح عملة دولية؟
- حين تكون العملة دولية، يجري تداولها على نطاق واسع خارج البلاد التي أصدرتها، كما يجري استخدامها في المعاملات ليس فقط بين مواطني تلك الدولة وغير المواطنين، بل أيضاً في المعاملات البينية بين غير المواطنين. إنها تعدّ وحدة حسابية للفواتير التجارية، كما توضّح المعاملات المالية وربط العملات. كما تعتبر وسيطا نقديّا لتسوية المعاملات، سواء حين استخدام العملات الأجنبية أو في مقايضات المصرف المركزي، كما أنها تستخدم أداة لحفظ القيمة تستعمل لاستبدال العملة، والاستثمار عبر الحدود، واحتياطيات المصارف المركزية.
- فماذا تكسب الصين من تدويل عملتها؟
- ثمّة تحدًّ يواجه صانعي السياسات في الصين، ألا وهو المحافظة على القيمة الرأسمالية لاحتياطاتها الكبيرة من النقد الأجنبي، نحو 60% منها هي أصول مقومة بالدولار الأمريكي. لذا يمكن لتدويل اليوان وجعله عملة احتياطية أن يساعد الصين في الحدّ من وطأة تقلّبات الدولار الأمريكي. كما يمكن أن يساعد الصين في خفض «الرسوم الضمنية لسك العملات» التي تدفعها للولايات المتحدة جرّاء الوضع المميّز للدولار الأمريكي باعتباره العملة الرائدة المستخدمة دولياً كاحتياطيّ. وتشمل المزايا الأخرى الحد من مخاطر النقد الأجنبي على الشركات الصينية، وتحسين كفاءة التمويل الذي تمنحه المؤسسات المالية.
- ما هي العقبات الرئيسية التي تحول دون تدويل اليوان؟
- تشمل العقبات الرئيسية عدم كفاية اتساع النظام المالي الصيني، ومحدودية المنافسة بين مؤسساته المالية، إذ ان أسواق رأس المال في الصين، إلى درجة كبيرة، لا تزال مغلقة أمام المستثمرين الأجانب نظراً الى الحجم الصغير نسبياً من المستثمرين الاعتباريين المرخّصين الأجانب (QFII) ومن البرامج ذات الصلة. لذا لا يبدو من المرجح أن تتخلّى الحكومة الصينية في المستقبل المنظور عن السيطرة على حسابها لرأس المال. صحيح أن قابلية تحويل العملات بالكامل وتحرير حساب رأس المال لا تعدّ شروطاً مسبقة للتدويل، إلا أنه هناك حاجة إلى مزيد من التحرير لإحراز تقدم.
- إلى أي مدى خطا اليوان على طريق التدويل؟
لطالما كانت الصين مزوّداً مالياً كبيراً في اتفاقيات المبادلة الثنائية التي تستخدم اليوان كعملة في إطار مبادرة تشينغ ماي. وهي اتفاقية متعددة الأطراف اتّخذت عام 2000 بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بالإضافة إلى ثلاثة بلدان لتوفير السيولة القصيرة الأجل للمصارف المركزية الأعضاء، بغية مكافحة المضاربة بالعملات، وتجنب تكرار أزمة 1997 المالية الآسيوية. في عام 2004، بدأ أكثر من 30 مصرفاً في هونغ كونغ بعرض خدمات الودائع والتحويلات وصرف العملات باستخدام اليوان. وفي عام 2007، صدرت لأول مرة سندات يوان خارجية (أوفشور)، تعرف أيضاً باسم سندات «dimsum»، في هونغ كونغ. وفي خريف 2012، سيبدأ في هونغ كونغ استخدام اليوان في مداولات العقود الآجلة. بدأت مصارف مركزية، بما في ذلك مصارف ماليزيا ونيجيريا وتشيلي وتايلاند والبرازيل وفنزويلا، لتضمين اليوان في محافظ احتياطياتها. ومؤخراً ضاعفت سلطة نقد هونغ كونغ حصة استثمار احتياطياتها في سوق ما بين المصارف الصينية. لقد أحرز اليوان تقدماً في خطوات تدويله، ليشمل جميع النواحي، ابتداء من الفواتير التجارية مروراً بالسداد وصولاً إلى المنتجات الاستثمارية واحتياطيات المصرف المركزي.
- كيف يمكن لليوان أن يكون مهمّاً لدول مجلس التعاون الخليجي؟
- نظراً الى ارتفاع أسعار النفط، تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من بناء احتياطات مالية ضخمة خلال العقد الماضي. هذه الاحتياطيات المالية مقومة في معظمها بالدولار الأمريكي على اعتبار أن معظم العملات الخليجية ترتبط به، وأن سعر النفط مقوّم بهذه العملة. ومع ذلك، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي النظر في تنويع العملات الأخرى. بدا في وقت سابق أن اليورو بديل جيد، ولكنه نظراً الى الأزمة الحالية أثبت عكس ذلك. وتشير التدفقات التجارية المتزايدة بين دول مجلس التعاون الخليجي والشرق إلى أن ثمة خياراً مهماً قد يتضمن اليوان الصيني. كما يمكن للصين أن تتطلع إلى إشراك دول مجلس التعاون الخليجي الغنية، جنباً إلى جنب مع الدول الآسيوية الأخرى في سعيها لدعم مصالحها الاستراتيجية في تطوير اليوان وتكريسه كعملة دولية.
ما هي التحديات والخطوات المقبلة؟
نظراً الى حجم الاقتصاد الصيني والتجارة الدولية، فإن تسارع الاستخدام الدولي لليوان في الفواتير التجارية والسداد هو أمر في حكم المؤكّد، على الرغم من أن حجمه مازال ضئيلاً بالمقارنة مع العملات العالمية الرئيسية الأخرى، وأن الرسوم لا تزال مرتفعة نسبياً. ومع ذلك، فإن تخصيص اليوان في المحافظ الاحتياطية للمصارف المركزية لا يزال ضئيلاً. وأحد أهداف الحكومة الصينية حالياً هو العمل على بناء البنية التحتية للخدمات، والمنتجات الاستثمارية المقوّمة باليوان المعروضة عبر مراكز اليوان في الخارج (أوفشور). إن التزام الصين بتنمية هونغ كونغ كمركز رئيسي لليوان في الخارج كرّسته خطة الصين الخمسية الثانية عشرة. إن مراكز اليوان الخارجية (أوفشور)، والتي تشمل لندن وسنغافورة، تلعب دوراً دقيقاً كـ«جدار حماية» قبل التحرير الكامل لأسواق رأس المال، ولأسعار الصرف، ولحساب رأس المال في الصين.
إن تدويل اليوان والمصالح الاستراتيجية للصين فى تعزيز مختلف دول الآسيان لعلاقاتها الاقتصادية، على المدى الطويل، يمكن أن يشكل بحكم الأمر الواقع مجموعة اقتصادية تستخدم اليوان، تضمّ الآسيان ودول الصين الكبرى. هذا، فيما توقّع محللون متفائلون أن يحقق اليوان في غضون خمس سنوات استخداماً واسعاً في التجارة العالمية، وقابلية تحويل كاملة.