عالم يتغير
التدخل الأجنبي:
مسئولية الدولة والمجلس الوطني
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} كتبنا بالأمس أن ليس بمقدور أي دولة أو مجموعة دول أن تلعب وتتلاعب بمصير بلد آخر، لولا فتح الأبواب لها من الداخل، سواء كان من جانب النظام السياسي، أو من جانب بعض فئات سياسية شعبية أو أهلية، تقبل بأن تحقق أهدافها الفئوية من خلال قبول استجداء الخارج بالتدخل في شئون بلادها، وطلب الحماية أو الوصاية، وتقبل أداء دور (الأدوات) لتلك القوى الخارجية، حتى لو تم تهديد استقلالية وسيادة الوطن، عبر ممارسة الضغوط على النظام السياسي، تحقيقا لأهداف مزدوجة بين تلك الفئات وقوى التدخل الخارجي، وهذا ما نراه اليوم يحدث في البحرين منذ أحداث فبراير 2011 ومن خلال التدخل الأمريكي الفج اليوم ورعايته المفرطة للقوى الانقلابية، ومن خلال التصريحات الإيرانية الرسمية والقائمة على دعم لوجستي ومادي وإعلامي وتدريب لعناصر تلك القوى الداخلية، التي لم تجرؤ على رفض تلك التصريحات لأنها تابعة وذليلة أمامها.
} في هذه الزاوية نطرح الجانب الآخر من المسألة وهو دور النظام السياسي ووزاراته المعنية، وأهمها وزارة الخارجية، ودور الدولة بشكل عام، ودور المجلس الوطني في التصدي سواء للضغوط الخارجية، أو للتدخل في شئون البحرين الداخلية، أو لكيفية التعامل مع القوى الداخلية التي تسمي نفسها المعارضة، وهي التي تسهم في اختراق استقلال البحرين وسيادة الدولة البحرينية عبر استجداء الخارج، وجميعها من الأمور التي لا يمكن الاستهانة بها، سواء في معالجة القضايا الداخلية أو لرسم مستقبل البحرين، في ظل المتغيرات الإقليمية والعالمية.
} حين أكد جلالة الملك ـ يوم الأحد الماضي في خطابه المهم وهو يترأس مجلس الوزراء ـ أن (الشأن البحريني هو شأن داخلي خاص بشعب البحرين، وأن شعبنا قادر على إدارة خلافاته والتحاور بشأنها من دون وساطات خارجية)، فإن جلالته وضع إصبعه على الجرح الذي يؤلم كل مواطن بحريني غيور، وهو يرى الطرف الأمريكي يتجاوز كل الحدود والأطر والمواثيق، التي تربط بين الدول، ويتعداها السفير الأمريكي ومسئولون من الأمن القومي الأمريكي، للتصرف كأنهم يتحركون في إحدى الولايات التابعة لهم بشكل شخصي، فحتى الولايات الأمريكية، فإن كل ولاية فيها لها خصوصياتها القانونية والتشريعية، بحيث لا يمكن لأي مسئول أمريكي مهما بلغت صفته الرسمية تجاوزها أو اختراقها، فما بالنا ببلد آخر مستقل وذي سيادة؟
} إن خطاب جلالة الملك كان مهما وتحديدا في الوقت الذي زاد فيه اللغو حول تلك التدخلات، وبما يرقى إلى مستوى الاملاءات سواء على القضاء البحريني أو على الشعب وبإقامة المؤتمرات الصحفية، واستخدام مصطلحات بعينها ـ أشرنا إليها في مقال سابق ـ يتم تكريسها وفرضها على الواقع السياسي في البحرين.
وفي هذا فإن مؤسسات ووزارات الدولة الرسمية ووزارة الخارجية على رأسها، مسئولة بشكل دائم قبل الخطاب الملكي وبعده، عن تحديد الصيغة الرسمية في التعامل مع أي تدخل أمريكي أو بريطاني أو إيراني أو غيره، لأن استقلال البلد وسيادته على المحك، ولأن كرامة المواطن ومستقبل الوطن على المحك، ولأن هيبة الدولة وفاعلية قوانينها ومصداقيتها على المحك، ولأن التردد في وضع حد لمثل تلك التدخلات، هو فتح الباب من الجانب الرسمي؛ أي من جانب مؤسسات ووزارات الدولة المعنية، للخارج للمزيد من التدخل، والمزيد من التلاعب بالمصير الشعبي والمسار الوطني.
} غير مفهوم لأحد إن صح خبر تنقل المسئول الأمريكي، بسيارة من وزارة الخارجية البحرينية، لكي يمارس تدخله في شئوننا الداخلية، وليس مفهوما امتناع الوزارة ذاتها ووزير الخارجية، الذي نحترمه، عن إصدار أي تصريح يوضح موقف الدولة ونظامها السياسي، وليس مفهوما أن يتم تسهيل مهمات الاختراق الأمريكية والاجتماعات السرية مع «الوفاق» وغيرها، وخاصة بعد وضوح الصورة والخريطة السياسيتين الأمريكيتين للبحرين والخليج، والدعم الأعمى للقوى الانقلابية على حساب مستقبل البحرين.
ليس مفهوما أيضا وبشكل عام التصرف بضعف أو تردد في أمور تتعلق بالسيادة والكرامة الوطنيتين، وبالتطورات الإصلاحية والديمقراطية لتكون على هوى دولة خارجية مهما بلغت قوتها، فهي ليست أقوى من إرادة الشعوب.
} وعلى هدي الخطاب الملكي، ليس مفهوما بالنسبة إلى المواطن البحريني الوطني، اكتفاء البرلمان ببعض خطابات إنشائية حول التدخل الأجنبي في شئون البحرين، في الوقت الذي زادت صلاحيات الرقابة والمساءلة والتشريع لديه، بل إمكانية التحرك الخارجي والاجتماع حتى بالكونجرس الأمريكي إن تطلب أمر السيادة الوطنية إرسال وفد برلماني لبحث الاحتجاج الشعبي، باعتبار البرلمان ممثلا للشعب، ورفض التدخلات الأمريكية الفجة في شئون السيادة والاستقلال الوطنيَّين.
بالمقابل ليس مفهوما صمت المؤسسات والمنظمات الأهلية والجمعيات السياسية الوطنية عن إرسال رسائلها القوية إلى الإدارة والمؤسسات الأمريكية المعنية لإيصال (صوت الرفض الشعبي) أيضا لأي اختراق وضغوط وإملاءات في الشأن الداخلي.
} أما ما طرحه جلالة الملك حول خروج الإعلام من رد الفعل إلى الاستباق والتفاعل، وتفعيل دور وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف للقيام بدورها في تحييد المنبر الديني من الاستغلال التحريضي والفتنوي، فقد بح صوت المواطنين الشرفاء بالدعوة إلى ذلك، وهو ما أكده الخطاب الملكي أيضا، والناس بانتظار رؤية النتيجة، التي بينها تطبيق القانون بعدل ونزاهة، واستقلالية القضاء البحريني بعيدا عن أي ضغوط دولية مهما كانت.
البحرين محمية بوطنييها وشرفائها وبشعبها وبعمقها الخليجي، وآن للدولة بكل تشكيلاتها أن تتعلم الحزم ورفض ما يهدد البحرين ومستقبل شعبها بلا تردد.