عالم يتغير
الانقلابيون ومسار اللعبة الأمريكية ـ الإيرانية
تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} من المؤكد أن ليس بمقدور أي دولة أو حتى مجموعة دول أن تلعب أو تتلاعب بمصير أي بلد آخر، أيا كان، لولا إسناد داخلي يتيح لها المجال لمثل ذينك التلاعب والتدخل في الشئون الداخلية، وسواء كان ذلك الإسناد رسميا من حكومة ذلك البلد، ولا نبحث هنا عن الأسباب، أو كان ذلك الإسناد من خلال فئات شعبية، تقبل على نفسها أن يتم تحريكها كأدوات داخلية تابعة للخارج، لتغيير مسارات البلد السياسية الذي تنتمي إليه لأطماع خاصة بالاستحواذ على السلطة، فتركب موجة الدعم الخارجي للحراكات المتمردة في أي بلد لغرض في نفس يعقوب، وخدمة للأغراض المزدوجة ما بين أدوات التحريك الداخلية والأصابع الخارجية المحركة.
} في البحرين وجد الانقلابيون ضالتهم المنشودة في الدعم الخارجي (الأمريكي) وعلى كل المستويات المادية والإعلامية والحقوقية واللوجستية بشكل عام، في إطار مشروع شرق أوسطي كبير، يستند بشكل أساسي إلى معارضات داخلية، أيا كان نوعها من حيث الانتماء الأيديولوجي، تكون على استعداد لأداء الدور المطلوب في إحداث أهداف الفوضى والفتنة والانقسام الشعبي، بالوسائل السياسية الجديدة (التي تربط الإصلاح والديمقراطية بالانقلاب على الأنظمة وإسقاطها)، فإذا ما حدث أن كان الحراك قائما في بلد يتبنى الإصلاح بشكل طبيعي ومسبق كالبحرين، لجأ أصحاب الحراك الانقلابي في الداخل إلى شيطنة النظام وتشويه السمعة وإلى الكذب والفبركة والمبالغة في المحافل الدولية، ولدى المنظمات الدولية، التي سرعان ما تفتح أذرعها لأصحاب أي تمرد داخلي يهدف إلى إسقاط نظامه، لأن تلك المنظمات هي جزء أصيل من اللعبة الاستعمارية الجديدة، التي تغير وتبدّل تحالفاتها حسب مشاريعها واستراتيجيتها الخاصة، وكما تفعل اليوم الولايات المتحدة في تحالفها مع إيران في ظل رسم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط والخليج العربي، وحيث الانقلابيون في البحرين (هم أدوات استخدام مزدوجة) ما بين طرفي اللعبة، ولكل طرف حيثياته وأساليبه في نمط التحريك وذلك الاستخدام، سواء بالحيثيات السياسية والحقوقية أو الحيثيات العقدية والمرجعية الطائفية.
} إن الروابط الوطيدة بين الأطراف الداخلية اليوم والأطراف الخارجية، هي روابط يغذي بعضها بعضا، فبقدر حاجة أصحاب التمرد الداخلي إلى الدعم الخارجي في كل مسار تحركاته الداخلية، فإن أصحاب المشاريع الخارجية هم أيضا بحاجة إلى أدوات الداخل، لأن اللعبة لا يمكن أن تأخذ مساراتها إلا عبر ذلك التداخل والتبادل والتكامل بين الأطراف كلها معا، ومثلا لولا الانقلابيون داخل البحرين واستعدادهم لأداء الدور، لفقدت كل من أمريكا وإيران مسار اللعبة، وكذلك لو تم رفع الدعم الخارجي عن هؤلاء لسقط الحراك الانقلابي وقادته عند أول انكشاف أو تعامل قانوني دستوري أو شعبي سياسي رافض لما يقومون به.
} إذاً هذه العقول التي حركت مياه أخطر أزمة في البحرين في فبراير 2011 لم تأتِ من فراغ، ولم تكن تحركا شعبيا سياسيا بريئا كما يحب أن يصور الانقلابيون أنفسهم، وإنما هم نتاج تلاقح أجندة ومشاريع إقليمية ودولية (أمريكية بالطبع)، امتزجت فيها أفكار الولي الفقيه وتصدير الثورة والأطماع الإيرانية في البحرين بولاء انقلابيي البحرين لها، مثلما امتزجت بالمشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد، الذي ارتأى مهندسو خرائطه الأمريكيون أن يتم تغيير التحالف القديم مع الحكام الخليجيين إلى تحالف سري جديد مع الطرف الإيراني، الذي يقوم بدور الوصي على الشيعة في العالم و من ضمنهم الشيعة في البحرين، ويحركهم عقديا وسياسيا كما يشاء وخاصة الاثني عشرية أصحاب الولاء للولي الفقيه وأصحاب الاعتقاد به مما يُسهل التعامل مع حكمهم إن سيطروا بالنسبة إلى الأمريكي.
