الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات


زوال الصورة التشاؤمية عن الثورات العربية في إسرائيل

تاريخ النشر : الخميس ٢٨ يونيو ٢٠١٢



بيروت - من: أورينت برس
حتى فترة قصيرة خلت، اعتبرت اسرائيل ان موجة الربيع العربي لا تصب في خانة مصالحها على الإطلاق، حتى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف الحركات الاحتجاجية العربية بأنها «موجة إسلامية معادية للغرب والليبرالية وإسرائيل والديمقراطية». وهو تفكير كان سائداً في الدولة العبرية حيث اعتبر الكثير من المنظرين أن الأنظمة القديمة في المنطقة سيتم استبدال قوى شعبية ومعادية لإسرائيل بها، وان الوضع سيزداد سوءاً بسبب نشوء قوة الجماعات الإسلامية، حتى بدا أن الإسرائيليين مقتنعون بأن مصر ستخرق معاهدتها معهم، وأن الأنظمة التي لاتزال صامدة ستزداد تأثراً بإرادة شعوبها، ما قد يدفعها إلى تبني مواقف عدائية من إسرائيل وبالتالي ستكون تل ابيب هي الخاسرة الكبرى من الربيع العربي.
أما اليوم، فتظهر وجهات نظر اخرى في اسرائيل تستند إلى المقولة التاريخية ان الدول الديمقراطية لا تحارب بعضها بعضا، وان الدول الديمقراطية لديها من الواجبات الداخلية ما يغنيها عن الدخول في صراعات خارجية مكلفة مع دولة عالية التسليح ولديها سلاح نووي مثل إسرائيل. ومن هنا فإن الدول العربية «الديمقراطية» سوف يكون من مصلحتها أن تمد جسور السلام أكثر من النظم السابقة، التي إما أنها استغلت الحرب مع إسرائيل لتثبيت شرعيتها، كما هو الحال مع سوريا، وإما للاستفادة من السلام والحرب مع إسرائيل فيكون السلام وسيلة للاقتراب من الدول الغربية والحصول على معوناتها، أما الحرب فهي تبقى قائمة بوسائل أخرى باردة.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
فيما يخص القضية الفلسطينية، يعتبر بعض المراقبين الإسرائيليين أن هذه الفترة من الاضطرابات والأحداث غير المتوقعة ليست الوقت المناسب لتقديم التنازلات. في هذا السياق، من هنا اعتبر بعض المحللين الاسرائيليين انه «منذ بدء الانتفاضة في تونس، زادت المشاكل في البيئة الأمنية المجاورة لإسرائيل، وأصبحت فرص السلام التي كانت ضعيفة أصلاً أبعد ما تكون عن الواقع». كما كان هناك تخوف كامل من انهيار نظام حسني مبارك المتفق بل المتناغم مع إسرائيل.
لمصلحة إسرائيل
لكن اليوم تتبدل هذه الصورة في إسرائيل، حيث هناك من يعتبر ان موجة الربيع العربي اتت لمصلحة اسرائيل بعد كل شيء، فهناك عدد كبير ومفاجَأ من الإسرائيليين الذين يعتبرون أن الربيع العربي سيحل مشاكلهم مع الفلسطينيين.
ويرى هؤلاء الاسرائيليون ان «الإخوان المسلمين» بدأوا يسيطرون على مصر، ما يعني أنهم سيكونون مستعدين قريباً لإلحاق غزة بهم، وان هذه الجماعة لن تتردد بتنفيذ تلك الخطوة لأنها لا تواجه أي مخاوف في هذا المجال، على عكس الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي كان يخشى أن يؤدي إلحاق غزة بمصر إلى تعزيز قوة خصومه الإسلاميين المحليين، وبالتالي بحسب رأيهم، فإن اسرائيل لن تضطر بعد ذلك إلى القلق بشأن القطاع الذي انسحبت منه بشكل أحادي الجانب عام 2005، مع أن المجتمع الدولي لايزال يحمل إسرائيل مسؤولية ما يحصل هناك.
وهناك في اوساط اليمين الاسرائيلي من يتمنى ان تمتد الثورات العربية لتصل إلى الاردن بحيث تتم تتغير السياسة في الأردن ما قد يفتح المجال أمام إقامة دولة فلسطينية في الأردن أو إقدام الأردن على ضم المدن الفلسطينية في الضفة الغربية. بحسب رأي هذا المعسكر، لم يعد خيار قيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة أمراً مستبعداً، ولا تحتاج إسرائيل إلى تقديم تنازلات كبيرة كجزء من عملية التفاوض، ويمكن أن يستمر بناء المستوطنات بوتيرة سريعة نظراً لغياب الحاجة إلى بناء كيان فلسطيني حيوي مجاور. من وجهة نظرهم، يبدو أن الربيع العربي يقضي على حل الدولتين.
