يوميات سياسية
لماذا تتدخل أمريكا في شئون دولنا؟!
تاريخ النشر : الاثنين ٢٥ يونيو ٢٠١٢
السيد زهره
تحدثت في مقال امس عن التدخل الأمريكي السافر في شئون مصر الداخلية في توقيت حساس تشهد فيه البلاد توترا واحتقانا شديدا وخطورة هذا التدخل.
وكما نعلم، هذه القضية مثارة هنا في البحرين طوال الأشهر الماضية. نعني ان التدخل الأمريكي في شئون البحرين الداخلية وبشكل لا يمكن ان يخدم الامن والاستقرار ولا المصالح الوطنية العامة، موضع جدل وانتقاد ونقاش عام منذ فترة طويلة.
وامس طرحت هذا السؤال: لماذا تتدخل امريكا في شئون دولنا الداخلية على هذا النحو، سواء في مصر او في البحرين او في دول عربية اخرى؟
لا نقصد بهذا التساؤل عن دوافع امريكا واهدافها والاسباب التي تدفعها إلى هذا التدخل السافر في شئون دولنا.
القضية من هذا الجانب ابعادها معروفة وطالما كتبنا وتحدثنا عنها. القضية هنا باختصار شديد ان امريكا لديها اجندتها الخاصة في دولنا العربية، وهذا التدخل احد اساليب محاولة تنفيذ هذه الاجندة. وبشكل عام، اجندة امريكا في جوهرها تقوم على إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، وعلى الحيلولة دون ان تهدأ اوضاع دولنا، ومن دون ان تتعافى دولنا من مشاكلها وازماتها، وتبني دولا قوية قادرة.
الذي نقصده بهذا التساؤل هو: ما الذي يتيح المجال لأمريكا لأن تتدخل في شئون دولنا على هذا النحو، ومن يشجعها ويساعدها على ذلك؟
ولسنا نتردد في القول هنا بأن قياداتنا وحكوماتنا العربية والسلطات المسئولة في دولنا هي التي تتحمل المسئولية الاساسية عن هذا التدخل الأمريكي التخريبي.
ويمكن ان نثير هنا اكثر من جانب.
بداية، حكوماتنا مسئولة لأنها تحجم عن ردع هذا التدخل الأمريكي السافر وتتردد في إدانته او المطالبة بالكف عنه.
على الرغم من ان حكوماتنا تعلم بالطبع ابعاد هذا التدخل الأمريكي، وهي بالضرورة تعلم اكثر مما نعلمه نحن. وعلى الرغم من انها تدرك الابعاد الخطيرة لهذا التدخل ولا يمكن ان تكون راضية عنه او قابلة به. على الرغم من هذا، فإننا لا نسمع عن موقف رسمي معلن يدين هذا التدخل ويطلب من امريكا بشكل حازم الكف عنه، ولا نسمع مسئولا يخرج علنا ويعبر عن الرفض لهذا التدخل.
قد يقول البعض ان امريكا دولة عظمى وان الحكمة او الاعتبارات الدبلوماسية تقتضي مثل هذا التعامل الحذر من جانب حكوماتنا وقادتنا مع قضية التدخل الأمريكي.
وقد يكون هذا مقبولا بشكل عام, لكن حين يصل الأمر الى حد تهديد امريكي لأمن واستقرار البلاد، وتشجيع على التطرف والعنف، او احتضان لقوى طائفية لديها اجندة مدمرة. حين يصل الأمر الى هذا الحد، لا يصبح صمت الحكومات مقبولا او مفهوما.
نريد ان نقول ان إحجام قياداتنا وحكوماتنا عن إدانة هذا التدخل الأمريكي والمطالبة بالكف عنه هو في حد ذاته يشجع بداهة الامريكيين على التمادي في تدخلهم السافر.
والأمر في الحقيقة لا يقف عند هذا الحد فقط.
حقيقة الأمر ان المسئولين في دولنا هم الذين يستدعون هذا التدخل الأمريكي ويشجعون عليه بمعان كثيرة.
ما معنى مثلا ان يجتمع المسئولون في دولنا مع المسئولين الأمريكيين ويناقشون معهم ادق القضايا والمشاكل الداخلية، ويطلبون نصائحهم او يستمعون الى وصاياهم؟
وما معنى مثلا ان يسمح المسئولون في دولنا لسفراء امريكا ان يصولوا ويجولوا ويجتمعوا مع القوى المناوئة للدولة ويخططون معهم تحركاتهم في خرق صريح لكل الأعراف الدبلوماسية ولا يحركون ساكنا؟!
وما معنى مثلا ان يأتي مسئولون امريكيون لزياة دولنا ويجتمعون بمن يشاؤون من قوى طائفية مناوئة ويناقشون معهم القضايا الداخلية، ويعقدون مؤتمرات صحفية لا يتحدثون فيها عن العلاقات الامريكية مع دولنا، ولكن يتحدثون عن ادق قضايانا الداخلية ويفتون فيها؟
ما معنى كل هذا؟
ألا يعني ان حكوماتنا ومسئولينا هم كما قلت الذين يستدعون التدخل الأمريكي في شئوننا ويشجعون عليه؟
وبالاضافة الى هذا كله، حكوماتنا وقياداتنا مسئولة بشكل آخر.
هي تعلم ان امريكا تخترق مجتمعاتنا. تعلم ان امريكا لديها قوى عميلة لها في دولنا، وتعلم انها عبر السنوات الطويلة الماضية موّلت ودرّبت هذه القوى وجعلت منها ادوات لخدمة الاجندة الامريكية لا أي اجندة وطنية. ومع هذا، فإنها لا تتخذ أي اجراء لمحاسبة هذه القوى العميلة او لوقفها عند حدها.
الأمر الغريب انه في الوقت الذي تفعل فيه حكوماتنا وقياداتنا هذا وتتصرف على هذا النحو مع هذا التدخل الأمريكي السافر في شئوننا الداخلية والدور الأمريكي التخريبي، فإنها تتوقع من الكتّاب والمثقفين الوطنيين ان يقوموا هم، بالنيابة عنها، بالتصدي لهذا الدور الأمريكي. هذا ليس عدلا في الحقيقة.
وخلاصة الامر, كما نرى.. انه في اليوم الذي تقرر فيه قياداتنا وحكوماتنا العربية، علنا وسرا، التصدي بحزم لهذا التدخل الأمريكي في شئوننا، وتصرّ على ذلك، فسوف يتوقف هذا التدخل.