الجريدة اليومية الأولى في البحرين


التحقيقات


الإدمان على المخدرات

تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢



أصبحت المخدرات كارثة حقيقية تهدد العالم اجمع، إذ تشير الإحصاءات التقديرية على مستوى العالم ان متعاطي المخدرات عن طريق الحقن بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالايدز والعدوى بفيروسه، لسنة 2010 وصل إلى حوالي 16 مليون، ويبلغ عدد المتعايشين مع فيروس الايدز 3 ملايين متعاطي مخدرات بالحقن، ويحصل 5% فقط منهم على خدمات الوقاية من فيروس الايدز.
وتكمن المأساة في خطورة انتشار الايدز والتهاب الكبد الفيروسي (ب وج) بين مدمني المخدرات، نظرا إلى أن بعض الدول كمملكة البحرين تمنع بيع الإبر في الصيدليات، مما يؤدي إلى ان يستخدم الإبرة الواحدة أكثر من متعاط، واغلبهم يحصلون عليها من مخلفات المستشفيات أي تكون بالفعل حاملة للعديد من الفيروسات والميكروبات، وبالطبع يتشارك في استخدامها أكثر من فرد من دون التفكير في مجرد غسلها أو تطهيرها، لان المدمن لا يكون في حالة تسمح له بالتفكير السليم كي يقي نفسه من الإصابة بفيروس الايدز أو الكبد الوبائي الذي قد تحمله له هذه الإبرة المتعددة المستخدمين، مما قد يؤدي إلى إصابة الزوجة بهذا المرض وأيضا الأبناء والمقربين، وتتسع الدائرة ولا يعلم إلا الله كيف يمكن تداركها.
ويعود ذلك إلى أن متعاطي المخدرات لا يحصلون على الخدمات الوقائية والعلاجية، بالإضافة إلى تعرضهم إلى تهميش ووصم المجتمع لهم، إذ يتم النظر إليهم على أنهم مجرمون وليسوا مرضى يحتاجون إلى من يلفت أنظارهم إلى أنهم يعانون من مشكلة الإدمان ويجب ان يلجأوا إلى العلاج للتخلص منها.
وفي عام 2008 تم إنشاء شبكة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للحد من مخاطر استخدام المخدرات، بدعم من منظمة الصحة العالمية وجمعية )sosorD( السويسرية، وتهدف الجمعية إلى التوعية بأهمية توفير أدوات معقمة لمدمني المخدرات لحمايتهم من الإصابة بوباء الايدز والتهاب الكبد الفيروسي (ب وج) استعدادا لاكتساب ثقتهم ومن ثم توجيههم للخضوع للعلاج بالامتناع عن التعاطي ثم التعافي من الإدمان.
وتستهدف الشبكة حماية عدة دول عربية وهي لبنان، مصر، سوريا، الأردن، فلسطين، سلطنة عمان والبحرين، بنشر ثقافة الحد من مخاطر استخدام المخدرات باعتبارهم من أكثر الدول معاناة من خطر الإدمان.
ومملكة البحرين على الرغم من صغر مساحتها وقلة تعدادها سكانها، إلا أنها تضم عددا لا بأس به من متعاطي المخدرات عن طريق الحقن، وجميعهم يبدؤون السير في هذا الطريق بنفس الخطوات التي لا تتغير، إذ يبدؤون بتدخين السجائر ثم شرب الكحوليات فالحبوب المخدرة وينتهي بهم المطاف مع ابر الهروين، والمشكلة ان مريض الإدمان لا يعلم انه يعاني من مشكلة، بل لا يقتنع بأنه مدمن مسلوب الإرادة أمام المخدر، ولكنه مقتنع بأنه يمتلك إرادته ويستطيع بها التوقف عن التعاطي وقتما يشاء وانه يستمر في هذا الطريق بإرادته الكاملة، والسمة التي تميز هذه الفئة هي توجيه كامل ذكائهم للحصول على المخدرات، فهي شغلهم الشاغل ولا يوجد ما يجذب ولو جزء يسير من اهتمامهم سوى كيفية الحصول على الجرعة التالية.
