يوميات سياسية
مصر الجديدة والأوهام الإيرانية
تاريخ النشر : الخميس ٢٨ يونيو ٢٠١٢
السيد زهره
لم يكن غريبا ان تلجأ وكالة انباء ايرانية معروفة, هي وكالة فارس التابعة للحرس الثوري، الى الكذب والتزوير وان «تفبرك» حوارا مزعوما مع الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وتنسب اليه تصريحات لم يدل بها اطلاقا. وقد سارعت الرئاسة المصرية فورا بفضح الوكالة واكاذيبها. بل واعلنت الرئاسة امس ان السلطات المصرية سوف تتخذ الاجراءات القانونية ضد الوكالة.
أقول ان هذا لم يكن غريبا لأن هذا هو نهج الاعلام الايراني بصفة عامة.
الاعلام الايراني لا يتورع لحظة واحدة في ان يلجأ الى مثل هذا الكذب والتضليل والفبركة. وقد سبق لي ان عرضت في مقالات عدة في هذا المكان امثلة كثيرة لهذه الاكاذيب واوجه التضليل.
حقيقة الأمر ان الاعلام الايراني يعتبر ان هذا التزوير والكذب امرا عاديا جدا ومقبولا جدا. ليس هذا فحسب, بل انه يعتبر ذلك «مهمة وطنية».
مثلا, حين دأب الاعلام الايراني طوال الاشهر الماضية ويوميا وعلى مدار الساعة, على ترديد الاكاذيب عن البحرين وعن الاوضاع والتطورات فيها, هو لا يعتبر ان في ذلك ما يشين او انه امر مستهجن مهنيا او اخلاقيا. هو يعتبر ذلك بمثابة «مهمة مقدسة» طالما ان هذا يخدم في تصوره الطائفيين الموالين لايران في البحرين, ويخدم الاطماع الايرانية والمشروع الايراني في المنطقة.
وفي هذا الاطار بالضبط نستطيع ان نفهم لماذا تجرأت وكالة الانباء الايرانية ولم تتردد لحظة في الكذب و«فبركة» هذا الحوار المزعوم مع الرئيس مرسي.
هم تصوروا انهم بهذه الكذبة وبالتصريحات التي نسبوها زورا الى الرئيس مرسي يعطون الانطباع العام بأن ما يجري في مصر يسير في صالح ايران, وبأن ايران يتعزز موقفها الاقليمي. اما ان يتضح بعد ذلك انهم يكذبون ويفبركون, فهذا امر لا يعنيهم في شئ.
على العموم, مثل هذا النوع من التفكير والسلوك يندرج في اطار الاوهام الايرانية سواء فيما يتعلق بالاوضاع في المنطقة بصفة عامة, او فيما يتعلق بمصر الجديدة ومواقفها من ايران بصفة خاصة.
إيران تتعلق بوهم كبير هي التي خلقته وصدقته يان التغيرات التي تجري في المنطقة هي «صحوة اسلامية» تستلهم التجربة الايرانية, وتتعلق بوهم ان التغيرات التي تشهدها مصر تخدم ايران واستراتيجيتها في المنطقة.
والحقيقة التي يجب ان تعلمها ايران انه فيما يتعلق بمصر وبسياساتها الاقليمية ومواقفها من ايران والسياسات التي من المتوقع ان ينتهجها الرئيس مرسي, هناك عدد من الثوابت التي تحكم ذلك, في مقدمتها ما يلي:
أولا: ان الرئيس مرسي على علم تام من دون شك بالمحاولات الايرانية لاختراق الساحة الداخلية المصرية مستغلة اوضاع ما بعد الثورة, وهي محاولات تخريبية.
الرئيس مرسي على علم بالطبع بالمحاولات الايرانية لنشر التشيع لاسباب واهداف طائفية سياسية, وهي المحاولات التي تصدى لها الازهر الشريف مؤخرا بحزم تام.
وهو على علم بمحاولات ايران اختراق صفوف قوى سياسية وشخصيات في الحياة السياسية المصرية بالمال ومختلف الاغراءات. وهناك قضية شهيرة معروفة اتهم فيها دبلوماسي ايراني بالقيام بعمليات تجسس وتخريب ومحاولة تجنيد اشخاص في احزاب وقوى سياسية.
بالنسبة الى الرئيس مرسي لا يمكن ان يكون هذا مقبولا ولا شك انه سيتصدى له بحزم. وقد كان حريصا في اول خطاب يوجهه بعد فوزه على تأكيد انه ليس مسموحا لأي قوة بان تتدخل في شئون مصر الداخلية.
ثانيا: انه بالنسبة الى مصر بشكل عام, فان الاولوية الكبرى في علاقاتها وروابطها الخارجية هي للعلاقات والروابط مع الدول العربية الشقيقة.
والرئيس مرسي يعلم تمام العلم بالتأكيد بابعاد التدخل الايراني في شئون دول الخليج العربية ومخططاتها التخريبية واطماعها للهيمنة على مقدرات المنطقة.
ومصر الجديدة وفي عهد الرئيس مرسي لا يمكن ان تقبل بهذا الدور الايراني التخريبي, ولا يمكن ان تقدم على أي خطوة يمكن ان تلحق ضررا بمصالح دول الخليج العربية, ويستحيل ان تفكر في ان تكون علاقاتها مع ايران على حساب امن واستقرار دول الخليج العربية الذي هو في النهاية جزء لا يتجزأ من امن مصر.
ثالثا: ان الرئيس مرسي في خطابه الاول بعد فوزه تحدث عن دور مصر القيادي للأمة الذي قال انه قدر. وهوبالفعل كذلك.
وعودة مصر الى ممارسة دورها القيادي في المنطقة لا يمكن ان يتحقق في ظل الصمت او غض النظر عن دور ايراني يمثل تهديدا للدول العربية.
وبالنسبة الى الرئيس مرسي ومؤسسات الدولة المصرية عموما في العهد الجديد لا يمكن القبول بأطماع او مخططات أي قوة اجنبية مثل ايران او غيرها تهدف الى الهيمنة على مقدرات المنطقة, وعلى حساب مصر ودورها.
والقضية هنا لا تتعلق بالعلاقات الدبلوماسية بين مصر وايران. هذه العلاقات موجودة بالفعل. القضية تتعلق بجوهر الدور الايراني في المنطقة والاطماع الايرانية. وعلى ضوء الثوابت المصرية التي اشرنا الى بعضها, فان مصر الجديدة لا يمكن ان تقبل بالدور التخريبي الايراني ولا بالاطماع الايرانية في المنطقة.
ولهذا, اذا كانت ايران تريد ان تقيم فعلا علاقات طيبة طبيعية مع مصر الجديدة ومع الدول العربية عامة, فعليها بدلا من ترديد الاكاذيب وفبركة الاخبار, ان تكف عن تدخلها في شئون الدول العربية, وان تتخلى عن اوهامها بامكانية فرض اجندتها او تحقيق اطماعها في المنطقة.