} هذه الأدوات الانقلابية التي حركت أسوأ ما يمكن أن تحركه أخلاقيا وسياسيا وطائفيا في بلد طالما عاش في أمن وسلام وتعددية متجانسة، هي وحدها، وبدعم خارجي، دفعت إلى انقسام الشعب ليس سياسيا وإنما طائفيا وبشكل مقيت منذ حراكها في الدوار. وهي ذات الأدوات والعقول النخرة التي تطلب الحوار اليوم بعد فشلها فيما أرادته، والدعم الأمريكي يسندها في إعادتها بل فرضها على مجمل الشعب البحريني، على الرغم من أنها وحدها من وقف بشكل مستمر حائلا ضد استمرار ونمو الإصلاح بشكل طبيعي، ووحدها ستكون حائلا ضد بناء مستقبل آمن للأجيال القادمة، وهي اليوم تنخر كالسوس في البنى الفكرية والسياسية والثقافية والدينية البحرينية، وهي التي تعمل بدأب لتغيير الشخصية البحرينية أيضا في اتجاه الاحتراب الطائفي، وهي التي نسفت اتجاهات الرأي السياسية والوطنية لتوجهها نحو الحراك الطائفي وردة الفعل ضده، وهي التي غلبت ارتباطاتها الخارجية على الوطنية مثلما غلبت حس الديكتاتورية الطائفية على حساب الإصلاح والديمقراطية على الرغم من الادعاء بهما.
} اليوم يجد الوطنيون والشرفاء في البحرين أنفسهم أمام معادلة صعبة في ظل الضغوط الخارجية لصالح الانقلابيين باعتبارهم مجرد سياسيين وطنيين ينشدون الإصلاح فقط، فيما التحدي الوطني يقول إما هؤلاء (رؤوس الفتنة والخيانة الوطنية والعمالة للخارج) وإما الوطن ومستقبله، وحيث الحوار الوطني لا يكون إلا بين أطراف وطنية لا لبس في هويتها ولا شكوك حولها. أما هؤلاء الانقلابيون فإنهم وبعد انكشاف اللعبة فإنه من الصعب جدا القبول الوطني بهم. هؤلاء هم من قبل لعبة الخيانة للوطن لحساب استنساخ النموذج العراقي في البحرين، وهؤلاء هم من حرك لدى البعض في المكون الآخر الرئيسي هواجس التطرف المضاد للرد على تطرفهم الطائفي.
} أمريكا تعرف جيدا حقيقتهم، وإيران تعرف أكثر من أمريكا عنهم، ولذلك فإن اللعب يتم بين الأطراف في السر والعلن، لأن الطائفية ونشرها وتحويلها إلى هوية بدلا من الهوية الوطنية هي اللعبة الأمريكية الإيرانية المزدوجة بجدارة في البحرين اليوم، باعتبار أنها تخدم الاستراتيجية الجديدة المشتركة على المديين القصير والبعيد، حيث ضعف دول المنطقة وتفكك شعوبها هما تحديدا ما تريده أمريكا الصهيونية لأن إسرائيل تريده بالدرجة القصوى، وتدخل معهما على الخط إيران الصفوية.
} هؤلاء الأدوات الداخلية هم من يحققون اليوم للمشاريع الخارجية الصهيونية والصفوية وسائلها وأهدافها، اعترفوا أم لم يعترفوا، فهم من رفع شعارات الازدراء للمكونات الأخرى وللعائلة الحاكمة الشرعية وشعارات الموت والتسقيط وارحلوا وتسببوا بكل الكوارث.
هؤلاء هم من ينفذون اللعبة الخارجية القذرة لنشر الفتنة والتدمير والعنف والإرهاب، ولا يهمنا بعد ذلك بعض شعارات التقية أو لم نقل بإسقاط النظام أو حراكنا سلمي أو نحن نحمل الورود أو الشيطان الأكبر أو... فكل ذلك ترهات في طريق أداء الدور الذي يعرفونه جيدا ونعرفه، لأنهم يؤدونه أمام أعيننا وبكل فجاجة وخاصة منذ أحداث فبراير .2011