وحاليا أصبح مريض الإدمان يجد الرعاية الكاملة في المصحات الخاصة الموجودة بمملكة البحرين بداية من مساعدته بالعقاقير الطبية البديلة كي يتخلص من آثار المخدر خلال فترة الامتناع عن التعاطي وانسحاب المخدر من جسده، ثم علاجه نفسيا للتعافي من الإدمان، وفي هذا السياق كان لـ «أخبار الخليج» وقفة مع جمعية التعافي من المخدرات والتي تقدم كل الخدمات التي تصل بمريض الإدمان إلى ان طريق الشفاء نهائي، ومن دون مقابل مادي إذ تقدم الإقامة والعلاج والعقاقير الطبية مجانا، ولكن للأسف هناك الكثير من المشاكل التي تعرقل مسيرتها وتجعلها لا تستطيع العمل بكامل طاقتها لخدمة اكبر عدد من المرضى، وخلال السطور التالية سوف نلقى الضوء على هذه المشاكل وكيفية تذليلها وأيضا على قصص بعض المرضى ورأيهم فيما يقدم لهم من علاج.
أصدقاء السوء
كانت البداية مع شاب، قد تركت المخدرات آثارها على ملامحه إذ يبدو اكبر من عمره الحقيقي، بدأ قصته قائلا: بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة خرجت للاحتفال مع أصدقائي وكانت المرة الأولى التي احتسي فيها البيرة، وكان من المفترض ان نسافر للدراسة في الخارج ولكني تأخرت لظروف عائلية وسافر أصدقائي، فتعرفت على أصدقاء جدد، وبدأت معهم بتدخين الحشيش الذي تطور إلى الحبوب المهدئة، وسافرت للدراسة وسارت الحياة بشكل طبيعي إلى ان أنهيت دراستي وعدت لتسلم وظيفتي، وأصبح لي مركز مرموق وراتب جيد، والتقيت بأصدقاء السوء واستأنفت علاقتي بهم وهذه المرة تعرفت على الهروين لأن الحشيش لم يعد يكفيني، وأنا بطبعي لدي حب استطلاع فاندفعت في التجربة، وسرت في الطريق الذي لا رجعة فيه، وبالتدريج خسرت عملي ولم اعد امتلك نقودا فسرت في طريق الاتجار، إلى ان تم القبض علي، وبقيت في السجن مدة ثلاثة أسابيع، تحملت فيها آلام أعراض الانسحاب التي لا تحتمل، وكان طبيب السجن يعطيني مهدآت كعلاج من مرض الإدمان، ثم أفرج عني بعد ثلاثة أسابيع لعدم كفاية الأدلة، وخرجت من السجن لاحتفل بجرعة هروين، وعدت إلى الطريق نفسه، وكنت احصل على النقود من الأسرة، ثم التحقت بعمل جديد، وخفت من ان يقبض علي فاستبدلت الهروين بالكحوليات ولكني عدت إليه بعد ان أعطاني صديق قابلته بالصدفة جرعة هروين، وعدت إلى طريق الضياع مرة أخرى وتركت بيت أسرتي وسكنت بمفردي وأصبحت بلا عمل.. بلا أسرة.. بلا استقرار.. وفي يوم كنت جالسا مع احد الأصدقاء، وهو من أخبرني بوجود مصحة يمكنها علاجي، فاتصلت بهم وذهبت للعلاج وبعد مرور ثلاثة أشهر انتكست لأني لم استسلم للعلاج، وخرجت من المصحة، وبعد مرور فترة اتصل بي أحد زملائي المتعافين واخبرني بوجود مصحة يمكنني ان ابدأ علاجي بها، ولكني لم أعره اهتماما إلى ان حدث ما أفاقني وأعادني إلى الطريق السليم، وذلك عندما وجهت لي والدتي وأشقائي سؤالا بسيطا وهو «إلى متى؟»، وبالفعل فكرت كثيرا ووجدت الحل في التعافي من هذه الآفة التي حطمت مستقبلي ونفسية عائلتي، واتصلت بزميلي المتعافي وسألته عن المصحة فحضر إلى البيت واصطحبني إليها وحاليا أتلقى العلاج منذ حوالي شهر.
