الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٦ - الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٨ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

بريد القراء


إلى جنة الخلد يا قمر





إليك قصة قمرك يا سيدي.. تحت النيران والقصف كانت الفتاة العراقية «قمر» تراجع مادة حقوق الإنسان في اليوم الأخير من اختبارات الثانوية العامة، وبعدها بيومين اعتقل والدها الذي توفي حيث كان، وشاء القدر أن تتحول الضحية من البصرة إلى برلين تبحث عن رزق كتبه الله لها في تلك البلاد البعيدة، كافحت وناضلت وقد حقق لها ذكاؤها وعقلها المتميز نجاحا منقطع النظير في المجال التجاري، وهي الفتاة التي لم تتجاوز عقدها الثاني من عمرها.

لقد كان النجاح كاملا ولكن بفرحة لم تكتمل حيث غزا المذكورة المرض فأحرق بستان شبابها فباتت أسيرة مرض لم ينفك عنها، فأصبحت أرى أمامي شبحا في جسم إنسان نحيل، شاحبة الوجه شاردة الذهن تقضي معظم أوقاتها أمام ورد الياسمين في إحدى زوايا حديقة قصرها المترامي الاطراف.

سبح الحزن على صفحة وجهها وقد جرى سيل دمعها عليه فمحا ما كان فيه من نضارة وجمال وذبل ورد خدها، فما عاد ثغرها تشرق عليه شمس بسمتها.

سيدي.. اصطحبت قمرك إلى المستشفى بعد ان اشتد عليها المرض وبعد مجموعة من التحاليل صعقنا بإصابة القمر بمرض خبيث قد أحاط رأسها وكبدها، وبعدها كنت أراها إما باكية وإما مطرقة برأسها على صدرها منطوية على نفسها تئن أنين الواهلة الثكلى حتى إذا نال منها الجهد أغمي عليها فأتوجع لوجعها وأبكي لبكائها.

حاولت الاتصال بك سيدي إلا أن الوعد الذي قطعته لها حال بيني وبين إفشاء سر مرضها، سيدي.. لقد اشتد المرض على قمرك فأصبحت اليوم في المستشفى تصارع الموت ليس من أجل الحياة بل من أجل لحظة في الحياة تمكنها من أن تقول لك فيها «أحبك».

سيدي، أذكر ونحن في طريقنا إلى المستشفى توقفت قمرك بجوار محل للخياطة دخلنا فيه وفصلت لها «شنيورا» للزواج أملا في أن تتحقق المعجزة فيكتب الله لها ساعات من عمر تجتمع فيه مع من ملك قلبها.. سيدي، أذكر أنها وقبل العملية بدقائق وفي أثناء تخديرها كانت تردد اسمك كثيرا ثم غابت عن الوعي، وبعد فترة وصل الحبيب الغالي إلى برلين وقد سارع الخطى متوجها نحو غرفة قمره وفي الطريق التقى خادمتها التي ملأ الحزن قلبها، فقالت له: اين تريد يا سيدي؟ قال: إِنَّهَا مَرِيضَة وَلابُدّ لِي مِنْ الْمَسِير إِلَيْهَا، فَصَمتَتْ ثُمَّ قَالَتْ بِصَوْت خَافِت مُرْتَعِش: لا تَفْعَل يَا سَيِّدِي فَقَدْ سَبَقَك الْقَضَاء إِلَيْهَا.

أديب البشير

عضو اللجنة الثقافية بمجموعة تواصل



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة