مقالات
السلطة الفلسطينية تتوجه مجددا إلى المجتمع الدولي للاعتراف بها
تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٢
بيروت - من: أورينت برس
بعد فشل الجهود الفلسطينية الدؤوب خلال العام الماضي لمحاولة حث الأمم المتحدة على إصدار اعتراف أحادي الجانب باستقلالهم، توقع الكثيرون أن تؤدي تلك المبادرة غير الناجحة إلى احباط السلطة الفلسطينية وثنيها عن التوجه إلى المنتدى الأممي من جديد بالنظر إلى غياب التعاطف الواضح مع القضية الفلسطينية.
لكن المفاجأة أن كبير المفاوضين باسم السلطة الفلسطينية، صائب عريقات، صرح بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سيعود إلى الأمم المتحدة في الخريف المقبل لإطلاق محاولة جديدة في ملف إقامة الدولة الفلسطينية. إلا أن المفارقة ان هناك ضغوطا غربية، ولاسيما أمريكية، لمنع هذا التحرك الفلسطيني ولاسيما قبيل اجراء الانتخابات الرئاسية الامريكية.
أورينت برس أعدت التقرير التالي:
عندما سعى ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر من العام الماضي إلى انتزاع اعتراف من الأمم المتحدة بدولة فلسطينية على حدود ما قبل العدوان الإسرائيلي عام 1967 ثم بعضوية هذه الدولة في الهيئة الأممية تحطم مسعاه على صخرة الفيتو الامريكي، لكن هذا الفشل على ما يبدو لم يمنع السلطة الفلسطينية من التوجه إلى المجتمع الدولي من جديد فيما تراوح المفاوضات مع اسرائيل مكانها.
اليوم، يلوح ممثل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بالذهاب إلى «الجمعية العامة لنحصل على ما يطلق عليه اسم دولة غير عضو»، كما قال الرئيس الفلسطيني نفسه محمود عباس في باريس، لكن فقط «إذا لم تنجح كل المساعي للعودة إلى المفاوضات»، كما أضاف، وبالتالي فإنه لايزال يعطي الأولوية لاستئناف المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويلوح بالذهاب إلى الأمم المتحدة كأداة يعتقد أنها ضاغطة عليها وعلى راعيها الأمريكي.
ضغط أمريكي
في المقابل، سارعت الإدارة الأمريكية إلى ممارسة سياسة «العصا والجزرة» لاستغلال الموقف المتردد للمنظمة في نقل الملف الفلسطيني إلى الأمم المتحدة واستغلال هذا التردد في التخلي نهائيا عن استراتيجية المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية مع دولة الاحتلال التي أثبتت فشلها طوال العشرين عاما المنصرمة.
فبحسب مصادر بعض وكالات الأنباء العالمية، فقد هاتفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الرئيس الفلسطيني محمود عباس كي «تحذره» من «النتائج السلبية» للذهاب إلى الأمم المتحدة «من جانب واحد» وهو ما «تعارضه» إدارة الرئيس باراك أوباما، كما قال مسؤول في مكتب عباس. ومع أن عباسا وكلينتون «تباحثا في إحياء عملية السلام» فإن وزير خارجية السلطة الفلسطينية في رام الله رياض المالكي أكد وجود «ضغوط كبيرة» من واشنطن وقال إنها طلبت إلى عباس تأجيل التوجه للأمم المتحدة إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية. وأوضح المالكي أن دولا أوروبية تمارس هي الأخرى ضغوطا على الفلسطينيين باعتبار أن التوجه للأمم المتحدة سيضعف إمكانية العودة للمفاوضات ويعطي إسرائيل ذريعة أكبر للتهرب من استحقاقات العملية السلمية. لكن المالكي أكد رفض القيادة الفلسطينية لهذه الضغوط، مشيرا إلى أن القرار سيتحدد بناء على المصلحة الوطنية. وبهذا الصدد أكد وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي أن التحضيرات للتوجه للجمعية العامة انتهت بانتظار تحديد الوقت المناسب لهذه الخطوة بناء على معطيات داخلية تتضمن المصلحة الفلسطينية ونتائج المشاورات الخارجية.
وكان المستشار السياسي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، نمر حماد، قد أكد أنه «لم يعد سرا أن الإدارة الأمريكية تمارس كل قواها ليس ضد ذهابنا للأمم المتحدة فقط بل لأي منظمة دولية». ثم أعلنت واشنطن أنها سوف ترسل مبعوثها الرئاسي لـ«عملية السلام»، ديفيد هيل، ليمارس الضغط وجها لوجه و«يضع القيادة الفلسطينية في صورة المخطط الذي وضعته بلاده لتحريك عملية السلام وإطلاقها من جديد».
