الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


مصر بين التعافي والاستبداد

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



بعيدا المواقف الأيديولوجية والسياسية من الاخوان المسلمين وعدم القناعة بقدرة قوى الإسلام السياسي بشكل عام على قيادة دولة عصرية توفر المساواة الكاملة لأبنائها بعيدا عن الحسابات العرقية أو الدينية وغيرها من التمايزات، قبل ذلك كله لابد من تسجيل وقفة احترام لإرادة أبناء الشعب المصري الذين احتكموا إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جمهوريتهم الثانية بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فاختيار الأغلبية، وإن كان بفارق ضئيل جدا، لمرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، يفترض أن يؤسس لمرحلة انتقالية جديدة في الحياة السياسية المصرية.
هذه المرحلة يكون ركنها الأساسي هو نشوء ومن ثم تكريس عادة الانتقال السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع باعتبارها العلامة الجديدة التي تميز الحياة السياسية المصرية، ومن ثم تشييد البناء الجديد، لا أن تتحول نتائج الانتخابات الرئاسية إلى بداية لتأسيس دولة مستبدة عمادها امتلاك الحقيقة المطلقة وفرض الأجندات الفكرية والدينية على باقي مكونات المجتمع المصري السياسية والاجتماعية.
ففوز الإخوان المسلمين في مصر بمنصب الرئاسة وانتقال قادتهم إلى المراكز القيادية في الدولة المصرية الجديدة بدلا من زنازين السجون التي عجت بأعضاء الحركة على مدى العقود التي تلت تأسيسها، يفرضان على هذه الحركة تغييرا جوهريا وقاسيا، فهي الآن، ممثلة في الرئيس محمد مرسي، مسئولة عن مصالح جميع أبناء الشعب المصري، وكما قال مرسي بعد إعلان النتائج النهائية انه «رئيس لجميع المصريين»، فإن أبناء مصر الذين لا ينتمون إلى جماعة الاخوان المسلمين وأشقائها ولا يؤيدون تولي الجماعة منصب القيادة السياسية لمصر، هؤلاء هم أول من يريد أن يرى الترجمة العملية لقول مرسي على أرض الواقع.
العبرة بطبيعة الحال ليست بالأقوال، فمثل هذه الأقوال الجميلة وغيرها تصدر خلال الحملات الانتخابية لأغراض دعائية، وتصدر أيضا بعد إعلان النتائج تحت وطأة نشوة الفوز، وهناك هواجس ومخاوف لدى الكثير من مكونات الشعب المصري من عدم التزام الجماعة بالوعود التي قطعها مرشحها على نفسه، وهذه الهواجس تستند إلى مواقف سابقة نكثت فيها الجماعة بوعود أطلقتها، مثل عدم الترشح إلى منصب الرئيس على سبيل المثال، بل أن استاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الدكتور جمال زهران يذهب إلى حد القول: إن من سيحكم مصر هو مكتب الإرشاد بالجماعة وليس «مرسي»، وان الرئيس الفعلي لمصر سيكون المرشد الدكتور محمد بديع وليس حزب الحرية والعدالة.
فجماعة الاخوان المسلمين التي يشكل الحزب المذكور ذراعها السياسية، والتي تدين بالولاء لمرشدها، لديها برنامجها السياسي والعقدي ورؤيتها الخاصة لإدارة الحياة في مصر، وهي لا تخفي ذلك، وبالتالي فإنها ستسعى إلى ترجمة هذا البرنامج إلى واقع يعمل الرئيس على تحقيقه، وهذا يعني تهميشا للعديد من مكونات الشعب المصري، وقد يقود إلى إنجاب نظام استبدادي يتخذ من الدين غطاء لتسلطه ومصادرة حقوق المواطنة لمكونات أساسية من مكونات الشعب المصري كالأقباط مثلا أو المرأة وكذلك المنتمين إلى تشكيلات سياسية لها أيديولوجيتها التي تختلف مع الأيديولوجيا الدينية التي تستند إليها الجماعة في تحقيق برنامجها السياسي.
هذه النظرة التشاؤمية والهواجس التي تراود البعض لم تأت من فراغ وهي ليست «وليدة» ردة فعل سلبية على فوز جماعة الإخوان المسلمين بمنصب الرئاسة المصرية، وإنما مردها مواقف معلنة لهذه الجماعة وهي في موقع المعارضة والنضال النظري، أما الآن وقد باتت في قمة الهرم السياسي وعلى عاتق ممثلها تقع مسئولية تمثيل جميع المواطنين المصريين من دون تمييز، أيا كان مصدره، فإنها ستواجه امتحانا عسيرا لا ينحصر فقط في قدرتها على إخراج مصر من الوضعين الاقتصادي والسياسي الصعبين اللذان تسبب فيهما النظام السابق، وإنما في قدرتها على استيعاب مستحقات التعددية السياسية والاجتماعية والتخلي عن هدف قولبة جميع مكونات الشعب المصري وفق الأجندة العقدية لهذه الجماعة.
وبقدر ما أن الجماعة ستستغل نجاحها في الوصول إلى المفاصل الرئيسية في الدولة للترويج لبرنامجها والعمل على تحقيقه، فهي مطالبة بأن تفتح الأبواب على مصاريعها أمام القوى السياسية والمجتمعية الأخرى للترويج لبرامجها والدفاع عن قناعاتها ومعتقداتها الفكرية حتى لو تناقضت كليا مع معتقدات وقناعات الجماعة، لأن من شأن ذلك أن يؤسس قاعدة حقيقية للصراع السياسي السلمي على السلطة ويسلك الطريق نحو انتقالها بسلاسة بين القوى السياسية المتصارعة على الساحة ويقطع الطريق أمام إقامة نظام حكم استبدادي، فهذه مستحقات سياسية في غاية الأهمية وعلى جماعة الاخوان المسلمين أن تبرهن عمليا على استعدادها للتعايش والقبول بمثل هذه المستحقات.