قضايا و آراء
هل تستوي الديمقراطية والاستبداد؟
تاريخ النشر : الاثنين ٢٥ يونيو ٢٠١٢
هل تستوي الديمقراطية والاستبداد السياسي؟ هل تنسجم الديمقراطية والاستبداد الديني؟ هل هذه الديمقراطية بمختلف أبعادها ومفاهيمها تتماشى وهذين الاستبدادين السياسي والديني؟
إن هذه الأسئلة تكمن أجوبتها في دائرة الرفض الشديد وبوتقة الرفض المطلق .. ضمن خطين متوازيين لا يلتقيان.. بقدر ما تتناقض هذه الديمقراطية مع هذين الاستبدادين «السياسي والديني» تناقضا صارخا وتناحريا... ولطالما أنظمة دول العالم الثالث ومن ضمنها أنظمة الوطن العربي، تميزت بـ(الاستبداد السياسي) بتجسيدها تلك التشكيلة الهلامية لـ(الدولة القطرية) القائمة على تفاوت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والطبقية والقبلية.. فإن هذه الأنظمة ذاتها قد تجلت بـ(الاستبداد الديني).. لأنها هي التي أنشأت قوى وتنظيمات تيار الإسلام السياسي، وفتحت أمامها الأبواب كافة مشرعة، وأتاحت لها المجالات واسعة طوال عقود من الزمان، مثلما أنيطت بها أعلى المناصب القيادية في الدولة واستضافتها عبر جميع الوسائل الإعلامية الرسمية.. نكاية بالقوى الوطنية والتقدمية.
وفي ذات السياق فانه حينما أسلفنا القول: إن تشكيلة الدولة القطرية في العالم الثالث قائمة على مختلف التفاوتات التعسفية ما بين المجتمع الواحد.. فإن هذا النظام السياسي الاستبدادي أو الأوتوقراطي الآخر، قد اوجد الفجوة العميقة ما بين (البنى الفوقية المهيمنة) و(البنى التحتية المهمشة) سواء في ظل غياب الديمقراطية الحقيقية والمنشودة القائمة على المشاركة الشعبية الفعلية والعدالة الاجتماعية، أم بوجود ديمقراطية شكلية منقوصة ومستأنسة تتسم بأساليب الترهيب والترغيب والإلهاء والتنفيس، اللتين تعكس في كلتا الحالتين نتائجهما الخالصة مظاهر التخلف والدكتاتورية والوهن والهشاشة في «البنى الفوقية» الممثلة في الوسائل الإعلامية والتربية والبيئات السياسية والإنتاجية والايديولوجية، التي جميعها تجسد (مفاهيم وأنساقا سياسية) اعتمدت مسألة الأمن القومي كتنظيم اجتماعي هي غالبا ما ترتبط بالإجراءات الأمنية التي ترصد لها ميزانيات طائلة.. تأتي على حساب التنمية الاقتصادية والوطنية والبشرية، وتخلف الأبعاد العلمية والتعليمية والتربوية والبحثية، إذ لا ترصد لهذه المؤسسات سوى الميزانيات الضئيلة والهزيلة.
على الصعيد ذاته هو حينما تطرقنا سلفا إلى أن الأنظمة العربية الرسمية هي التي أوجدت قوى وتنظيمات تيار الإسلام السياسي.. فإن هذه الجماعات الإسلامية قد أكدت قياداتها ومرشدوها ومرجعياتها الدينية، أنها تمثل (الاستبداد الديني) الذي هو الوجه الآخر لـ(الاستبداد السياسي).. ويكفي استدلالا بهذا الإطار، ما حدث ويحدث في جمهورية مصر العربية، منذ سقوط النظام السابق برئاسة الرئيس حسني مبارك المخلوع، إلى اليوم، ما بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقوى تيار الإسلام السياسي، من الصراع تارة والتوافق تارة أخرى، ذلك كله من أجل الاستحواذ على المغانم والمصالح والاستئثار بالقرار السياسي، بلغة براجماتية نفعية وانتهازية ما بين الطرفين، وما تمخض عن تلك المصالح من بروز الاستبداد السياسي، والاستبداد الديني، اللذين في ضوئهما أجهضت ثورة 25 يناير المصرية وهمشت قياداتها وأهدافها من جهة، ونسجت تلك العلاقة الحميمة في عدة محطات ما بين المجلس العسكري وتيار الإسلام السياسي وفي مقدمته (جماعة الإخوان المسلمين)من جهة أخرى.
