الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


دور المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية

تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢



لا جدال ان لمؤسسات المجتمع المدني، دوراً كبيراً مؤثراً في تعزيز إرساء مفاهيم الديمقراطية في المجتمعات، والدول الديمقراطية تولي لمثل هذه المؤسسات عناية فائقة، كونها تُمثل إحدى الأدوات الداعمة لمسيرة الديمقراطية.
وهناك جدلية مطروحة، بين المجتمع المدني والديمقراطية، وحقيقة، فإنهما هما اللذان ينهضان بواقع المجتمع نحو التمدن والتحضر، ويرى كثيرون ان النظام الديمقراطي أسبق، من مؤسسات المجتمع المدني، كما يرى بذلك المفكر محمد أركون، ومحمد عابد الجابري، فهو يضع تكوينات مؤسسات المجتمع المدني وهياكله وتنظيماته.
وبالجملة، فإن فكرة المجتمع المدني، مقترنة، أو هي نتاج الفكر السياسي الفلسفي الغربي. وقد اشتهر به روسو (1712 - 1778)، وهويز (1588 - 1679)، ولوك (1632 - 1704)، وغيرهم من المفكرين، والذين نظروا لجملة من المفاهيم السياسية والفلسفية تحت ما يسمى بـ (العقد الاجتماعي). (العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية، شريف هزَّاع شريف).
وقد تكون الجمعيات والمراكز والنقابات وغرف التجارة، هي المكون الرئيسي لمؤسسات المجتمع المدني، وهي في الأغلب الأعم منظمات غير حكومية، تهدف في المقام الأول إلى الخدمة التطوعية غير الربحية.
إذا كانت هذه المؤسسات مطلوبة، فما الهدف من وجود هذه التنظيمات؟
إن وجود مثل هذه المنظمات، ضروري جداً، وخاصة مع تزامن هذه التنظيمات بالحالة الديمقراطية، فالدعوة إلى مجتمع مدني بمؤسساته، خلاصته تمكين هذه المؤسسات في تحمل مسئولية إدارة دفة المجتمع والنهوض به حضارياً.
على أنه ثمة تيارات قد تُنفر من العمل السياسي المنظم، وخاصة مع أفول بريقه، بانعدام التنظيمات السياسية الحزبية المنظمة، وهي تدعو وترحب، وتتجه نحو (العمل الجمعوي).
بدايات بوادر نشأة مؤسسات المجتمع المدني بوطننا العربي، قد تكون منذ أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين - بحسب بعض الباحثين - حيث نشأت تشكيلات النقابات المهنية العمالية، والجمعيات التطوعية التعاونية، وكذا الأحزاب السياسية، وغيرها من التنظيمات التي تدخل في منظومة مؤسسات المجتمع المدني.
على أنه مع انحسار الحرب الباردة، فقد تزايدت وتيرة تزايد أعداد المنظمات غير الحكومية، في أكثر البلدان العربية، وقد تكون جزءا من ظاهرة دولية، برزت على السطح وخاصة مع حقبة التسعينيات. (المجتمع المدني في العالم العربي، الواقع والمعوقات، عبدالله تركماني).
وبنظرة فاحصة لتحليل واقع الحال، في الحراك (الجمعوي) و(المؤسسي المدني) في بلداننا العربية، فإنها تمر بمعوقات أساسية، أهمها ضعف شعبيتها في الشارع العربي، وانعزالها، وعزوف الجماهير عن الانخراط بها، نتيجة للأوضاع السياسية، أو للمخاوف، أو الانشغال بتأمين متطلبات المعيشة والحياة.
ومنها افتقار تلك المؤسسات للعناصر القادرة والفاعلة، التي تتميز بالمهارات المتخصصة العالية، علاوة على وجود عقبة عدم التفرغ للعمل التطوعي، قد أفضى إلى كثير من العناصر، إلى الانسحاب أو الاعتذار في المواصلة في هذه الأنشطة. (المصدر السابق).