مريض الإيدز
شاب آخر لا تختلف بداية قصته كثيرا عن سابقه، إلا في أن عائلته طردته من البيت عندما علمت بتعاطيه الهروين فذهب للسكن مع صديقه المدمن، وكانا يتعاطيان المخدر بإبرة واحدة وعندما قبض عليه وتم التحليل له، أظهرت النتيجة انه حامل لفيرس )BIH( وعلم ان صديقه مريض بالايدز ولم يخبره بذلك، وقد سامحته عائلته ولكنه خاف بعد خروجه من السجن على أبنائه من انتقال العدوى إليهم، فقرر عدم العودة، وهو إلى الآن يعيش مع أصدقاء السوء يتاجر بالمخدرات... ويتعاطى الهروين، ويتعايش مع المرض، وينتظر ان يموت بجرعة زائدة أو يقبض عليه مرة أخرى.
أما هذا الشاب فهو من احد الدول الشقيقة، فضل ذويه إحضاره إلى البحرين للعلاج، وقد بدأ بتدخين السجاير وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان يشعر بالفخر وبأنه أصبح رجلا ويحرص على ان يراه اكبر عدد من الأصدقاء وهو ممسك بالسيجارة، وكانت هذه بداية الانحدار الأخلاقي إذ بدأ يهرب من المدرسة وتعرف على شباب يشربون الكحول وزاد هروبه إلى ان تم فصله، وعلم ذووه وبدؤوا يضيقون عليه الخناق إلى ان اقترح عليه احد الأصدقاء استبدال الكحول بالحشيش لأنه بلا رائحة، وبالفعل بدأ يستعذب إحساس المخدرات، وبعد حصوله على شهادة إتمام المرحلة الثانوية، شعر بفراغ وبدأ يندمج أكثر مع الشباب، وكان يراهم يستخدمون الإبر ولكنه لم يفكر في انه سوف يصل يوما إلى هذا الطريق، وفي يوم لم يجد الحشيش فعرضوا عليه تجربة إبرة الهروين، وفقد الوعي بمجرد دخولها إلى عروقه، وعندما استعاد وعيه وجد نفسه أمام بيته في السيارة مع صديقه ولم يجد هاتفه ونقوده، واكتشف انه سرق، ودخل البيت متعبا واتصل بصديقه ليسأله عن أغراضه ولكنه أنكر انه يعرف عنها شيئا وقد علم فيما بعد ان صديقه هو من سرقه.
الجرعة أهم
ويكمل قصته قائلا: لم اهتم بما سرق مني ولكني كنت أفكر في جرعة اليوم التالي وكان صديقي يعطيني مجانا مدة ثلاثة أسابيع ما احتاج إليه من هروين، وفي يوم استيقظت من النوم على الم شديد في جسدي وبرودة وقشعريرة وزكام وعرق غزير، ووصفت لصديقي حالتي فاخبرني ان هذه أعراض الانسحاب التي حدثني عنها وإنني يجب ان اتعاطى الجرعة للتخلص من هذه الآلام، ولكني يجب ان احضر ثمن المخدر لأنه لم يعد يمتلك نقودا، وحصلت من أهلي على ما أريد لأنهم لم يكونوا يعلمون عني سوى انني ادخن السجائر، واستمر الحال فترة حتى بدأ أهلي يشكون في وامتنعوا عن إعطائي ما أريد، فبدأت بسرقة الأشياء الثمينة، وفي يوم سقط في حمام البيت اثر جرعة زائدة ووجد أهلي الإبرة والبودرة بجواري وعلموا كل شيء، وبدؤوا في علاجي بأحد المستشفيات، وكنت احصل على علاجي من الحبوب المهدئة واطحنها مع المخدر وأتمادى في التعاطي إلى ان تم القبض علي من قبل دورية الشرطة وأنا متلبس بالتعاطي، ومكثت شهرا في السجن، ثم خرجت للتعاطي، وقرر أهلي تسفيري إلى الهند للعلاج النفسي، وعدت متعافيا ومعي علاج يكفيني فترة من الزمن حتى يتم شفائي ولكني لم أكن اتعاطى العلاج بل اجمعه وأقوم باستبداله مع التجار مقابل البودرة، إذ كانوا يعطونها للشباب قبل الإبرة لتعطيهم إحساسا أفضل، وعلم والدي بما افعل وضربني ضربا مبرحا ولكني لم اتعظ وفي يوم كنا نتعاطى وسقط احد أصدقائنا وذهبنا به وألقيناه أمام بيته وعلمنا في اليوم الثاني أنه مات بجرعة زائدة وأصبنا بتأنيب ضمير لشعورنا بأننا السبب ولكننا لم نعتبر من هذا الذي حدث، وفي اليوم التالي تعاطينا ثم بدأت أسافر إلى تايلاند كثيرا بذريعة العلاج، وكنا نذهب إلى المصحات أياما معدودة نشبع أجسادنا بالحبوب ثم نخرج للبحث عن نوع مخدر آخر لم نجربه، ثم قبض عليّ بعد ذلك أكثر من مرة وسجنت فترات متفاوتة، وكلما انتهيت من فتره سجن أعود إلى التعاطي ثم إلى السجن مرة أخرى، وفي يوم لم نكن على طبيعتنا، سرقنا بطاقة ائتمان وكان رقمها مكتوبا معها، وسرقنا سيارة وذهبنا إلى الصرافة وسحبنا الحد الأقصى للسحب وذهبنا للبحث عن المخدر، وبعد شهر قبض علينا بتهمة السرقة وإلى الآن في انتظار الحكم في القضية، وجاء بي أهلي إلى البحرين عندما علموا بوجود هذه المصحة لتلقي العلاج وأنا حاليا أشعر بتحسن كبير مع ممارسة الأنشطة والعلاج النفسي، وقد انتهيت من الخطوة الأولى وبدأت في الثانية.