مساع أخرى
ولتعزيز قدرتها على إجهاض أي توجه فلسطيني للأمم المتحدة، نجحت إدارة أوباما في «انتخاب» سفير اسرائيل لدى الأمم المتحدة، رون بروسور، نائبا لرئيس الجمعية العامة في دورتها السابعة والستين عندما تفتتح في سبتمبر المقبل، التي من المفترض أن يتقدم مفاوض منظمة التحرير خلالها بطلب الاعتراف بدولة فلسطينية غير عضو في الأمم المتحدة. ثم نجحت في تعيين جيفري فيلتمان، المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية منذ عام 2009، مساعدا للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيسا لدائرة الشؤون السياسية في الأمانة العامة، وهذه دائرة مركزية في بيروقراطية الأمم المتحدة ومن يرأسها سوف يكون له نفوذ كبير في تحديد جدول أعمال المنظمة الأممية.
مع كل هذه الضغوط، يسعى الفلسطينيون إلى رفع مكانتهم في الأمم المتحدة إلى دولة غير عضو ويصرون على التوجه إلى الجمعية العامة حيث من المتوقع ان تؤيد الدول الأعضاء هذا التوجه بالأغلبية، وفي هذا الإطار، أبدى عريقات ثقته بنجاح الطلب الفلسطيني عند طرحه للتصويت على الجمعية العامة وقال: «إن 170 دولة على الأقل ستؤيد الطلب الفلسطيني»، مشيرا إلى أن «القانون في الجمعية العامة ينص بأن الطلب بحاجة إلى 50 + 1 من الحضور وهذا مضمون لكننا نريد أن تحظى فلسطين بتصويت 170 دولة على الأقل» من مجموع الأعضاء البالغ عددهم 193 دولة إكراما لشهداء وأسرى فلسطين. وبين عريقات أن كلا من دول عدم الانحياز ودول منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة دول أمريكا اللاتينية والإفريقية يدعمون التوجه الفلسطيني بشكل ثابت فيما تجرى مشاورات معمقة مع دول الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص.
الاستيطان
من جهتها، ترفض إسرائيل أي توجه فلسطيني إلى الأمم المتحدة وتعتبره خطوة أحادية الجانب بديلا عن محادثات السلام التي توقفت بين الجانبين مطلع أكتوبر 2010 بسبب الخلاف على البناء الاستيطاني الإسرائيلي. وحمل عريقات إسرائيل «وحدها مسؤولية انهيار عملية السلام»، مشيرا إلى أنها أقرت فقط خلال الأسابيع الماضية 3 آلاف وحدة استيطانية «وهذا دليل جديد على أن الحكومة الحالية في إسرائيل حكمت على هذه العملية بالدمار».
وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قد نقلت عن مصادر إسرائيلية قولها، إن لقاء سيعقد بين عباس وموفاز خلال أيام. في هذا الإطار، أعلن عريقات أن الرئيس محمود عباس يدرس لقاء مسؤولين إسرائيليين بينهم النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي موفاز. وقال عريقات: «هناك احتمال لعقد لقاء فلسطيني إسرائيلي قريب لكن لم يتم تحديد موعد رسمي لذلك». وأضاف أن «الرئيس عباس يدرس موعد اللقاء وأسبابه وسنتابع الأمور قريبا»، مضيفاً أن المسالة الآن لا تتعلق بوجود اتصالات أو لقاءات أو ما إلى ذلك. الحكومة الإسرائيلية إذا أرادت المفاوضات فعليها وقف الاستيطان وقبول حل الدولتين والإفراج عن الأسرى. وتابع: «لا جدوى من أي لقاءات أو مفاوضات من دون الاستجابة لهذه الاستحقاقات».
تصميم فلسطيني
ومن الواضح أنه بعد أشهر من الأخذ والرد بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ها هو الأول يستعد للعودة إلى الامم المتحدة بعد تلقيه ردا سلبيا من الجانب الاسرائيلي على الرسالة التي بعثها للثاني، والتي أكد فيها الرئيس عباس أنه «نتيجة لسياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لم يعد للسلطة الفلسطينية أي سلطة وأصبحت من دون ولاية حقيقية في المجالات السياسية والاقتصادية والجغرافية والأمنية، أي أن السلطة فقدت مبرر وجودها»، ومحذرا من ان السلطة لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها اذا ما استمر هذا الوضع.
لقد بات من الحكمة الآن العودة إلى استراتيجية التوجه إلى الجمعية العامة ومجلس الامن ومؤسسات الامم المتحدة الأخرى، سعيا وراء عضوية فلسطين الكاملة في المنظمة الدولية، وليس الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فما أكدته الرسالة الآنفة الذكر أن العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية لا يمكن ان تستمر كما في السابق، فضلا عن تطور جسيم في الأحداث، فالعالم يشهد مخاضا عسيرا يأتي في طليعته الحراك العربي الذي يؤثر في تطورات المشهد الفلسطيني والإسرائيلي حتى الإقليمي على المدى القريب، ففي ظل هذا المخاض، باتت إسرائيل أكثر عزلة من أي وقت مضى، متوجسة مما ستواجهه في المستقبل. كما يجب ألا ننسى أن توجه منظمة التحرير الفلسطينية بطلب الانضمام إلى الأمم المتحدة في سبتمبر 2011 شكل حدثا مهما ومحاولة لوضع معادلة جديدة لآليات حل الصراع وفك جمود عملية التسوية بعد أعوام طويلة من المفاوضات العبثية.