لا شك أن هذا التحليل ساذج على مستويات عدة. في المقام الأول، من المستبعد أن يوافق الفلسطينيون يوماً على أي من هذه الأمور، كما أن تحليل الوضع في الدول المجاورة ليس دقيقاً بأي شكل، كما انه من غير المرجح تغير سياسة النظام في الاردن.
مزاعم خاطئة
في مصر، لا شك أن «الإخوان المسلمين» كسبوا نفوذا سياسيا متزايدا غداة إسقاط مبارك. قررت الجماعة طرح مرشح للرئاسة بعد النصر الساحق الذي حققته خلال الانتخابات البرلمانية، وهو أمر يتناقض مع استراتيجيتها الأصلية المبنية على مبدأ التدرج السياسي، فاعتبر البعض أن تلك التطورات تعكس جهوداً لترسيخ سلطة «الإخوان» بشكل كامل. استخف المحللون بفرص مرشح «الإخوان» للرئاسة وقللوا من شأن نفوذ الجماعة والدعم الذي تحظى به في أنحاء البلد، وفوجئوا حين حصد مرشحها مركز رئاسة مصر.
لكن نشوء نظام يكون أكثر عدائية لإسرائيل وأكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين ولاسيما حركة «حماس» لا يعني بالضرورة ضم قطاع غزة إلى البلد. يطالب الفلسطينيون بشكل أساسي بقيام دولة فلسطينية مستقلة. أما إلحاق قطاع غزة ببلد آخر، فهو خطوة في الاتجاه المعاكس.
ما من طريقة علمية وموضوعية لمعرفة مدى انتشار هذا الموقف الإسرائيلي الإيجابي عن الربيع العربي، لكن يشير الخبراء والمحللون في إسرائيل إلى أن هذا الرأي يزداد شيوعاً في المجالس الخاصة في أنحاء البلد، لكن على أقل تقدير، انها مفارقة مثيرة للاهتمام أن نسمع أشرس منتقدي الربيع العربي في إسرائيل وهم يهللون للتطورات الناجمة عنه.
وتقول هذه التقارير ان اسرائيل قد تواجه بعض الصعوبات في التعامل مع الانظمة الاسلامية الجديدة، لكن، ذلك سيزول سريعا ولو بشكل تدريجي وسوف تصبح العلاقة كما هو معتاد في العلاقات السياسية بين الدول، علاقة مصالح من الدرجة الأولى، وإسرائيل قادرة على اللعب في هذا الميدان وهي تجيد اللعبة تماما وبكفاءة عالية، وترى هذه التقارير ان لا اساس لوجود تخوف من مستقبل السلام بين مصر وإسرائيل، فمهما كان النظام اسلاميا او ليبراليا او أي شكل كان، فان المصلحة المشتركة للبلدين تفرض عليهما التعاون مع بعضهما بعضا للإبقاء على ثمار وفوائد هذا السلام الذي يسهم في الابقاء على حال الاستقرار في البلدين.
تقارير عبرية
وتخلص التقارير الإسرائيلية إلى القول ان المرحلة القادمة لن تشهد أي خطر عسكري حقيقي على اسرائيل من جانب العرب باستثناء الخطر الذي يمثله «حزب الله» والخطر الذي تمثله ايران. وتجمع هذه التقارير على أن ما يسمى «الربيع العربي» يشكل نعمة لإسرائيل وأن الاخطار الحقيقية قد تلاشت، فالجيش المصري منشغل ويتعرض من أطراف عديدة لمخططات لجره إلى صدامات وصراعات، كذلك، الجيش السوري منشغل في ملاحقة الثوار وقد يقضي الطرفان على بعضهما بعضا، والجيش العراقي منهك، وتقول هذه التقارير إن الاخطار المتبقية التي تهدد الامن الاسرائيلي وبقاء إسرائيل، والتي تتمثل في «حزب الله» والبرنامج النووي الايراني من شأنها أن تتقلص مع انهيار النظام السوري الداعم لها، ومع العقوبات الكثيرة التي فرضت على ايران.
باختصار، يبدو ان الربيع العربي ومستقبل الساحات غير المستقرة في المنطقة مازالا الموضوع الابرز الذي يثير اهتمام الدوائر الاسرائيلية على اختلافها، وتفيد تقارير جديدة ان صبغة التشاؤم من التطورات في الساحة العربية قد تلاشت تماما، وأن المراكز البحثية في مجلس الامن القومي الاسرائيلي في ديوان رئيس الوزراء ترى أن هناك جوانب مضيئة في التغيير الذي يجتاح العالم العربي، وهي جوانب في صالح اسرائيل، وفي المرحلة القادمة وبعد انتهاء حالة عدم الاستقرار تأتي مرحلة النضج الكامل الذي يحمل في ثناياه ثمار تطور العلاقات والبحث عن فتح صفحات جديدة مع إسرائيل، بحسب المحللين الاسرائيليين.