الموت 3 مرات
شخص آخر لا تختلف قصته كثيرا عن سابقيه فهو في التاسعة والعشرين من عمره يتعاطى منذ عشر سنوات، يروي قصته قائلا: بدأت بالكحول والحبوب ورغم كرهي للدراسة حصلت على الثانوية العامة، ثم تعرفت على شباب يتعاطى الحشيش وظل خياري المفضل أربع سنوات، إلى ان التقيت بشباب يتعاطى البودرة، وفي مرة قررت ان أجرب وبعد أول إبرة لم اعد اكتفي بالكحول والحشيش، ولكني كنت أتناولهما مع الهروين وتسلمت وظيفة جيدة وقررت ترك المخدرات ولكني وجدت زملاء العمل يتعاطون، وعدت للتعاطي معهم، ثم قبض عليّ واثبت التحليل أني أتعاطى حشيشا ومورفين، ورفدت من عملي وسجنت 6 أشهر، وتعرفت في السجن على متعاطين وعلموني كيف يهربون المخدرات من الخارج إلى البحرين للاتجار، وبعد ان خرجت من السجن بدأت أسافر لإحضار المخدرات، بغرض الاتجار كي أوفر الجرعة اللازمة، وبعد خمسة أشهر قبض عليّ في قضية بيع مواد مخدرة وحكم علي بالسجن سنة وتعرفت على تجار بداخل السجن وزادت معلوماتي عن كيفية جلب المخدرات، أمضيت السنة وخرجت للاتجار وبعد ثلاث أشهر قبض عليّ مرة أخرى، وهذه المرة كان الحكم بالحبس عامين، وبين هذه الفترات كنت ادخل مصحات ولكني لم أكمل البرنامج وكنت أعود للاتجار والتعاطي، وأكملت فترات العقوبة بالكامل.. وآخر مرة خرجت من الحبس إلى التعاطي مباشرة قبل ان اذهب إلى أهلي، وتعرضت للموت ثلاث مرات اثر الحقن بجرعة زائدة، ثم قررت الامتناع بعد ان نجاني الله سبحانه وتعالى في المرة الثالثة، وقررت العلاج وعلمت بمكان المصحة والتحقت بها، وبعد مرور شهر خرجت لأول إجازة ولكني انتكست، وصممت على العلاج وحاليا أنا أفضل كثيرا وسوف أكمل العلاج إلى ان انتهي من الاثنتي عشرة خطوة.
جمعية التعافي
وكان لنا لقاء مع المدير التنفيذي لجمعية التعافي من المخدرات خالد محمد الحسين لمعرفة ما يقابلهم من مشاكل وإلقاء الضوء على آلية العلاج بالمصحة فقال: في البداية يجب ان يعلم الأهل ان ابنهم مريض وليس مجرما، وان يقنعوه بضرورة الخضوع للعلاج، وذلك بإيضاح سلبيات التعاطي وكيف كان وعلى ماذا أصبح، وبيان مدى خسارته، وان يكون لدى الأسرة ثقافة توعوية عن هذا المرض، وكيفية إيصال معلومة وجود مراكز لعلاج الإدمان بطريقة آمنة من دون الشعور بأي ألم أثناء فترة انسحاب المخدر من جسد المريض، إلى ان يتخلص من الإدمان وينخرط في المجتمع، وإذا لم يستجب المريض لذويه فعليهم بالاتصال بنا وسوف نصل إليه عن طريق احد المدمنين المتعافين لإقناعه بجدوى وأهمية العلاج، نظرا إلى أن المدمن لا يثق سوى في المدمن وجميعهم تقريبا يعرفون بعضهم البعض وخاصة ان البحرين بلد صغير.