ومن هنا جاءت نتائج تلك العلاقة بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سمح لـ(حزب الإخوان المسلمين) بإنشائه في العلن والاعتراف به دستوريا تحت مسمى (الحرية والعدالة) وصودرت بالمقابل الديمقراطية التي من أجلها انطلقت ثورة 25 يناير المصرية.. وبالتالي هيمنة هذه الجماعات الإسلامية (الإخوان والسلف) على البرلمان بنسبة 75% بالمائة.. بعد أن وصل نوابها الإسلاميون بدعم المال السياسي من جهة وأساليب وإجراءات الإخوان المسلمين ، باستغلال الناخبين وغسل أدمغتهم من جهة ثانية وخاصة قيادات ثورة 25 يناير، بالقفز على ثورتهم واستغلال تضحياتهم.. لتمتد هذه الهيمنة السياسية للجماعات الإسلامية إلى مجلسي الشورى والبرلمان، على اثر انتخابهم أعضاء الجمعية التأسيسية في يوم 12 يونيو 2012م لصياغة الدستور الجديد للبلاد، بقائمة حملت تواقيع تجلت بالصورة النمطية الواحدة ذات الانتماءات الإسلامية.. في الوقت الذي خلت فيه هذه القائمة من تواقيع الكفاءات الوطنية المعروفة، ومن المفكرين والمبدعين المشهود لهم بالكفاءة والجدارة.. ذلك كله من أجل تحقيق استراتيجية هذه الجماعات الإسلامية بهيمنتها على الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور بحسب أجندة خطابها الديني، وطبقا لوصايا مكتب الإرشاد لتنظيمها، حتى أشاعت هذه الجماعات الإسلامية الدكتاتورية وغيبت أهداف ثورة 25 يناير المصرية.. الأمر الذي أدى إلى انسحاب (57) عضوا من الأحزاب العلمانية والناصرية والوطنية، احتجاجا على عمليتي الاستحواذ والإقصاء، وبسبب غياب التوافق الوطني الحقيقي ما بين مختلف الأطراف.
ولكن انقلب السحر على الساحر في نهاية المطاف، هو حينما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية «قانون العزل السياسي» وبحل البرلمان، مؤكدة أنه «غير قائم بقوة القانون».
ولعل في ضوء أحكام المحكمة الدستورية، تم توجيه نحو (50) مليون ناخب للذهاب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم يومي السبت والأحد 16 و17 يونيو الحالي، لانتخاب رئيس جديد من بين المترشحين الاثنين إلى الرئاسة: محمد مرسي مرشح حزب الإخوان المسلمين والفريق أحمد شفيق.
ويظل الشعب المصري هنا حيران من أمره دهشا ومتبرما إزاء واقعه، متسائلا عن نتائج ثورته وتضحياته.. حسبما تاهت معارضته الوطنية وأحزابه العلمانية والماركسية في أتون الصراعات والتصادمات التي بلغت مداها، والتي تجلت في تلك الصفقات والسيناريوهات السياسية، المتسمة بالمصالح الانتهازية الضيقة ما بين الطرفين: (المجلس العسكري وقوى تيار الإسلام السياسي).. التي ستتبلور تداعيات وحقائق تلك (الصفقات والسيناريوهات) لاحقا وخلال الأيام القليلة القادمة.
هذه هي إحدى الأزمات السياسية التي تعصف بالأقطار العربية، وهي أزمة حضارية تعكس مدى التخلف الذي حملت مظاهره الاستبداد السياسي والاستبداد الديني.. ويظل الشعب والمعارضة الوطنية في ضوء هذا الواقع المؤلم يمثلان كبش فداء وضحية ترزح ما بين سندان الاستبداد السياسي للنظام .. ومطرقة الاستبداد الديني لقوى وتنظيمات تيار الإسلام السياسي.
في ضوء ذلك يمكن القول: انه لن يجدي هذه الشعوب نفعا للخروج من أزمتها الحضارية، ما لم توجد الحلول السياسية والايديولوجية والفلسفية الناجعة كدواء شاف لداء الاستبداد السياسي، وعلاج مؤثر لسقم الاستبداد الديني.. إذ ان تلك (الحلول الناجعة الحضارية) تكمن في الأمم والمجتمعات المتقدمة.. وهذا ما سنتناوله في مقالة قادمة.