والديمقراطية الحقة، إنما تتعزز أكثر، بوجود مؤسسات مجتمع مدني فاعلة، فلا تحقيق لديمقراطية، من دون وجود هذه المؤسسات، فالمجتمع المدني والديمقراطية وجهان لعملة واحدة.
وإنه من الممكن أن يلعب المجتمع المدني، دورا كبيرا في ظل علاقته بالأنظمة الديمقراطية، وذلك من خلال عدة وظائف يقوم بها.
(منها)، العمل الجمعي للمصالح المشتركة، فإنه من الممكن التنسيق مع مختلف التكوينات، لتكوين رؤية جماعية حول القضايا الجماهيرية المفصلية، وبالتالي تكون لها الأولوية للعلاج ولوضع الحلول.
ومنها: المساهمة في حلحلة بعض المشكلات، وحسم بعض الصراعات، وذلك عبر الحوار البناء، والنقاش المفضي إلى نتيجة ما، من دون استخدام أساليب التصعيد، أو العنف، أو استعمال القوة، وغيرها من الأساليب غير الحضارية.
فقضايا مثل البطالة والفقر وأساليب عنف الشباب، كلها قضايا ساخنة، ممكن تناولها عبر أروقة مؤسسات المجتمع المدني، للوصول إلى رؤية توافقية بشأنها.
ومنها نشر ثقافة الديمقراطية، ولعلها الوظيفة الكبرى، لما ينبغي أن تقوم به من مهمات ووظائف، فقيم الحوار ومفاهيم التسامح، وانتهاج الحلول السلمية، ونبذ العنف بجميع أشكاله، وتعزيز المواطنة، والولاء للوطن، كل هذه المفاهيم، يجب إشاعتها وإبرازها في المجتمع، وهذه نقطة جوهرية، تسعى جميع الجهات التطوعية إلى اقتناصها، والعمل بشأنها.
ومنها صنع كوادر مؤهلة، منوطة بقيادة الوطن نحو الأفضل، فتستطيع هذه المؤسسات، عبر خبرتها وحنكتها، أن تخلق قيادات شابة جديدة، تساهم في البناء الديمقراطي للبلد، وكثير من الكوادر الشابة المؤهلة البارزة الآن، هي من رحم (المؤسسات المجتمعية)، أو هي صنيعة الجمعيات. (العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية، حازم يحيى).
وإنه لمن دواعي الفخر، أن يكون للبحرين، سبق الريادة، لكثير من المؤسسات الأهلية التطوعية، التي كان تأسيسها في مواعيد مبكرة جداً.
ومع التقدم الإصلاحي الكبير، فإنه قد نشأ الكثير من المؤسسات الدستورية، والمؤسسات الحقوقية الأهلية، وشهدت المملكة طفرة كبيرة في نمو وتزايد المؤسسات المجتمعية الأهلية، علاوة على تهافت العمال لتأسيس كيانات نقابية بشأنهم.
ويمكن القول إن تزايد وتيرة إنشاء هذه المؤسسات، قد تناغم وتواكب مع أجواء الإصلاح والحريات العامة، التي كانت ضمن باكورة الحركة التطويرية التجديدية، والتي دشنها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى.
والنقطة المهمة، التي ينبغي أن نشير إليها في بحثنا هذا، ما قام به بعض الجمعيات والمراكز، من جهود حثيثة، من باب المشاركة الجماعية، لحلحلة بعض المشكلات والأزمات، عبر إقامة الندوات المتخصصة، والمحاضرات، أو ورش العمل، أو الملتقيات العلمية، وغيرها، وهي مشاركات تعكس الحس الوطني، والواجب القومي تجاه الوطن والشعب.
والخلاصة، ان علاقة مؤسسات المجتمع المدني، بالديمقراطية، هي علاقة تكاملية، لا يستطيع أي طرف، أن ينفك عن الآخر، علاقة مصالح مشتركة، في المحصلة، تعود بالنفع وبالخير العميم على الوطن والشعب بأسره.
.moc.liamtoh@46REDIAH-S