تعديل السلوك
وعن الخدمات التي يقدمها المركز يقول الحسين نبدأ بعرض المريض الذي يمر بأعراض انسحاب على الطبيب المختص الذي يساعده بعقاقير طبية فترة تتراوح بين خمسة أيام إلى أسبوع كي يتخطى هذه الفترة من دون الشعور بأي ألم، ثم يبدأ في الدخول بالبرنامج التأهيلي، وهو تغير السلوك السلبي بالايجابي وتغير نمط التفكير، إذ كان يركز كل ذكائه في التفكير بكيفية جلب وتعاطي المخدرات إلى التفكير في التعافي، ويسير على نظام في النوم والاستيقاظ وتناول الطعام وحضور المحاضرات اليومية.
ويكمل: وهناك محاضرات تثقيفية عن مرض الإدمان، ومسبباته والتعامل معه، وكيفية تحديد مشاعره ومهارة إدارة الغضب لأنها سبب الانتكاسة، ولم نغفل الأنشطة الترفيهية كالشواء على الشاطئ وتنظيم رحلات العمرة بالتعاون مع مجمع الأمل بالدمام، هذا بالإضافة إلى تنظيم نشاط اجتماعي كخدمة المساجد من تنظيف وغيره، وزيارة المرضى والأهل بعد مرور أسبوعين من التحاق المريض بالمصحة، ويسير المريض على برنامج المدمن المجهول المكون من اثنتي عشرة خطوة، وبداية العلاج الابتعاد عن «الأشخاص والأماكن والأشياء» أي أصدقاء السوء، والأماكن التي تذكره بالتعاطي، والأشياء الخاصة بالتعاطي، ومع الالتزام بالخطوات والبرنامج يتماثل للتعافي ويستطيع الانخراط في المجتمع مره أخرى.
بعض الدول تمنع بيع الإبر للحد من التعاطي.. فهل يجدي ذلك؟
مريض الإدمان لا يوقفه شيء عن التعاطي، وعدم توافر الإبر لا يستوقفه كثيرا فهو يستخدم الإبر مع زملائه مما يساعد على انتشار مرض الايدز والكبد الوبائي، فالمدمن في الأساس مريض ولكنه لا يعلم بمرضه أو بحجم المشكلة التي يعانيها، وبالتالي فهو لا يفكر في التخلص مما هو فيه، ولذلك أرى ان توفير الإبر للمريض في مكان محدد يتردد عليه يوميا للحصول على الإبرة كي لا يصاب بالايدز شيء جيد، لأن تردد المريض على هذا المكان يجعله يثق فيمن يتعامل معهم حتى يستطيعوا اجتذابه إلى طريق العلاج.
تحليل الإيدز
وعن المشاكل التي تقابلهم وطلباتهم من الحكومة يقول: من اكبر المشاكل التي تقابلنا عدم وجود أماكن مخصصة لتحليل فيروس الايدز لمرضى الإدمان مع بداية العلاج كي يتم تهيئتهم للتعايش مع المرض، فلدينا بعض الشباب تعافوا تماما من مرض الإدمان ثم ذهبوا لإجراء تحليل الزواج واكتشفوا أنهم مصابون بالايدز مما أدى بهم إلى الانتكاسة والارتماء مرة أخرى في طريق المخدرات، وللأسف فالفحوصات الخاصة بالمدمنين لا تجرى إلا في وزارة الصحة (الطب النفسي) مما يصعب علينا الأمر بشكل كبير.
