الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


تحولاتُ العاملين بأجرٍ في الخليج (1)

تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



بين عقدي الستينيات والسبعينيات في الخليج ثمة منعطفٌ كبير، فقد كان بيعُ النفط يتملا بأسعارٍ متدنية، في حين حدثتْ الانعطافةُ بين هذين العقدين.
النفطُ بمشتقاتهِ الأولى كان يَنتجُ بنيةً صناعية بسيطة، ثم تحولتْ مشتقاتُهُ إلى موادٍ خام لصناعات جديدة أو إلى وقودٍ لصناعات أخرى، وفي هذا كان تحول من مستوى اقتصادي لمستوى آخر.
في الزمنيةِ الأولى كانت أعدادُ العمالِ محدودة، ومستوياتُ العمال اليدويين أكبر، فيما أدى المستوى التالي لتوسع العمال توسعاً كبيراً، وزادت نسبة العمال غير اليدويين، كذلك اختل الوضع بين العمال الوطنيين والعرب وبين العمال الأجانب.
كما تبدلتْ مستويات الأجور، فارتفعت لدى الفئات الإدارية والفنية، ولم ترتفع كثيراً في الفئات العاملة اليدوية، وظهر عمالٌ أجانب يشتغلون بأجور شديدة التدني.
وفيما حافظت الأجور لدى العمال الوطنيين في الخليج على مستويات متوسطة تتيح إعادة إنتاج العائلات في بيوت صغيرة وشقق وتعليم حتى المرحلة الثانوية، ومستويات خدمات صحية بسيطة، فإن أرباح الشركات النفطية تضخمت بشكل هائل.
تقاسمتْ الأرباحَ الحكوماتُ وإداراتُ الشركات بنسبٍ غير معلنة وغير محددة بدقة، لكن نتاجها كان توسع الأسر السياسية والإدارية والتجارية الكبرى في المشروعات الاقتصادية المختلفة والرفاه المادي لها.
تمثل البحرين نموذجاً مركزياً مكثفاً لدول الخليج العربية، وللعالم العربي كذلك، فهي مرآةٌ تاريخيةٌ لتحولاتٍ في بلدان أخرى ذات مساحات أوسع وعدد سكان أكبر وهياكل اقتصادية أضخم، فقد قامتْ شركةُ النفط فيها بإدخال نظام الأجور بدءًا من سنة 1933، والتي كانت شديدة التدني، ومثّل العاملون في الشركة ما يقارب من 40% من قوة العمل العامة الوطنية فيما بعد الخمسينيات، بسبب الانهيار التدريجي للحرف والغوص، فأدى ذلك لتكون البنية الحديثة المتدرجة. الاعتمادُ على الأجر المنتظم، وتنامي الأسواق، والمرافق العامة والخدمات، شكّل التحديث. لكن أنصبةَ فائض القيمة مختلفة، فقوى الرأسمالية النفطية والحكومية حصلت على ثلثي الدخل المستقطع للبلد، في حين كان الثلث الباقي للأجور والأغلب من الحصص لشركة النفط الأمريكية.
ضخامةُ حضور عمال النفط ودور أجورهم في الحياة الاقتصادية للناس تتجلى في الأزمات المحورية للبحرين في سنوات 54 و56 من القرن العشرين فبسبب ضعف أجورهم أو تسريح أعداد كبيرة منهم كان المجتمع كله يتأثر ويثور.
تشكل القطاعان العام والخاص في تركيبةِ سوقٍ غيرِ ملتحمةٍ بنيوياً، فالقطاعُ العامُ غدا هو حجر التطور المستند إلى فائض معين من الفائض النفطي الواسع، فيما كان الثلثان يساهمان في القطاع الخاص بأشكال مختلفة. لهذا كان حراكُ الفئات العليا المعيشي أكبر بكثير من حراك الفئات الدنيا.
ففيما كانت أجورُ العمال تعيدُ إنتاجَ هذه الطبقة في مستوى معيشي بسيط، كانت الأرباح توسعُ الاستهلاكَ العادي والبذخي، وتطورَ الرساميل الخاصة.
فبعضُ محطاتِ توزيع مشتقات النفط كالبنزين تُعطى لتاجر، أو أن بعض التجار يُعطون مقاولات مرتبطة بشركة النفط، فيما بعد يستغلُ هؤلاء التراكمات النقدية في إنشاء بنى تجارية مختلفة: بنوك وصرافات وعقارات وغيرها.
ومن الواضح هنا أن الحياة الاقتصادية تتوجه لتلبية الاستهلاك، خاصة في المرحلة الأولى من تطور السلعة النفطية، بدءًا من الاستهلاك الشخصي العادي وهو يتركز على العمال، وتظهر لحاجاتهم دكاكين وأسواق أكثر مما كان سابقاً، فالبضاعة الحديثة تتغلغل في شرايين المجتمع. كما أن الاستهلاك البذخي ينشىءُ البيوت الفخمة واستهلاكها الذي ينفتح أكثر على السوق العالمية ويجلبُ البضائعَ المعمرة.
وكما يؤدي ذلك لتطور جماعات البنية الاجتماعية من بحارة ومزارعين وأغنياء كطواشين وملاك عقارات وتجار، وتبدلها عبر الزمن بتحول البحارة والمزارعين لعمال وموظفي دولة، وإلى اتساع الفئات الوسطى والعليا الحديثة المتزايدة الحضور والتنوع، حسب نمو المداخيل النفطية.
لكن طبيعة المرحلة الأولى، مرحلة المادة النفطية الخام المحدودة المشتقة، تجعل الصناعات نادرة، فيما تقوم المرحلة الثانية حيث تكثرُ الموادُ الخامُ النفطية وعمليات تحويلها وتصنيعها بتوسع الحياة الاقتصادية مرتكزة على المواد الخام وكأنها حبل الأسرة للتطور كله.
هذه تؤدي لزيادة الدخول بصورة كبيرة للفئات العليا وتبدل الكثير من الجوانب الاقتصادية في المجتمعات غير أنها لا تبدلها بشكل نوعي مختلف تماماً عن المرحلة السابقة.