وفي ختام حديثه يقول المدير التنفيذي لجمعية التعافي من المخدرات خالد محمد الحسين: أحب ان أؤكد ان الجمعية تقدم جميع الخدمات إلى مرضى الإدمان بالمجان تماما، وتدعمنا ماديا ومعنويا جمعية العائلة البحرينية من خلال قسم بشائر الأمل، هذا بخلاف أهل الخير وكذلك وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، ومن خلال منبركم ننتهز الفرصة ونقدم لهم الشكر الجزيل على ما يقدمونه إلى أبناء الوطن في سبيل تلقي العلاج المناسب، ويشير الحسين إلى أنهم يستقبلون الفتيات في المصحة بالدمام حيث يتم توفير سكن لهن فترة تتراوح من 3 إلى 6 أشهر وتشرف على علاجهن مرشدات.
أستراليا
أما العضو بمجلس النواب حاليا ورئيسة اللجنة الوطنية لمكافحة الأمراض التناسلية والايدز سابقا الدكتورة سمية الجودر فتقول: أثبتت الإحصاءات خلال السنوات الخمس الأخيرة ان 50% من مرضى الإدمان أصيبوا بالايدز بسبب المشاركة في استخدام الإبر الملوثة، والـ 50 الباقية بسبب تعدد العلاقات الجنسية، وعندما درسنا سلوك المتعاطين وجدنا ان علاقاتهم الجنسية كثيرة، ولذلك فهم عرضة أكثر من سواهم للإصابة بالايدز، وفي البداية نحثهم على التوقف عن التعاطي تجنبا للإصابة بالايدز، وإذا لم يمتثلوا نحثهم على عدم استعمال الإبر المستخدمة مسبقا أو على اقل تقدير يقومون بتطهيرها، والاستماع إلى هذه النصيحة يتوقف على حالة المريض وقتها وإلى أي مدى يحتاج إلى الجرعة حتى يبدأ إحساسه بالأعراض الانسحابية، وهل يستطيع الانتظار إلى ان يقوم بتطهير الإبرة أم لا، فهم لا يهتمون إذا ما ماتوا بجرعة زائدة أو أصيبوا بالأمراض فحالتهم لا تسمح لهم بالتفكير في المخاطر.
وعن توفير أدوات التعاطي من ابر وعوازل طبية وما إلى ذلك تقول الجودر: أول دولة قامت بهذا المشروع هي استراليا مع بداية الثمانينيات، إذ طلبت من المتعاطين تسجيل أسمائهم في اقرب مركز صحي لمنازلهم، لتزويدهم بالواقي الذكري، والإبر النظيفة والعلبة الصفراء لإلقاء الحقنة بعد استخدامها بطريقة آمنة، وبعد انتهاء مجموعة الحقن يذهب المريض إلى المركز لإعادة العلبة الصفراء وبها الحقن المستخدمة ليحصل على الإبر الجديدة، وبعد هذه الاستراتيجية بفترة درسوا ما وصلت إليه الأحوال وهل زادت نسبة الأمراض أم لا، فوجدوا تراجعا في نسبة الإصابة بالكبد الوبائي والايدز، وهنا انتهوا إلا أنهم لا يروجون للتعاطي ولكن يحدون من انتشار هذين المرضين.
هل تعتقدين أن بإمكاننا تطبيق هذا النظام في مملكة البحرين؟
في دولنا العربية يرون ان هذه الاستراتيجية تعد بمثابة الترويج للمخدرات والعلاقات الجنسية، وهذا هو السبب في أننا لم نطبق هذا النظام، وعلى مدار عملي بوزارة الصحة وأنا في صراع مع الوزارة لتوفير الإبر، ولكنهم ينظرون إليها على أنها ترويج للتعاطي، ومنظمة الصحة العالمية تقول افتحوا المراكز لاكتساب ثقة المرضى ثم قوموا بمخاطبتهم لتغيير سلوكهم وأسلوب حياتهم، وخاصة ان مريض الإدمان لا يمكن علاجه إذا لم يقتنع بأنه مريض ويحتاج إلى المساعدة ويتم دفعه إلى أن يطلبها بنفسه، ولا يوقفه شيء في سبيل الحصول على ما يريد، وكل ما كنا نستطيع فعله هو نصيحة المدمنين بعد المشاركة في إبرة واحدة ونصيحة مرضى الايدز بعدم إقامة علاقات جنسية من دون واقٍ ذكري، كما ننصح الشباب بشكل عام بالابتعاد عن المخدرات وصيانة أنفسهم بالتعفف عن ممارسة العلاقات المحرمة.